«داعش.. الحقيقة والوهم» ( الحلقة الثانية)

تابعنا على:   14:21 2015-01-22

كتب مصطفي بكري : كيف نجح 'داعش' في اجتياح الموصل والمناطق العراقية دون مقاومة في يونيو الماضي؟!!  - ضباط سابقون بالجيش العراقي وفصائل سنية عديدة شاركوا التنظيم وأعدوا الخطط العسكرية

- جون كيري يتحدث عن محور جديد لمواجهة الإرهاب وشكري يرفض المعايير المزدوجة

- تركيا ترفض التوقيع علي مقررات جدة والسيسي يؤكد لأوباما: لن نتورط عسكريًا في هذا الحلف

 في العاشر من يونية 4102 فوجئ الرأي العام في الداخل والخارج بالانتصارات 'الصادمة' التي حققها تنظيم 'داعش' علي الأرض العراقية، ففي ساعات محدودة سقطت محافظة نَيْنَوَي، ثانية كبريات المحافظات العراقية، حيث اجتاحت قوات 'داعش' والقوي المتحالفة معها أرض المحافظة بعد أن طوّقتها من اتجاهات محددة، ولم يكن من خيار أمام قوات الجيش والأمن العراقية إلا الهروب من ميدان المعركة وترك أسلحتهم الثقيلة لتسقط في أيدي المقاتلين ذوي البأس الشديد، المدربين تدريبًا جيدًا علي فنون الحرب المختلفة.

تقع محافظة نينوي، وعاصمتها الموصل، علي بعد 053 كيلومترًا إلي الشمال من بغداد، حيث تُعَدُّ من المحافظات ذات المذهب السني ويبلغ تعداد سكانها نحو 3.5 مليون مواطن.

كانت البداية تحركًا مفاجئًا لقوات مجهولة الهوية من المسلحين الذين ينتمون إلي العشائر السنية وما يسمي بجيش 'النقشبندية' وضباط وجنود ينتمون إلي الجيش العراقي السابق الذي تم حله في أعقاب الاحتلال الأمريكي- البريطاني للعراق عام 3002؟ بالإضافة إلي جنود 'داعش' وبعض التنظيمات السلفية الأخري.

وبسرعة البرق، سقطت محافظة نَيْنَوَي في أيدي المسلحين الذين قدموا من الشمال، حيث اقتحموا مقر عمليات الأنبار ونَيْنَوَي للعمليات العسكرية واستولوا علي المباني وحي الطيران، الذي يعتبر مربعًا أمنيًا محصّنًا في مدينة الموصل، ويضم منازل العديد من كبار ضباط الجيش العراقي، كما نجح المسلحون في اقتحام سجن بادوش، حيث فتحوا الأبواب لتهريب ما يقارب الثلاثة آلاف من المسجونين السياسيين والجنائيين علي السواء.

كانت ساعة الصفر هي يوم الجمعة، العاشر من يونيو 4102؟ وكان المهاجمون يمتلكون خرائط ومعلومات دقيقة حول مواقع الجيش وعناصر الشرطة العراقية في أنحاء المحافظة، وقد نجحوا في مفاجأة القوات التي لم تجد أمامها من خيار إلا الهروب السريع وترك الساحة كاملة للمهاجمين.

 

وكان في مقدمة الهاربين قائد عمليات نَيْنَوَي، الفريق مهدي العزاوي، والفريق أول علي غيدان، قائد القوة البرية، اللذان تمكنا من الهرب إلي بغداد عبر المروحيات، وتبعهما في ذلك آلاف الضباط والجنود الذين راحوا يهيمون علي وجوههم بعيدًا عن ميدان القتال.

وخلال أيام قليلة، كانت القوات المهاجمة، التي يتصدرها تنظيم 'داعش' قد تمكنت من احتلال العديد من المحافظـات والمناطـق التي امتـدت، في فتــرة لا تزيد علي الشهر، من بغداد إلي ضواحي دمشق ومن الحدود الأردنية إلي الحدود التركية.

كان الأمر غريبًا ومثيرًا للدهشة، فبيانات الحكومة العراقية أكدت أن مَنْ قاموا بكل هذه الهجمات واحتلوا المدن والمحافظات ينتمون فقط إلي تنظيم 'داعش' بينما الحقيقة كانت تقول إن 'داعش' الذي لا يزيد عدد أعضائه علي ثلاثين ألف عضو في هذا الوقت ليس سوي فصيل من فصائل أخري متعددة، اتفقت جميعها علي إسقاط حكومة 'المالكي' والسيطرة علي المناطق السنية في العراق كبداية للانطلاق باتجاه المنطقة بأسرها.

وقد نجحت الفصائل المسلحة بعد يوم واحد فقط في أن تصل بقواتها العسكرية إلي بلدة 'العظيم' ومن بعدها 'الضلوعية' علي مشارف بغداد الشمالية، حيث وجدت ترحيبًا من أهالي البلدتين، خاصة أنهما من أبرز بؤر التمرد السني منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 3002 كما أن الضلوعية تضم المئات من ضباط الجيش العراقي السابق والمنتمين لحزب البعث الذي تم حله بعد إسقاط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، وكان من بين القوي التي زحفت مع 'داعش' جيش المجاهدين، وهو تنظيم سلفي، له دور كبير في مقاومة الاحتلال الأمريكي، وجيش رجال الطريقة 'النقشبندية' وهو تنظيم صوفي يقوده عزة إبراهيم الدوري، نائب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وأيضًا تنظيم أنصار السنة، وهو تنظيم متشدد له تاريخ طويل في العراق، وكان يشاركهم أيضًا ضباط سابقون في الجيش العراقي لهم وجودهم الكبير في مدينة 'الموصل' وغيرها.

