ماذا بين إيران وأمريكا وإسرائيل؟

تابعنا على:   14:32 2015-03-27

سمير كرم

حملت الصحف العربية والأمريكية – والأوروبية بالطبع – خلال الأيام والأسابيع الماضية عناوين متناقضة حول احتمالات توصل الطرفين الأميركى والإيرانى إلى اتفاق بشأن احتمالات تولى إيران بناء قوة نووية خاصة بها. بدا الأمر بالنسبة لبعض المراقبين احتمالاً قوياً بالتوصل إلى اتفاق بين هذين الطرفين، وبدا الأمر بالنسبة لبعضهم الآخر احتمالاً سلبياً تماماً لحدوث مثل هذا التطور المهم.
وفى هذا الإطار بدا مهما للغاية تصريح أدلى به مسؤول أمريكى هو دوجلاس فرانتز، مساعد وزير الخارجية الأميركى جون كيرى للشئون العامة، ونشرته بكامل تفصيلاته صحيفة «السفير» اللبنانية (20 مارس 2015) قال فيه إنه لم يحتاج إلا إلى عشر ثوانٍ، ليوافق على عرض الوزير كيرى عليه بتولى منصب مساعد هذا الوزير ليكون مساعده للشئون العامة. فقد سبق له أن عمل مساعدا له عندما كان الوزير نفسه عضوا بمجلس الشيوخ الأمريكى. وكان أبرز ما قاله فرانتز أن البديل الوحيد عن إيجاد اتفاق – مع إيران – هو حرب مفاجئة فى المنطقة، فالعامل الذى يمكنه عرقلة التفاوض الآن هو الإطار الزمنى للاتفاق فى عدد السنوات التى ستقبل فيها إيران برقابة شاملة على كل جوانب برنامجها النووى.. يبدو أن إيقاف إيران لتخصيب اليورانيوم بات خارج النقاش، والمسألة تتعلق الآن بمستوى التخصيب وآلية الرقابة عليه. وقد سُئِلَ فرانتز عن الهدف النهائى للمفاوضات النووية، واذا كان هذا الهدف إبطاء برنامج إيران النووى أم إيقافه، ورد قائلاً: «إن الهدف هو ضمان أن إيران لن تحصل على سلاح نووى. هذه هى النتيجة النهائية وليس ببساطة مجرد تجميد هذا البرنامج بل إيقافه».
•••
ويقول دوجلاس فرانتز: «إن عملية إرضاء الإيرانيين، ستشمل حزمة معقدة، لا تتضمن فقط قضية العقوبات. إننا نحتاج إلى إعطاء الإيرانيين شيئا من هذا القبيل إنما نحتاج إلى السماح لهم – مع إيجاد كل الضمانات – بمواصلة تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية. إنهم لن يقبلوا عمليات التفتيش الشاملة هذه إلى الأبد، وأعتقد أن مطلبا من هذا النوع يمكنه أن يعرقل المفاوضات». ويضيف فرانتز: «أن السرية الكاملة تحكم المفاوضات النووية. إن الرقابة إلى الأبد غير واردة. لذلك يحاول المفاوضون الغربيون تحقيق فترة أمان بين ما يعتبرون أنه قرار إيران بصناعة قنبلة نووية والإمكانية التقنية لإنجاز ذلك». وينتقد فرانتز من يصفهم بأنهم ينتقدون اتفاقا لم يحصل بعد. ويقول إنه يسأل أولئك المنتقدين ما البديل؟ ويجيب على هذا التساؤل «أن البديل هو حرب أخرى فى الشرق الاوسط مع خصم قوى».
فى الوقت الذى أدلى فيه فرانتز بهذه التصريحات من موقعه كمسؤول أطلق البيت الأبيض ما وصفته وكالات الأنباء الأميركية بأنه توبيخ لنيتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى – قبيل وقت قصير من إعلان فوزه فى انتخابات الكنيست – لتخليه عن التزامه السابق بإقامة دولة فلسطينية. وقد بدأ الخلاف فى أقصى درجاته بين إسرائيل وأمريكا بشأن «الدولة الفلسطينية» عند هذه النقطة بالذات. ولم يكن ذلك تناقضا مع الموقف الأميركى الأخير من إسرائيل، بل إنه بدأ فى صورته هذه أقصى درجات الاختلاف بين إسرائيل وأمريكا إزاء فكرة الدولة الفلسطينية كحل نهائى وحتمى للمسألة الفلسطينية. إن التناقض لم يبد تاما بهذه الصورة من قبل بين إسرائيل وأمريكا. خاصة وقد ورد على لسان الناطق الرسمى باسم البيت الأبيض. ولعل من الصواب أن نقول إننا لم نسمع من قبل مثل هذا التناقض الأمريكى – الإسرائيلى. ولعل المسئول عن هذا التناقض أساسا هو الموقف الفلسطينى الذى صار حريصا على التوافق مع الموقف الأمريكى أكثر من أى وقت مضى. ويمكننا أن نقول إن الموقف الفلسطينى أصبح شديد الحرص فى الفترة الأخيرة على أن يبدو أكثر التزاما بالموقف الأمريكى من مواقف معظم الدول العربية. بل يمكن أن نذهب فى هذا السياق إلى أن الموقف الفلسطينى أصبح أكثر المواقف التزاما بالموقف الأمريكى من هذه القضية من أى وقت مضى.
•••
إن الموقف العربى يبدو اليوم مختلفا تماما إزاء إسرائيل عما كان عليه فى الماضى. بل إن الموقف العربى من إسرائيل أصبح أشد تنوعا واختلافا عما كان عليه قبل توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، و لا يزال بإمكاننا أن نصف هذه المعاهدة بأنها الأكثر علنية بين دولة عربية واسرائيل. ولكن هذا لا يعنى استبعاد اتصالات السلام بين الدول العربية وإسرائيل استبعادا تاما. ومن الواضح أن هذا الوضع يكشف تناقضا بين مواقف الدول العربية واسرائيل من ناحية والموقف، الذى تتخذه إسرائيل فى هذا الشأن من ناحية أخرى. فمن الواضح أن إسرائيل تبدى فى الفترة الأخيرة حرصا شديدا على إضفاء السرية على مستوى علاقاتها مع دول عربية. وهو حرص يزيد فى بعض الأحيان عن حرص تلك الدول العربية على تكتم اتصالاتها السرية مع إسرائيل.
ويبدو أن الدول العربية تظهر للبيت الأبيض الأمريكى حرصا قويا على مواقف الدول العربية المتقاربة مع إسرائيل، يفوق حرص هذه الدول العربية على كتمان سرية اتصالاتها مع اسرائيل فى حالة وجود هذه الاتصالات السرية. ولكنها – أى الدول العربية – لا تملك إخفاء سرية الاتصالات بين دول عربية وإسرائيل حينما تكشف عنها الصحافة الأمريكية المقروءة على نطاق واسع فى المنطقة العربية. لهذا يبدو التناقض حادا بين علاقات إيران واسرائيل وعلاقات الدول العربية مع الدولة الإسرائيلية.
•••
وينبغى أن لا يكون خافيا عن الذهن العربى أن علاقات إيران بأمريكا ستبدو أكثر وضوحاً مستقبلاً من علاقات إيران بإسرائيل.
عن الشروق المصرية

اخر الأخبار