الولايات المتحده ونيلسون مانديلا والرئيس محمود عباس !

تابعنا على:   18:30 2015-01-27

دكتور ناجى صادق شراب

  جنوب أفريقيا ليست فلسطين ، ولا يمكن أن تكون على الرغم من مقارنة البعض بين الحالتين، وإستحضار النموذج الأفريقي وإمكانية تطبيقه على فلسطين، ومن ناحيتهم الفلسطينيون فشلوا فى أن يجعلوا من قضيتهم نموذجا على غرار النموذج ألأفريقى بتمسكهم بخيار حل الدولتين. الفارق فى الحالتين هى إسرائيل، فى النموذج ألأفريقى كانت هناك أقلية بيضاء تحكم ،وتفرض عنصريتها على الأغلبية السوداء، عرف المناضل مانديلا كيف يقلب هذه المعادلة ، هو لم يتحدث عن دولة للسود ودولة للبيض، بل تحدث عن دولة المواطنة الواحدة ، ونجح ان يحول قضية التمييز العنصرى قضية دولية ، ورأى عام عالمى ،ولم يخرج من السجن الذى قضى فيه 27 عاما منتقما او طالبا للثأر والقتل، ولكن ركز على قضية الحقوق المدنية ، حول قضيته والتى هى قضية أبناء جلدته لقضية نضال سلمى ، ونجح فى ذلك،ووقفت معه الولايات المتحدة وأورويا لمنطقية منهجه وأسلوبه، لدرجة أن الرئيس ألأمريكى أوباما عندما زار جنوب أفريقيا فى يونيو عام 2013 وصف مانديلا بالقائد الملهم، الذى نجح فى ان يجعل من قضية بلاده قضية الهام،هذا والذى يعنينا هنا أن الولايات لم تستخدم الفيتو ألأمريكى فى مجلس الأمن بل دعمت مجلس ألأمن فى التخلص من سياسات التمييز العنصرى التى مارستها ألأقلية البيضاء ضد الأغلبية السوداء، ومارس مجلس الأمن دوره وفرض عقوبات على الحكومة البيضاء فى جنوب أفريقيا لتقوم دولة جديدة تستند على المساواة والمواطنة الواحدة . هذا النموذج قد يبدو بعيدا عن التطبيق فى الحالة الفلسطينية ، حتى عندما حاول الرئيس محمود باس ان يحمل لواء المقاومة السلمية، والنضال من اجل الحقوق الفلسطينية بتفعيل قررات الشرعية ، وذهب إلى مجلس الأمن مطالبا بإنهاء الإحتلال الإسرائيلى للآراضى الفلسطينية وقيام الدولة الفلسطينية كمصدر للأمن والسلام وكدولة ديموقراطية مدنية تقوم إلى جانب إسرائيل الدولة ، والذى قد يفتح قيامها لعلاقات توصل إلى مفهوم الدولة الواحدة وقفت له الولايات المتحدة بالفيتو الأمريكى لتعطل مجلس ألأمن من القيام بدوره. ومن قبله الرئيس الراحل عرفات الذى جاء إلى الأمم المتحدة حاملا غصن الزيتون فى يد، والبندقية بيد أخرى مطالبا المجتمع الدولى بألا يسقطوا من يده غصن الزيتون ، وصاحب مقولة سلام الشجعان ، وهو من وقع على إتفاقات اوسلو رغم معرفته بكل سلبياتها لكن إيمانا بالطريق السلمى لنيل الحقوق الفلسطينية.الفارق بيين الحالتين ،انه فى الحالة توجد إسرائيل التى تقف ورائها الولايات المتحدة ملتزمة بامنها وبقائها ، وتتبنى وجهة النظر الإسرائيلية ، وفى الوقت ذاته تمكنت إسرائيل أن تكتسب شرعية بوجودها كدولة ، وأيضا الفلسطينيون منحوها هذه الشرعية بإعترافهم بها كدولة. وتبنى الفلسطينيون خيار الدولتين ، وبالتالى تحول إلى صراع سياسى يتمحور حول مضمون الدولة الفلسطينية أكثر منه صراع حول المواطنة الواحدة. ومع ذلك تقف الولايات المتحدة ضد التحركات السلمية التى لجأ إليها الرئيس محمود عباس بذهابه لمجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية وبقية المنظمات الدولية مؤكدا على البعد القانونى والسلمى لهذا الخيار بعيدا عن خيار المقاومة المسلحة ، وإيمانا منه ان هذا هو الخيار الذى يصب فى صالح جميع الدول بما فيها إسرائيل. ولأنه ليس ما نديلا ، وليست فلسطين جنوب أفريقيا وقفت الولايات المتحدة مهاجمة حتى هذا النهج، وذهبت إسرائيل بيمينيتها الإنتخابية إلى إعتبار ان أبو مازن ليس شريكا حقيقيا للسلام، وأنه يحرض على العنف بمصالحتة حماس وبقيام حكومة التوافق التى أكدت أن برنامجها هو نفس برنامج الرئيس السلمى . الولايات المتحدة بهذا الموقف لا تعتبر ابو مازن قائدا ملهما وصاحب مبادئ وقضية عادلة . حتى المشاركة ألأخيرة للرئيس عباس فى مسيرة التنديد بالإرهاب فى باريس لم تشفع له، ولم تحوله لقائد ملهم، . وقد يكون الفلسطينيون بإنقسامهم السياسى وتفتت مواقفهم ، وعدم التوافق على هذا الخيار الذى يعيد للقضية الفلسطينية إلهامها ،بانها قضية القضايا فى الصراع الذى تشهده المنطقة ، لا شك ان هذا الموقف الفلسطينى ساهم فى تراجع القضية الفلسطينية وأفقدها إلهامها ، وأيضا برهنها للحسابات ألإقليمية ، وكان المفروض ان يحدث العكس أن تأتى كل الدول إلى القضية الفلسطينية كما فعلت فى جنوب افريقيا ، والكل ذهب إلى نيلسون ما نديلا، وتبنى قضيته، بالعكس فلسطينيا الفلسطينيون هم من ذهبوا بقضيتهم للدول الأخرى فضاعت هيبة القضية وتحولت إلى مجرد مساعدات إقتصادية تقدمها هذه الدولة ترضية لطرف فلسطينى على حساب طرف آخر ، وعلى حساب القضية ذاتها. القضية الفلسطينية فى حاجة أن تستعيد القائد الملهم ، والعمل ان تستعيد القضية الفلسطينية مصدرها كقضية إلهام ، وقضية أمن وسلام عالميين،والمطلوب فلسطينيا أن يركزوا على قضية الحقوق المدنية ، وقضية المواطنة الواحدة بتبنى رؤية سياسية صحيحة لنيل حقوقهم المشروعة ، وهذا يحتاج إلى مراجعة شاملة لكل الخيارات بما فيها خيار لمقاومة المسلحة ، الخيار السلمى المدعوم بموقف عربى ودولي داعم هو الكفيل ان يعيد للفلسطينيين حقوقهم ، لكن المعضلة تبقى فى الإتفاق على الخيار الفلسطينى ، والإلتفاف حول القائد الملهم صاحب القضية الملهمة لجميع القضايا ، فالشعب فى جنوب افريقيا إلتف حول نيلسون مانديلا بكارزميته السوداء، وبعدالة ومنطق قضيته، والفلسطينيون عاجزون عن ذلك بل قد يقتلون هذا الإلهام قبل ان يظهر.

[email protected]

اخر الأخبار