كانت الخطة التي تم الاتفاق عليها تقضي بالتحرك من قري عشائرية جنوب الموصل ومن بينها: الحديديين والبدران، حيث تتواصل هذه القري بمنطقة الجزيرة التي ترتبط جغرافيًا بالأنبار، مما كان له بالغ الأثر في دعم المهاجمين وتأمين دخولهم واستيلائهم علي معسكرات الجيش العراقي.

كانت الخطة تقضي بعدم الدخول في معارك مع السكان وتجنب الصدام بالقري والأحياء غير السنية في الموصل، وكذلك الحال بالنسبة للمناطق الكردية والمسيحية، حيث بقيت أحياء الحمرانية والقوش وبعشيقة وغيرها تحت سيطرة البشمركة الأكراد في بداية الأمر.

كانت وجهة القوات المهاجمة محددة، بدأ الهجوم علي الجانب الأيمن من الموصل بنحو 0052 مقاتل ينتمون إلي جميع الفصائل المنضوية بمن فيهم 'داعش' نجحت القوات المهاجمة في إسقاط مقر الشرطة الاتحادية، المعروف بممارساته القمعية والطائفية ضد السكان، خاصة 'السنة' منهم، ثم تلي سقوط الفرقتين العسكريتين للجيش العراقي حدوث انهيار وفرار كبير إلي خارج المحافظة، تاركين أسلحتهم الثقيلة من الدبابات والمدرعات ومنظومة الصواريخ المضادة للطائرات.

لقد استقبل سكان الموصل القوات المهاجمة بترحيب حذر، وهو أمر كان متوقعًا، حيث رأي السكان ذوو الأغلبية السنية أن هذه القوات ربما تحميهم من الممارسات الطائفية والقمعية التي مورست ضدهم من حكومة 'المالكي' وميليشياته علي وجه التحديد.

لقد اختصر محافظ الموصل، أثيل النجيفي، المشهد في حديث تليفزيوني أذاعته قناة 'البغدادية' بالقول: 'إن الناس في الموصل تفرُّ إلي مَنْ ينقذها، عندما يقع الظلم من القوات الأمنية'. وقال: 'لقد قلت للفريق علي غيدان، قائد القوات الحكومية: إنكم تخسرون الناس بممارساتكم، فداعش لا يمكن أن تعيش بجو ليس إيجابيًا لها'.

وقال: 'إن داعش تصرّفت بكياسة مع المواطنين بالموصل أكثر من القوات الأمنية الحكومية'. وأضاف أن 'هناك عددًا من الفصائل المقاتلة تشترك مع داعش، وأن السكان المحليين ينظمون لجانَ حماية بالتنسيق مع الفصائل المسلحة'.

أما السياسي العراقي أحمد العبيدي، منسق اللقاء العربي - التركماني، فقد نسبت إليه صحيفة 'القدس' اللندنية القول: 'الأمر الجيد أن مقاتلي الدولة لم يقوموا بأي ممارسات متشددة، المسلحون هم أقاربنا ومن عشائرنا بالنهاية، ومعظم المقاتلين في قرانا من أبناء منطقتنا وجري تنسيق جيد بينهم وبين 'داعش''!!

لقد كان أيضًا للممارسات الطائفية والقمعية التي قامت بها بعض الميليشيات الشيعية علي أرض العراق خلال السنوات التي تلت الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 3002 الدور الأهم في التقارب الذي حدث بين عشائر السنة وبين تنظيم داعش.

كانت عمليات القتل والذبح التي قامت بها ميليشيات 'المالكي' علي مدار السنوات الماضية تحديدًا هي كلمة السر التي وحّدت الجميع مع 'داعش' في بداية الأمر، رغم الإرث التاريخي من الصراع بين العشائر السنية وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، الذي كان يتزعمه أبومصعب الزرقاوي، الذي لقي حتفه عام 6002.

لقد سعت 'داعش' منذ بدء الهجمات في العاشر من يونيو، إلي طمأنة المواطنين، حيث وزعت العديد من المنشورات التي أكدت فيها أنها لن تتدخل في حياتهم الخاصة، وأنها جاءت مع الفصائل الأخري لإنقاذهم من ظلم قوات وميليشيات نوري المالكي وحلفائه، وهو الأمر الذي دفع الكثير إلي الاصطفاف التنظيمي مع أهل السنة للمرة الأولي بمختلف اتجاهاتهم الفكرية والاجتماعية.

وهكذا، بعد يوم واحد من سقوط الموصل، كان الموظفون الحكوميون يعودون إلي أعمالهم ووظائفهم، وساد الهدوء المدينة بشكل غريب، وترقب الناس مسار الأوضاع في الشوارع والمناطق المختلفة، بينما سادت حالة من الخوف أدت إلي إغلاق المتاجر والمحلات والمقاهي.

وأوقف المسلحون بعضًا من الرافضين لهم وتم إعدامهم في الشوارع، بينما أصدر تنظيم داعش تحذيرًا للسكان من النطق بكلمة 'داعش' وإلا كان العقاب ثمانين جلدة للمخالفين، حيث بدأت داعش تكشف عن وجهها الحقيقي سريعًا.

بدأ الآلاف من العائلات في النزوح باتجاه كردستان، شمال العراق، خوفًا من قوانين 'داعش' التي تحدُّ من حريات المواطنين وتجعلهم عرضة للموت والعقاب في أي وقت.

في هذا الوقت كان الموقف الأمريكي مثيرًا للتساؤلات في نظر البعض، وهو أمر دفع المحللين إلي التساؤل عمّا إذا كان ما يجري يتم بضوء أخضر أمريكي، وبهدف تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد، بدءًا من سوريا والعراق.

إن أغرب التحليلات في هذا الشأن يقول: 'إن سقوط الموصل في أقـــل من ليلة علي يد المسلحين وهروب القوات العسكرية الحكومية باتجاه بغداد وكردستان إنما هو أمر متفق عليه سلفًا'.

