هل تخلت "الجهاد الاسلامي" عن مكانتها "الوسطية" من الانقسام!

تابعنا على:   11:07 2015-03-31

كتب حسن عصفور/ يقر غالبية أبناء شعب فلسطين لحركة "الجهاد الاسلامي"، رغم الاختلافات معها، أنها حملت "نكهة سياسية" بعيدة عن اي مظهر من مظاهر "الإستفزاز الوطني"، مع أنها لم تقترب من البرنامج السياسي الذي أقرته منظمة التحرير، بل أنها حتى ساعته تبقى الفصيل الوحيد الذي لم يتبن خيار "دولة فلسطين" على الأرض المحتلة عام 1967، خلافا لحركة حماس، التي أعلنت ذلك صراحة، بل وذهبت أبعد منه الى تفكيرها بهدنة طويلة الأمد، قد تنتج "اتفاقا سياسيا" مع دولة الكيان..

"الجهاد الاسلامي" لم تؤيد المساعي للحل السياسي التقليدي، لا عبر الأمم المتحدة ولا أي وسيلة أخرى، حتى لو أنها صمتت أحيانا، امام مشهد اجماعي، الا أنها تصر على نهجها الخاص، المميز، والذي قد لا يكون مقتربا من "الإجماع السياسي العام"..ورفضت كليا المشاركة في الانتخابات العامة الأولى عام 1996، اوالثانية عام 2006، ما كان خلافا لموقف حماس..

الجهاد الاسلامي، تشق طريقها مرتكزة على العامل العسكري أكثر، مع نشاط جماهيري يخدم هدفها ووسيلتها المنفردة بها، وكان حضورها المقاتل خلال المواجهة العسكرية للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، مع الفصائل المقتلة "القسام" وكل الأجنحة العسكرية للفصائل، خلال الحروب الثلاثة حضورا باهرا لافتا للانتباه، ترافق مع موقف سياسي - اعلامي أقرب الى النهج الوحدوي..وكان اعلامها الأكثر التصاقا بروح الوحدة بعيدا عن "الذاتية العصبوية" كما غيرها..

وخلال زمن "الانقسام - الانقلاب" الذي حدث في يونيو 2007 كان للجهاد الاسلامي دور يبتعد عن "التمحور" مع اي من "قطبي الأزمة الوطنية"، لا فتح ولا حماس، موقف سمح لها أن تعلب دورا وحدويا، قبولها عام ومريح من غالبية الشعب وكل الفصائل الوطنية، وتركت بصمتها تلك سلوكا وممارسة، ولم تخف في محطات معينة رفضها لمنهج حماس الانقلابي الأمني في قطاع غزة..

حافظت على تمسكها بالشرعية الفلسطينية، رغم أن مسافة الاختلاف السياسي معها ابعد كثيرا مما هي بين الشرعية وحركة حماس، الا أنها لم تذهب يوما لاعتبارها خارج "النص الوطني"، ولم تنزلق لحملة "التخوين" لها، كما فعلت حركة حماس وقياداتها مرات لا تحصى، وأبقت صلة الوصل والرحم السياسي مع حركة فتح، قيادة ورئيسا، وحافظت على ديبلوماسية الاتصال بين أمين عام الحركة والرئيس محمود عباس، دون "مزايدة" أو دون "مناقصة"..احترام الشرعية بلا أوصاف أو ألقاب، وهو ما أكسبها مزيدا من التقدير والمحبة السياسية وطنيا..

وشكلت زيارة وفد الجهاد الأخيرة الى مصر، بأعلى مستوى ضم الأمين العام د.رمضان شلح، ونائبة النشط د.زياد نخالة، علامة من علامات المكانة الخاصة للجهاد الاسلامي، مع الشقيقة الكبرى مصر، فلم تنزلق كما حماس في موقفها من مصر، احتكمت لـ"الوطنية الفلسطينية" وليس لموقف إخواني سقيم كما فعلت حركة حماس خلال الأشهر الأولى من اسقاط حكم المرشد وطنيا وشعبيا ولا حقا انتخابيا في مصر..سلوك فلسطيني بامتياز للجهاد..

 فكانت الزيارة التي بنى عليها شعب فلسطين عامة، واهل القطاع خاصة آمالا لتحريك ملفات أصابها جرثومة الحقت ضررا بالقضية الوطنية والإنسانية على السواء، زيارة أعطت اشارات أن "الأفضل قادم"..

وفجأة، وبلا مقدمات انتقلت حركة الجهاد، حتى ساعته في قطاع غزة، لتذهب بعيدا في موقفها السياسي، وتصب جام غضبها على الشرعية الفلسطينية والرئيس محمود عباس، بل أنها شاركت في مسيرة طالبت برحيل الرئيس محمود عباس، سلوك لم تقم به الجهاد يوما، سلوك سياسي في ايام قليلة جدا وضع الجهاد في مكانة استقطاب غير التي كانت عليها منذ تأسيسها..

