محاكم التفتيش البابوية

تابعنا على:   16:47 2015-01-27

د. اسامه الفرا

ما يلفت الإنتباه في مسألة قطع الرواتب الأخيرة أن حكومة الوفاق لم تنبس ببنت شفة حول ذلك، وكأن الأمر خارج دائرة صلاحياتها ومسؤولياتها، فلم يكلف نفسه رئيس الحكومة بتوضيح المبررات التي دفعت حكومته لإتخاذ قرارها، ولم ينطق الناطق بلسانها بحرف، ولم تكلف الحكومة احد وزرائها ليفند حيثيات القرار، فيما تكفل الناطق بإسم الأجهزة الأمنية بتوضيح أنه تم ترقين قيد (طرد) كل من خالف القواعد والانضباط العسكري من عناصر المؤسسة الأمنية في المحافظات الجنوبية، وأنه سيتم استبدالهم بمنتسبين جدد من المحافظات الجنوبية، ولم يوضح لنا ما هي القواعد ومفاهيم الإنضباط العسكري التي خالفها "المطرودون"، والأهم من ذلك من يملك حق الطرد من الخدمة العسكرية إن لم تكن المحكمة هي صاحبة الاختصاص؟.

لا يختلف إثنان حول أهمية الإنضباط ليس فقط في المؤسسة العسكرية بل في شتى مناحي الحياة المدنية، لكن ما نختلف حوله كثيراً هو مفهومنا للإنضباط، حيث يحاول البعض تقزيم تعريفه في الطاعة العمياء، وأنه يرتبط بالعقاب أكثر من إرتباطه بالإقناع، والحقيقة أن تعريف الانطباط أشمل من ذلك بكثير، فهو يعني إطاعة الأوامر والتعليمات، واحترام القواعد والقوانين والتقيد بالنظام، والالتزام بالتقاليد والأعراف، وإذا إعتقدنا أن العقاب هي الأداة الأقوى لفرض الانضباط، فنحن بذلك نبحث عمن بإستطاعتنا أن نسوقهم لا أن نقودهم، وشتان بين الانضباط السلبي القائم على الخوف من العقاب الذي يقيد النفس ويوغر الصدر، وبين الانضباط الإيجابي القائم على الإقناع الذي يحفز النفس ويدفعها نحو التفاني في العمل.

والإنضباط بما يتضمنه من إحترام للقانون والتقيد بالنظام لا بد وأن يشمل الجميع الكبير قبل الصغير، وتجاوز القانون والنظام هو المدخل لحالة الترهل وعدم الانضباط التي تسود المؤسسة سواء كانت عسكرية أو مدنية، يخطيء من يعتقد أن تكميم الأفواة يأتي ضمن مفهوم الإنضباط، وحالتنا الفسطينية أكثر تعقيداً من غيرها في رسم حدود للإنضباط، فهل إلتزمت اللجنة العليا للضبابط بالانضباط كي يلتزم المرؤوس به؟.

إن قرار الفصل من الخدمة العسكرية هو من صلاحيات المحكمة العسكرية وليس من صلاحيات محاكم التفتيش البابوية، وإن كانت محاكم التفتيش البابوية قد لفظت أنفاسها منذ قرون عدة ومن بعدها محاكم التفتيش الأسبانية، إلا أن ما يشتم من قطع رواتب العسكريين في قطاع غزة هو أننا نستحضر منهجية عمل تلك المحاكم "السيئة الصيت والسمعة" بعد أن لفظها التاريخ وطوى صفحاتها في أرشيف عصر ما قبل النهضة.

اخر الأخبار