ويري أصحاب هذا الرأي أن هناك رشاوي قُدِّمت لقيادات عسكرية كبري، كما أن عنصر المفاجأة وإقدام قوات داعش وتسليحها المتقدم كل ذلك دفع إلي سقوط الموصل والعديد من المدن من حولها سريعًا.

لقد فاجأت 'داعش' الجميع بقوتها، وأسلحتها المتقدمة، وتدريباتها المتميزة، فكان السؤال المطروح: كيف ومن أين.. ولماذا؟!

منذ البداية كانت المعلومات تؤكد، أن هناك قوة فاعلة ولديها القدرة والسيطرة، هي التي تقف خلف تنظيم 'داعش' تقدم له المال، وتتولي دعمه بالسلاح، وتدريب أعضائه وقياداته علي فنون القتال.

إن ذلك يتجاوز حتي المخطط الذي تبنته الولايات المتحدة وسعت إلي تنفيذه علي أرض الواقع، وهو ما سُمِّي بـ'مخطط الشرق الأوسط الجديد'.

ولذلك اتجهت عيون العالم صوب العاصمة الأمريكية واشنطن تراقب الموقف وردود الأفعال.

لقد أُعلن عن مؤتمر صحفي مهم للرئيس الأمريكي 'باراك أوباما' لمواجهة التطورات التي تشهدها العراق وسوريا في الثامن والعشرين من أغسطس 4102.

غير أن المؤتمر جاء مخيبًا لآمال الحلفاء والأصدقاء، فقد حدد أوباما موقفه في هذا المؤتمر علي الوجه الآتي:

ـ إن بلاده تسعي إلي تشكيل تحالف دولي وإقليمي لمواجهة تنظيم 'داعش' وإنه قرر إيفاد وزير خارجيته 'جون كيري' إلي منطقة الشرق الأوسط لهذا الغرض.

ـ إنه طلب من وزير دفاعه 'تشاك هيجل' إعداد مجموعة من الخيارات لمواجهة التنظيم.

ـ أشار إلي إمكانية وجود دور لتحالف دولي بتقديم دعم جوي للقوات العسكرية العراقية وتوفير تدريب وعتاد، وأن الأولوية تكمن في ضمان دحر التقدم الذي أحرزه تنظيم 'داعش' في العراق.

ــ إن الولايات المتحدة بإمكانها اقتلاع تنظيم 'داعش' بسهولة، لكنه سيعود بمجرد مغادرتها، لذا فالاستراتيجية سياسية في المقام الأول.

ـ إنه لم يتم تحديد استراتيجية للتدخل في سوريا حتي هذه اللحظة، وأن الأسد لا يملك القدرة علي الدخول لمناطق يسيطر عليها 'داعش' وبالتالي فإن أمريكا ليست مضطرة لأن تختار بين 'داعش' والأسد.

ـ إن كسر شوكة 'داعش' علي المدي الطويل يتطلب استراتيجية إقليمية بالتعاون مع السُّنة في العراق وسوريا.

بعدها دعا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يوم الجمعة 92 أغسطس 4102 إلي تحالف عالمي واسع من أجل مكافحة تنظيم 'داعش'.

وكتب 'كيري' مقالاً في صحيفة 'نيويورك تايمز' مطالبًا بردٍّ موحد بقيادة الولايات المتحدة وتشكيل أوسع تحالف ممكن بين الأمم.

وأوضح كيري 'أنه سيسعي مع وزير الدفاع الأمريكي 'تشاك هيجل' إلي تشكيل هذا التحالف خلال المحادثات مع شركائه الغربيين علي هامش اجتماعات قمة حلف شمال الأطلسي التي ستُعقد في 'ويلز' في الرابع والخامس من سبتمبر'.

وقال كيري: 'إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيقترح استراتيجية ضد 'داعش' خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي الذي ستتولي الولايات المتحدة رئاسته في شهر سبتمبر'.

ورأي كيري أن هذا التحالف يمكن أن يلجأ إلي الوسائل السياسية والإنسانية والاقتصادية والقانونية والاستخباراتية لدعم التحرك العسكري.

 <<<

لم تكن هذه التصريحات التي أدلي بها الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته إلا تعبيرًا عن الأزمة التي تعيشها إدارة أوباما في الوقت الحالي، ذلك أن هذه الإدارة كان لها تحديدًا دورً لا يمكن تجاهله في إنشاء هذا التنظيم ورعايته مع بداية تجنيد المقاتلين السلفيين للقتال ضد نظام بشار الأسد في عام 1102.

وبعد الانتصارات التي حققها التنظيم علي الساحتين العراقية والسورية ومحوه للحدود الفاصلة بين البلدين وذبح الصحفي الأمريكي 'جيمس فولي' أصبح أوباما في موقف صعب، خاصة بعد الانتقادات التي وجهها 'الجمهوريون' وأيضًا عناصر من حزبه 'الديمقراطي'.

لقد ركزت حملة الحزب الجمهوري وممثليه في الكونجرس الأمريكي علي ضرورة تدخل الجيش الأمريكي لتوجيه ضربة قوية إلي 'داعش' في سوريا لحساب القوي المدنية المعتدلة التي تواجه نظام الرئيس بشار الأسد، بينما يفضل الحزب الديمقراطي والرأي العام الأمريكي سياسة الحذر في معالجة الأزمة، حتي لا تنجرَّ الولايات المتحدة مرة أخري إلي المستنقع العراقي، إلا أن هؤلاء يرون ضرورة تكوين تحالف دولي وإقليمي يلعب الدور الأساسي في المواجهة.

من هنا جاءت الفكرة التي طرحها الرئيس أوباما لتمثل مخرجًا لإدارته من هذه الأزمة، وفي نفس الوقت تحشد المجتمع الدولي ودول المنطقة للمشاركة في هذه المواجهة.