أن تتمحور الجهاد الاسلامي سياسيا مع حماس وتدير ظهرها للكل الوطني، فهذا سؤال يحتاج الى جواب سريع من قيادتها التي حصلت على احترام ومحبة شعب فلسطين، كما لم يحدث لغيرها، رغم الفوارق في الموقف السياسي..بل أن الآمال علقت عليها لتكون عامل وازن في اعادة اصطفاف وطني يفرض موقفه على "قطبي الأزمة" كي لا تذهب القضية الوطنية بين خلافات تخرج عن السياق..

سلوك الساعات الأخيرة غاية في الاستهجان من الجهاد في قطاع غزة، لم تقتصر على المشاركة في مسرة لترحيل الرئيس عباس، بل أنها شاركت في "مؤتمر" يعيد انتاج الانقسام الوطني بشكل وثوب جديد، وعل السخرية تصل الى مداها عندما يسمى ذلك المؤتمر الاستقطابي الانقسامي باسم "مؤتمر الثوابت"، دون أن تسأل قيادة الجهاد هل تخلت حماس عن وثيقة "التهدئة" التي تناقشها مع قطر وتركيا ودولة الكيان..

هل تسلمت قيادة الجهاد تلك الوثيقة رسميا، ورأت بها "وثيقة العهد والقسم" لـ"الثوابت الوطنية"..وهل يمكن اعتبار "دولة غزة" خطوة أولية على طريق تحقيق "دولة الثوابت"، ولو افترضنا ان ذلك مؤتمر حق لحماية "الثوابت"، التي لم تحدد بوضوح كامل، لماذا لم يكن ذلك مع الكل الفلسطيني، خاصة وان حماس أعلنت موافقتها على البرنامج السياسي الفلسطيني الرسمي، وهي موافقة محفوظة صوتا وكتابة، كما انها تجري اتصالات تفاوضية مع دولة الكيان، أي انها ليست رافضة للمفاوضات بذاتها كمفاوضات..

هل الثوابت الجدية تطلب اتصال هنية برئيس وزراء تركيا قبل المؤتمر أو بعده، لا يهم، من أجل التسريع باقرار الممر المائي بين قطاع غزة والخارج، اي أنه يطالب تركيا التدخل مع دولة الكيان لاتمامه سريعا، وهو ما يؤكد التفاوض غير المباشر مع الكيان..وقبله ما هي صفة اسماعيل هنية الرسمية في النظام  ليتصل برئيس وزراء دولة أخرى، هل عاد ليمارس دوره كرئيس "حكومة ظل" أم كحاكم لدولة غزة، التي لم ير بها الزهار عيبا..

أما إن كان "الغضب السياسي" للجهاد من الرئيس عباس والشرعية بسبب تأييد "عاصفة الحزم"، فذات الموقف ولكن بكلمات أخرى أخذته حماس بطلب تركي قطري مباشر، ومحاولة لفتح خطوط مع العربية السعودية، فكيف يمكن قراءة موقفين بطريقة مختلفة..بالمناسبة موقف الجبهة الشعبية أكثر حسما و"حزما" من "عاصفة الحزم" عن حماس..هي ضده صراحة مطلقة، وليس تأييدا باطنيا كما "شريكة مؤتمر الثوابت"!

نقد سياسة ومواقف الرئيس عباس واجب وطني وشرعي سياسي، ولعل هذه الزاوية وجهت من النقد ما يفوق نقد كل الفصائل، يصل احيانا الى درجة لا يحتملها بعض الأصدقاء السياسيين، كما هو حق للجهاد أن تواصل ما كانت عليه نقد سياسي حاد جدا، ولكن دون استقطاب غير واضح الملامح، بل وربما يحمل ملمحا خطرا جدا، وهو تشجيع على مزيد من الفصل وليس الانقسام فقط..

ونتساءل: هل "تخلت" الجهاد عن موقفها من الانقسام..ولم نتساءل هل "تموضعت" الجهاد في خانة انقسام.. بأمل!

لعل المراجعة السريعة باتت ضرورة، وقبل أن تذهب الرؤية السياسية بعيدا عن مكانها..هناك وقت للمراجعة ووقت للتصويب الوطني، وجل من لا يخطئ..أليس كذلك!

ملاحظة: محاولات الاستاذ محمود الهباش الاختباء خلف لعبة اخراج التصريح عن سياقه فاشلة جدا لانه تصريح متوفر صوتا وصورة وغضبا وتشويحا بالأيدي..إعتذر يا "شيخ" فليس عيبا واعتبرها جنوحا زائدا تم قصه..وخلاص!

تنويه خاص: في اليوم الأخير للقمة العربية بشرم الشيخ انفعل وزير خارجية السعودية على رسالة الرئيس بوتين..ليته كان ذات الانفعال على موقف امريكا المعادي..انفعال لم يكن لا  بمحله ولا بزمانه ..روسيا مع القضية الأم وأمريكا تعمل على تصفية القضية الأم يا "عميد وزراء العرب"!

اخر الأخبار