المؤقت في عُرف الاحتلال دائم ... آليات إعادة الإعمار وآثارها

تابعنا على:   16:38 2015-03-26

صلاح أبو حطب

يُشكل موضوع إعادة الإعمار في قطاع غزة لما خلفته الحروب الثلاثة التي شنتها إسرائيل على القطاع منذ نهاية العام 2008 حتى الأن، حاجة إنسانية غاية في الالحاح. فقد خلف العدوان آثاراً كارثية طالت كل مرافق الحياة حيث أضحت معها الحياة درب من دروب المستحيل. وبعيداً عن توصيف أشكال المعاناة والألم اليومي الذي يعتصر قلوب الغزين من آثار العدوان ووحشية الحصار تبدوا الأزمة ببعديها الظاهري والعميق، أزمة غاية في الخطورة، تتعدى كونها حاجة إنسانية ملحة لترقى لكونها أداة للتطهير العرقي. بقليل من التأمل والادراك لفكرة إعاقة الإعمار التي تعرقلها دولة الاحتلال في قطاع غزة أو إعادة الإعمار بالآليات المقترحة (آلية الأمم المتحدة أو خطة سيري لإعمار غزة) والتي أصبح الجانب الفلسطيني الرسمي طرفاً فيها ورفضتها كافة منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، بل واعتبرتها آلية لمأسسة الحصار المفروض على قطاع غزة، ندرك دائرة التيه اللامتناهي التي نحن بها. وبعيداً عن هذا الإطار السياسي، تشير الوقائع على الأرض خلال الشهور السبعة الماضية من العمل بهذه الآلية خطورة ما ينتظر الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على مستوى تواجده بما تحمل الكلمة من معاني البقاء. ربما يجادل البعض بأن خطة سيري التي أعلن عنها مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط بتاريخ 16/9/214، هي خطة مؤقتة لحين إنهاء الانقسام وحصول التوافق السياسي، ولكن تجربة الشعب الفلسطيني لم تختبر (المؤقت) عبر تاريخه الطويل في الصراع إلا وأصبح دائماً وأبدياً!

وبناء عليه، علينا أن ندرك بالمطلق بأن إعاقة الإعمار لا تصب فقط في خانة الحاجة الإنسانية رغم أهميتها القصوى، فهناك البعد الأخر في إعاقة الإعمار المتمثل في وقف التمدد والنمو الطبيعي على هذه الأرض وهو الهدف النهائي لهذه العملية التي تديرها حكومة الاحتلال بشكل منهجي. وبطبيعة الحال، فالعملية جزء من سياسات الاحتلال المتحكمة في كل تفاصيل ومسارات الحياة للشعب الفلسطيني وعنوانها المشترك هو التضيق والتنكيل بهدف الطرد والاحلال. وللتوضيح أكثر يمكننا البحث في العديد من التساؤلات التالية ودلالاتها الاجتماعية والسياسية: ماذا يعني عدم قدرة عشرات الألاف من الشباب المؤهل عمرياً _ حسب المعيار الشعبي الفلسطيني_ لبداية الحياة الأسرية بإيجاد مأوى لبداية تأسيس الأسرة حتى لو توفر المال في بعض الحالات؟ وما أثر ذلك على الحياة الاجتماعية؟ وما هي الأزمات الاجتماعية التي حتماً ستكون نتاج لهذا الواقع؟ وما أثر ذلك على الحياة السياسية للمجتمع الغزي من مناحي عدة: التكوين السياسي لهذه الفئة العمرية التي يُناطحها الواقع غير الموصوف للدمار وإعاقة الحياة؟ وما هي الحواضن التنظيمية والسياسية القادرة على استقطاب ارتدادات هذا الأمر في ظل تفرد طرف فلسطيني دون غيره في ممارسة النشاط السياسي والتعبئة الفكرية والتنظيمية بحرية مطلقة في قطاع غزة ؟ هذا الأمر ربما ينبئ بدلالات واضحة إلى المسارات والمسالك التي تُسقط علينا اسقاطاً عمودياً وعلينا السير في فلكها، سياقاتها وقنواتها والتي _شئنا أم أبينا_ ستشكل حاضنة لإعادة إنتاج وصقل الوعي لهذه الفئة العمرية. هذا الأمر الذي سينسحب طردياً على تشكيل الرأي العام في المجتمع الغزي في السنوات القليلة القادمة إذا ما استمر الأمر على هذا الحال؟ وكيف سيتم ضبط وتوجيه تشكيل الرأي العام المتناغم والموحد للشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع؟ تساؤلات تدويرها حسب الأهمية يدخلنا في حيرة أيهما أولاً وماذا يُراد من خلال توجيه الرأي العام في غزة باتجاه لون واحد في داخله ولون مختلف عن كله؟ إذا لم تتكاثف الجهود المحلية لكل الأطراف للوقوف في وجه هذا الواقع المرير بعيداً عن المصالح الحزبية الضيقة سيكون الجميع في خطر، وعلى الجميع الإدراك أن التنوع الثقافي والتعددية الحزبية في إطار المؤسسات الرسمية هي دعائم القوة أكثر مما يعتقد البعض أن القوة في جمع المناصرين ... إن الحياة السياسية الصحية القائمة على الحرية والمشاركة هي السبيل إلى انتاج الفكر المقاوم الصلب القادر على تحمل المسؤولية في التصدي لغطرسة الاحتلال وحشيته. إننا بحاجة إلى كادر ومجتمع منتج للفكر وللثقافة المقاومة وليس كادر حامل لها من أجل حماية الأرض والإنسان!

اخر الأخبار