غير أن الإدارة لم تنس أو تتجاهل الفشل الذي مُنيت به الزيارة السابقة لجون كيري إلي المنطقة والتي جاءت في أعقاب الانتصارات التي حققها تنظيم 'داعش' منذ العاشر من يونية 4102.

بدأ جون كيري جولته في 22 أغسطس 4102 بزيارة مصر، ثم الأردن والعـراق وكردسـتان والسـعودية، وخلال المباحثات التي أجراها مع الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية المصري سامح شكري، طرح كيري رؤيته لما يجري في العراق والمنطقة علي الوجه التالي:

ـ إن ما يجري في العراق يشكل خطرًا كبيرًا علي أمن المنطقة، وإن الانتصارات التي حققها تنظيم 'داعش' وسقوط الموصل تهدد أمن العراق بأسره وأمن دول الجوار جميعًا.

ـ إنه جاء إلي المنطقة مستهدفًا تشكيل تحالف جديد يتصدي للإرهاب من جهة وللدور الإيراني في المنطقة من جهة أخري، حيث قال: 'في الوقت الذي يجب علينا أن نحارب الإرهاب يجب ألا نغض البصر عن مطامع إيران في المنطقة'!!

ـ إن واشنطن تقترح البدء فورًا في إقامة هذا التحالف وتكون نواته الصلبة دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلي مصر والأردن.

ـ إنه يقترح عقد لقاء عاجل علي مستوي وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن بحضور مسئولي الأمن في تلك الدول، لصياغة برنامج موحد في مواجهة الإرهاب أيًّا كان، سواء أكان إرهاب تنظيمات أم إرهاب دول 'يقصد إيران'.

لم ينطلِ هذا الكلام علي مصر، لقد أدركت أن واشنطن تسعي إلي توريط دول المنطقة في حرب ستصبُّ لمصلحة أمريكا، ولذلك كانت وجهة نظرها التي أبلغها وزير الخارجية سامح شكري علي الوجه التالي:

ـ إن مصر سوف تدرس هذه الاقتراحات وسترد عليها في وقت لاحق، وأن الرئيس منشغل حاليًا بزيارة إلي الجزائر، وأن القاهرة ستدرس الموقف في أعقاب جولة الرئيس الإفريقية.

ـ إن القاهرة تحبذ السعي إلي استخدام لغة الحوار للتوصل إلي رؤية واضحة للأزمة في العراق، وتحذر من إلحاق الأذي بالشعب العراقي.

ـ إن مصر سوف تجري اتصالات مع رئيس الحكومة العراقية في هذا الوقت بهدف تشكيل حكومة توافق وطني يرضي عنها العراقيون بكافة اتجاهاتهم.

 <<<

بعدها توجه جون كيري في أعقاب زيارته لمصر إلي الأردن مباشرة، حيث عقد لقاء مع وزير الخارجية الأردني ناصر جودة بحضور مسئولين آخرين، حيث كان الملك في زيارة خارج البلاد في هذا الوقت شملت ألمانيا وكازاخستان.

وفي أعقاب هذا الاجتماع عقد كيري لقاءً ثلاثيًا في عمان بحضوره وحضور وزير الخارجية الأردني وأيضًا وزير الخارجية الإسرائيلي 'ليبرمان' وهو الاجتماع الذي جري في سرية تامة.

وفي هذا الاجتماع حدث اشتباك لفظي بين كيري وليبرمان، حيث اتهم كيري ليبرمان بأن حكومة إسرائيل تتصرف بناء علي تحليلها ونظرتها فقط دون أن تراعي ظروف الآخرين، خاصة فيما يتعلق بالموقف في العراق.

وحذَّر كيري ليبرمان من مغبة التمادي في التفرد واللعب بالملف العراقي، وطالبه بعدم توريط الأكراد في مذبحة جديدة سوف تتحمل إسرائيل مسئولية توريطهم فيها.

وطلب كيري من وزير الخارجية الإسرائيلي في هذا اللقاء منح أمريكا الوقت الكافي لبناء تحالفات جديدة في المنطقة، وطمأنه بأن 'إسرائيل' لن تكون بعيدة عنها، ولكن علي إسرائيل أن تنزوي حاليًا من أجل أن تتمكن أمريكا من إقامة هذا التحالف دون شبهات أو شكوك أو تحفظات، خاصة من السعودية ومصر.

وأكد وزير الخارجية الأمريكي خلال اللقاء أن المشروع الأمريكي الجديد يقوم علي أساس بناء محور جديد أو متجدد في المنطقة تكون قوته الأساسية دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلي مصر والأردن وبالتنسيق غير المباشر مع إسرائيل. وطلب كيري من ليبرمان أن تسهل إسرائيل علي أمريكا ما تسعي إليه.

وعندما سأل كيري وزير الخارجية الأردني عن رأيه في ذلك، قال: 'إن الأردن مع أي تحالف يؤدي إلي التصدي للإرهاب الجديد الذي بات يهدد أمن المنطقة بأسرها'.

وبعد انتهاء زيارة كيري للأردن توجَّه مباشرة إلي بغداد يوم الإثنين 32 يونية 4102 والتقي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وجري بينهما حوار مطول حول مخاطر المرحلة الحالية في العراق، وقد كان الحوار صريحًا بين الجانبين وراح كل منهما يحمِّل الطرف الآخر المسئولية عن تدهور الأوضاع في العراق 'النص الحرفي للحوار وثائق الكتاب'.

وبعد أن أنهي وزير الخارجية الأمريكي زيارته إلي بغداد توجه إلي كردستان، حيث كانت المؤشرات تؤكد أن نية قادة الإقليم تتجه نحو إجراء الاستفتاء علي تقرير المصير في أقرب وقت ممكن.

