مجنون المدينة (المتوكل طه)

تابعنا على:   16:57 2015-04-22

إلى الخال الحبيب عبد الرحمن الأبنودي

 

يقول مجنونٌ يبيعُ الريحَ:

لم ألقَ المدينةَ في المدينةِ،

سافَرَتْ في الناي،

أو في لُعبةِ التاريخِ،

كُنّا إنْ عشقنا لم نَنَم،

وإذا دخلنا النارَ نِمْنا،

والهزيعُ بنفسجُ القُطْنِ الوثيرِ،

وإنْ صَحَوْنا لم يعد في الدَّنَّ روحٌ،

كلُّ ما في الأمرِ؛

أن العمرَ بيتٌ من صغارٍ يلعبون،

ونسوةٌ تغلي حليبَ الليلِ

في العيدِ الكبير،

وعندما جاؤوا انكسرنا

مثلَ مئذنةٍ،

وما عُدنا نرى في قطعةِ الحلوى المرارةَ والرضا،

كُنّا ننامُ كما تنامُ الدارُ،

أو نبكي كما يبكي الجدارُ،

وتضحك الطرقاتُ فينا أو علينا،

إنّما كُنّا هنا،

مثلَ الجبالِ، على ذراعيها الدروبُ،

وعند غُرَّتها الغروبُ،

وفوقَها تاجُ الصنوبرِ والطيورِ،

وفي حواشيها البراكينُ الدماءُ،

ولم يكن في التينِ شوكٌ

أو حريقٌ،

كانت الدنيا مناديلاً

تصفّق للحجارةِ والبلادِ،

وما بلغْنا حكمةَ العشّاق حتى

مات في البلد المُوَلَّهُ

فاض شِعراً وارتوى بالرمل..

هذا أجملُ المرضى الذين

تناسخوا بجدائل النهر الغريقِ، وليته

ما كان إلاّ بعضَ مجنونٍ، ليبقى

في حديثِ الشامتينَ مساحةً للعَذْل..

هذا ما بدا، وله نعودُ غداً، لنبدأ

من جديدٍ في السؤال:

متى تُحرّرُنا البيوتُ

من الشهادةِ والجنازةِ والرثاء؟

ومَنْ سيفضحُ سرَّنا الغاوي

على حجر المساء،

وكيف نسرق حَبّةَ النهدين

من ثوبِ النداء،

وأين نزرعُ شمعةَ الدوريِّ

إنْ ضاق الفضاء،

وما الذي يبقى هنا

إنْ غاب مجنونُ الرياحِ

عن الشبابيكِ الهواء؟

اخر الأخبار