وخلال لقائه مع مسعود البرزاني في يوم الثلاثاء 42 يونية 4102 حذر جون كيري المسئولين الأكراد وبالذات البرزاني من مغبة التفكير بأي خطوة عاطفية متسرعة لاستغلال الأوضاع الحالية في العراق.

وأبلغ كيري المسئولين في كردستان أن الظروف غير مهيأة في الوقت الراهن لإعلان استقلال الدولة الكردية، خاصة أن هناك كثيرًا من الأنظمة والحلفاء يعتبرونه مشروعًا خطيرًا علي أمن المنطقة واستقرارها، كما أن العراق وتركيا وسوريا وإيران لن يقبلوا بهذا المشروع، وإن كانت بعض هذه الدول تتعاطف معكم الآن، لكنها في نهاية المطاف ستكون جميعها معارضة لدولة كردية مستقلة، وعليكم التفكير بهدوء حتي لا تكونوا قربانًا لاتفاق الآخرين عليكم.

وقال كيري: 'أنا أفهم موقف العربية السعودية تجاه حكومة العراق الحالية ومدي رفضها للمالكي، ولكن السعوديين في النهاية حريصون علي وحدة العراق' وقال: 'أعتقد أنه في حال إعلانكم الاستقلال ستجدون السعوديين أقرب للمالكي وربما سيتحالفون معه أو مع غيره ضد استقلالكم لأنهم سيدافعون عن أنفسهم'.

وطلب كيري من الأكراد التصرف بحكمة وضرورة المشاركة في الجهود المحلية والإقليمية لتشكيل الحكومة العراقية، وأبلغهم أن مسألة استقلال كردستان من الممكن أن تتحقق مستقبلاً من خلال المفاوضات والحوارات والقبول من الجميع.

وبعد زيارته لكردستان غادر جون كيري المنطقة متوجهًا إلي باريس ووجَّه دعوة لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن للقائه في باريس، وكان مخططًا أن يُعقَد اللقاء يوم الخميس الموافق 62 يونية 4102 إلا أن اللقاء اقتصر علي وزراء خارجية السعودية والأردن والإمارات، ولم يحقق نتيجة تُذكر.

وكانت مصر والسعوية قد توصلتا بعد التشاور إلي أن مبادرة كيري الجديدة لا تشكل مدخلاً مقبولاً، خاصة أن الجانب المصري مازال يعتقد أن الأمريكان قد تجاهلوا طيلة الفترة الماضية الواقع الجديد في مصر بانتخاب قيادة جديدة، كما أن مصر غير معنية في هذه الفترة بالدخول في سياسة المحاور وإن كانت معنية بعلاقات طيبة مع الجميع، وأن مصر مستعدة للمشاركة في أي مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب، لكن ليس من خلال سياسة المحاور.

أما السعودية، فقد أكدت بدورها رفض المشاركة في أي لقاء لدول مجلس التعاون الخليجي تشارك فيه قطر، ولذلك فشل الاجتماع وفشلت المبادرة التي أطلقها وزير الخارجية الأمريكي.

وبعد لقاء باريس انتقل كيري إلي المملكة العربية السعودية، إلا أن هذه الزيارة فشلت أيضًا في إحداث أي تغيير في ملف العلاقات الفاترة بين واشنطن والرياض.

لقد رفضت القيادة السعودية مقترح 'الحلف' الذي طرحه كيري، وحمَّلت السعودية الإدارة الأمريكية مسئولية ما آلت إليه الأوضاع في سوريا والعراق.

وقد أطلع كيري المسئولين السعوديين علي نتائج مباحثاته في مصر والأردن والعراق وكردستان، إلا أن السعودية أكدت أن ممارسات حكومة نوري المالكي الطائفية هي المسئول الأكبر عن خلق هذه التنظيمات المتطرفة.

وأكد وزير الخارجية السعودي أن المملكة ترفض عمليات التطهير والإقصاء التي تقوم بها حكومة المالكي لطائفة السنة في العراق، وقال إن هذه الأفعال كان لها دور كبير في وقوف العشائر خلف هذه التنظيمات التي قدمت نفسها علي أنها المنقذ للسنة.

انتهي الاجتماع بين جون كيري وكبار المسئولين السعوديين دون التوصل إلي نتائج محددة، مما أثار قلق الولايات المتحدة، غير أن الأحداث التي شهدتها العراق وسوريا والمخاطر التي باتت تهدد الدول المجاورة والضغوط الداخلية دفعت أوباما إلي اتخاذ قرار بإرسال جون كيري مرة أخري إلي المنطقة، عندما أعلن عن ذلك في مؤتمره الصحفي في 82 أغسطس 4102.

وقبيل بدء جولته الجديدة في المنطقة، التي استهلَّها بزيارات إلي عدد من دول المنطقة في الأسبوع الأول من شهر أغسطس 4102 أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري 'أن التحالف الدولي سوف يستمر لسنوات من أجل القضاء علي 'داعش' الذي يزرع الرعب في العراق وسوريا' وقال: 'إن كل دولة سيكون لها دور في التصدي للتنظيم الإرهابي'.

أما الرئيس الأمريكي باراك أوباما فقد أجري اتصالاً هاتفيًا يوم الأربعاء 01 سبتمبر 4102 بالعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز تناول خطة التحرك الأمريكي في المنطقة لبناء تحالف دولي في مواجهة داعش.

وفي هذا الخطاب الذي ألقاه أوباما فجر الخميس 11 سبتمبر 4102 أكد الرئيس الأمريكي 'أن أمريكا لن تلعب دور العراقيين والعرب في حماية بلدانهم من الإرهاب، ولذلك ستقود تحالفًا دوليًا ضد هذا التنظيم، ولن يجد 'داعش' ملاذًا آمنًا، وسنوجه مزيدًا من القوات، وسنرسل 475 مستشارًا عسكريًا لتدريب قوات المعارضة السورية والعراقية'.

وقال: 'إن هذه القوات لن تخوض معارك علي الأرض، ولن ننجرَّ إلي معارك أخري' وقال: 'أطالب الكونجرس بمزيد من الدعم والموارد لمحاربة هذا التنظيم'.

وزعم أوباما في كلمته أن 'أمريكا تسعي لمساعدة المسلمين علي أن يصلوا إلي التسامح' وقال: 'نحن نريد أن نحمي السوريين والأمريكيين من الأسلحة الكيميائية، وأنا كقائد أؤكد أن الجيش الأمريكي سيلاحق 'داعش' في أي مكان حتي إذا تطلب الأمر توجيه ضربات في سوريا'.

وقال أوباما: 'إن جون كيري وزير خارجية أمريكا سيتوجه لعدد من الدول في الشرق الأوسط لنُطلع العالم علي خطة الولايات المتحدة للقضاء علي 'داعش'' وقال: 'إن الحرب علي 'داعش' ستكون مختلفة، حيث لن نخوض حربًا علي الأرض، وسنكتفي بضربات جوية فقط، وهذه الاستراتيجية نجحت في اليمن والصومال'.

وخلال اجتماع جدة، الذي شارك فيه كل من مصر والسعودية والعراق والكويت والإمارات والبحرين وقطر وسلطنة عُمان والأردن وتركيا والولايات المتحدة، تعرَّض المشاركون إلي آخر التطورات علي الساحتين السورية والعراقية وسبل وآليات مواجهة 'داعش'. كما طرح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري رؤية بلاده للأوضاع في سوريا والعراق، وطالب المشاركين بضرورة الوقوف صفًا واحدًا في مواجهة هذا التنظيم الإرهابي. كذلك جرت نقاشات مطولة حول آلية مواجهة تنظيم 'داعش' علي الأراضي السورية، والموقف من نظام الرئيس بشار الأسد.

وبعد مناقشات مطولة صدر عن المؤتمر بيان تعهد فيه المشاركون بتبني كافة سبل مواجهة الإرهاب عسكريًا وفكريًا، بالإضافة إلي الحفاظ علي وحدة الدول وسيادتها ومراقبة السلاح المتدفق عبر الحدود والذي تستخدمه الجماعات المتطرفة في عملياتها الإرهابية.

وقد أكد وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل أن المجتمعين تعهدوا مع الولايات المتحدة بمحاربة تنظيم 'داعش'.

وقال الفيصل خلال البيان الختامي للاجتماع الذي عُقد يوم الخميس 11 سبتمبر 4102: 'إن المشاركين حرصوا علي الخروج برؤية موحدة لمحاربة الإرهاب عسكريًا وأمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا وفكريًا'. وطالب البيان، الذي رفضت تركيا التوقيع عليه، بوضع خطط وسياسات وتقاسم الأدوار للقضاء علي التنظيمات الإرهابية. كما شدد علي أن أي تحرك أمني ضد الإرهاب يجب أن يترافق مع محاربة الأفكار الضالة، ووضع استراتيجية لمراقبة تدفق السلاح إلي مناطق الصراع في المنطقة.

واتهم الفيصل بعض الدول التي لم يُسمِّها بتمويل الإرهاب والتدخل في شئون الدول الأخري، مشيرًا إلي تحذير خادم الحرمين الشريفين من خطر الإرهاب الذي شوَّه صورة الإسلام.

وقال وزير خارجية السعودية: 'إن إهمال ظاهرة الإرهاب سيؤدي إلي انتشارها في أوربا وأمريكا، وقال: 'لقد استمعنا إلي شرح من الوزير جون كيري عن الاستراتيجية الأمريكية بشأن الإرهاب'، وأكد أن 'عدم التحرك ضد الإرهاب أدي إلي انتشاره في سوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا'.

أما وزير الخارجية الأمريكي جون كيري فقد أكد خلال المؤتمر الصحفي 'أن 'داعش' منظمة إرهابية لا تعرف حدودًا معينة'. قائلًا: 'داعش تنظيم بربري يغتصب النساء ويبيع البنات ويضطهد الأقليات مثل الإيزيديين'، وقال: 'إن تاريخ عقد هذا الاجتماع يأتي في توقيت مهم، حيث يتوافق مع الذكري الـ31 لهجمات 11 سبتمبر، وينبغي علينا وقف الجرائم التي يقوم بها أعضاء التنظيم'، مشيرًا إلي أن الدول العربية تلعب دورًا محوريًا في التحالف ضد 'داعش'.

وأشار كيري إلي طلب الحكومة العراقية المساعدة لمواجهة 'داعش' قائلاً: 'سننتصر علي شر 'داعش''.

لقد كانت مصر محورًا مهمًا داخل هذا الاجتماع، حيث واجه وزير الخارجية المصري سامح شكري نظيره الأمريكي بكل صراحة ووضوح متحدثًا عن المعايير المزدوجة التي تتعامل بها واشنطن تجاه الإرهاب، ففي الوقت الذي تلتزم فيه الصمت العلني والتأييد السري لجماعة الإخوان وإرهابها، تتحدث اليوم عن إرهاب 'داعش' وضرورة مواجهته.

وفي كلمته العلنية أمام مؤتمر جدة أكد وزير الخارجية المصري 'أن 'داعش'، هذا التنظيم الوحشي، هو نتيجة طبيعية لتدهور الأوضاع السياسية في المنطقة وشعور قطاعات كبيرة من الشعب العراقي بالاغتراب نتيجة سياسات إقصائية اتبعها رئيس الوزراء العراقي السابق 'نوري المالكي'، بالإضافة إلي ما شهدته سوريا من فراغ وفوضي علي خلفية عسكرة الثورة السورية ورد الفعل العبثي من قِبل النظام ضد معارضيه، فضلاً عن تسامح البعض في منطقتنا وفي الغرب مع منطلقات ما يسمي بـ'الإسلام السياسي' وإحياء الخلافة والذي قلل البعض من خطورته وتصوَّر البعض الآخر إمكانية احتوائه، وقال: 'لقد لفت الوضع المتنامي الحالي لداعش، وانتماء أعضائه لعدد كبير من الجنسيات، النظر لما سبق أن أكدته مصر مرارًا وتكرارًا، وهو أن الإرهاب لا وطن له، وأن مخاطره ستمتد آجلاً أو عاجلاً من الإطار القومي للإقليمي إلي الدولي'.

وحذَّر الوزير سامح شكري واشنطن من مغبة توظيف هذه الحملة ضد سوريا، وقال: 'إن الإجراءات الأمنية والمالية التي تستهدف القضاء علي التنظيمات الإرهابية في المشرق العربي يتعين أن تقترن في الوقت ذاته بتسوية في سوريا مبنية علي العملية السياسية القائمة علي مبادئ إعلان جنيف الصادر في يونية 2102، وفي إطار صيغة تسمح بالحفاظ علي مؤسسات الدولة السورية للحيلولة دون مزيد من الانفلات والفراغ الذي تتفنن التنظيمات الإرهابية في استغلاله لكسب مزيد من السطوة والسيطرة'.

وقال وزير الخارجية المصري محذرًا: 'إنه مع الإقرار بالحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات حاسمة تجاه تنظيمَيْ 'داعش' و'جبهة النصرة' الآخذين في التنامي بدول المشرق العربي بصورة سريعة غير مسبوقة، وكذلك البدء في تنفيذ الإجراءات التي تنص عليها مقررات الشرعية الدولية في هذا الصدد، فإنه يهمني في ذات السياق التشديد علي أهمية اتساق مقارباتنا في التعامل مع ظاهرة الإرهاب البغيضة في مختلف أنحاء المنطقة، فلا يمكن ونحن نجتمع اليوم للتعامل مع التهديدات الإرهابية وتنظيماتها الظلامية أن نتجاهل مخاطر تمددها الآخذ في التنامي في المغرب العربي'.

وقال: 'إنه بعد أن فشلت هذه التنظيمات في تحقيق أهدافها في مصر انطلاقًا من سيناء، تسعي تلك التنظيمات جاهدة لهدم مفهوم الدولة في ليبيا'، وقال: 'نحن نعلم جميعًا أن جماعة 'أنصار الشريعة' التي اغتالت أعضاء القنصلية الأمريكية في بنغازي بدم بارد، ما هي إلا النسخة الليبية لذات الفكر الإرهابي بالمشرق العربي، كما نعلم أن تعاطي البعض مع قوي الإسلام الراديكالي وهي ليست من الإسلام في شيء والتي تحاول هدم المؤسسات الشرعية التي انتخبها الشعب الليبي بكل حرية، إنما قد يجرُّ ليبيا لذات السيناريو العراقي والسوري، وربما لما هو أخطر في ضوء الثروات النفطية في هذا البلد'.

وقال: 'لذلك فإنني أطلب اليوم من منطلق تضامننا في مواجهة الإرهاب الذي أطلَّ علي منطقتنا أن نتضامن للاستجابة ولدعم مطالبات الشعب الليبي المشروعة في بناء مؤسساته ودعم خياراته الديمقراطية، ومن ثم تجفيف مصادر تمويل وتسليح الجماعات الإرهابية بليبيا والتي تستهدف هدم المؤسسات والسيطرة علي مقدرات الشعب الليبي.

ولعل الإجراءات التي اتخذها المجتمع الدولي للحيلولة دون وصول السلاح والدعم لنظام القذافي إبان الثورة الليبية يمكن أن تصبح نموذجًا لما يمكن أن يتم في مواجهة الإرهاب بليبيا من خلال منع حصول الجماعات الإرهابية علي الدعم الذي تقدمه للأسف بعض الأطراف الإقليمية، وهي الإجراءات التي لم نلمس جدية لاتخاذها'.

لقد كانت كلمة وزير الخارجية المصري بمثابة رسالة لكل من يعنيهم الأمر، وهي أيضًا تحذير واضح للأطراف الإقليمية وعلي رأسها قطر وتركيا وإسرائيل والأطراف الدولية وعلي رأسها الولايات المتحدة.

تعددت اللقاءات والاجتماعات من جدة إلي القاهرة إلي باريس، إلي واشنطن ذاتها، غير أن اللقاء الذي جري بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي وباراك أوباما يوم الخميس 52 سبتمبر 4102؟، علي هامش أعمال الدورة 96 للجمعية العامة للأمم المتحدة، كان له أثره الكبير في مواجهة واشنطن بمخاطر ازدواجية التعامل مع الإرهاب.

لقد جاء اللقاء بناء علي طلب أوباما، واستمر بحضور وفدي البلدين لأكثر من ساعة ونصف الساعة بزيادة نصف ساعة علي الموعد المحدد.

ووفقًا لمصادر دبلوماسية عليمة فإن اللقاء ناقش العديد من القضايا المهمة والمحورية، وكان أبرز هذه القضايا تلك المتعلقة بالتحالف الدولي لمواجهة إرهاب 'داعش'.

فبعد أن رحب الرئيس أوباما بالرئيس المصري والوفد المرافق له، مؤكدًا استراتيجية العلاقة مع مصر، بدأ حديثه بالتطرق إلي قضية الإرهاب في المنطقة وحدد رؤيته علي الوجه التالي:

ـ إن الإدارة الأمريكية تطالب مصر بضرورة اتخاذ مواقف أكثر وضوحًا فيما يتعلق بالحملة الدولية لمواجهة الإرهاب في مواجهة تنظيم 'داعش' في سوريا والعراق، وإن واشنطن تطلب من مصر ضرورة المشاركة العسكرية المباشرة للقضاء علي هذا التنظيم أسوة بمشاركة بعض الدول العربية الأخري في التحالف الدولي.

ـ إن واشنطن تري أن إرهاب 'داعش' هو خطر علي المنطقة بأسرها، وأن هذا التنظيم وجد بسبب ممارسات الرئيس السوري بشار الأسد وعجز المعارضة السورية عن إسقاطه، وإن واشنطن لاتزال تري أن الأسد هو جزء من المشكلة وليس جزءًا من الحل، ولهذا السبب فإن الكونجرس الأمريكي اعتمد مبلغ 005 مليون دولار لدعم المعارضة السورية ومساندتها في تحقيق أهدافها.

ـ إن الحملة العسكرية المقدَّر لها أن تستمر نحو ثلاث سنوات تستوجب جهدًا مكثفًا من كافة الأطراف، خاصة أن تنظيم 'داعش' تغلغل في أوساط المدنيين من السكان الذين أصبحوا في قبضته، وأن ذلك قد يدعو واشنطن في لحظة ما وبعض الأطراف إلي المشاركة في جهد بري وتحديدا علي الأرض السورية لإنهاء سيطرة هذا التنظيم علي المناطق التي يحتلها.

ـ إن الإدارة الأمريكية تدرس حاليًّا خيارات عديدة في إطار مواجهتها للإرهاب في المنطقة في أماكن أخري، وفقًا للتقديرات الحالية أو المستقبلية.

 <<< أما وجهة نظر مصر التي عبر عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي في هذا اللقاء فقد جاءت علي الوجه التالي:

ـ القاهرة انضمت منذ البداية للتحالف الدولي وشاركت في أعمال مؤتمر جدة، رغم تحفظاتها التي أبلغتها للسيد جون كيري وزير الخارجية برفض الازدواجية التي تعاملت بها واشنطن مع ملف الإرهاب، فالإرهاب ليس مقصورًا علي داعش فقط، بل هو ممتد إلي العديد من البلدان الأخري ومن بينها مصر وليبيا وغيرهما.

ــ إن مصر سبق لها أن أبلغت الإدارة الأمريكية رفضها للدعم الأمريكي الذي تلقاه جماعة الإخوان من واشنطن، خاصة أن أعمال العنف والإرهاب التي تشهدها مصر منذ ثورة 03 يونية هي من أفعال هذه الجماعة الإخوانية، ومع ذلك لم نلق ردًا إيجابيًا من الإدارة الأمريكية علي ذلك، بل وجدنا اتهامات كاذبة يتم إلصاقها بالحكومة المصرية التي هي بالأساس مسئولة عن حماية البلاد وأمنها واستقرارها، وأعتقد أنكم تشاركونني الرأي أن الإدارة الأمريكية لا تتردد هي الأخري في مواجهة أية أعمال تخل بالأمن والاستقرار علي أراضيها.

ــ إن مصر ترفض المخططات التي تستهدف إذكاء الصراعات الدينية والمذهبية والعرقية في المنطقة، والتي تستهدف تقسيم المنطقة وبناء شرق أوسط جديد، سيكون ساحة للفوضي، كما يحدث الآن في اليمن وليبيا والعراق وسوريا وغيرها من البلدان، وأن ذلك من شأنه أن يضرب المصالح الأمريكية في الصميم، ذلك أن مصالح واشنطن في المنطقة وإمدادها بالنفط لن يتحقق إلا في ظل الاستقرار والأمن.

ـ إنه ثبت عمليًّا أن عمليات التغيير بالقوة والفوضي لن تحقق حريات الشعوب أو تمكنها من نيل حقوقها، بل العكس هو الصحيح، والمشهد الذي تعيشه المنطقة هو خير مثال علي ذلك.

ــ إن مصر تري أن التنمية وعدم التدخل في الشئون الداخلية واحترام سيادة الدول هي عوامل مهمة لإنهاء الإرهاب والتطرف، وأن أمن مصر هو جزء من الأمن القومي العربي، ومن ثم فإن التعاون بين مصر والدول العربية في هذا المجال سوف يستمر، وأن مصر تطالب الإدارة الأمريكية بمراجعة سياستها في المنطقة.

ــ إن مشاركة مصر عسكريًّا في الوقت الراهن أمر غير وارد، وأن تحديد موقف مصر ينطلق من حماية أمنها واستقرارها بالأساس وحماية الأمن القومي العربي، ومن ثم فإن التطورات القادمة ستحدد مسارات المواقف، خاصة أن القاهرة مشغولة بمواجهة الإرهاب علي أرضها وحدودها.

ــ إن مصر تري ضرورة تحديد هدف الحملة علي سوريا، وألا تُستغل الضربات في إسقاط النظام، خاصة أن مصر تري ضرورة حل المشكلة السورية في إطارها السياسي وأنها تري باستكمال مباحثات جنيف، حتي لا تتحول سوريا إلي ساحة للنزاعات والحروب الاقليمية والدولية.

ـ إن مصر تطالب بدعم أمريكي ودولي للحكومة الجديدة في ليبيا والتي اختارها مجلس النواب وهو الجهة الشرعية المنتخبة، وأن واشنطن لابد أن تتدخل لدي أطراف دولية وإقليمية لوقف تهريب السلاح إلي ليبيا وتأجيج الحروب الأهلية بين أبنائها.

لم يتلقَ الرئيس السيسي إجابات محددة من الرئيس باراك أوباما، إلا أنه ألقي بالكرة في ملعبه منتظرًا الإجابة في صورة إجراءات عملية لا تفرق بين إرهاب 'داعش' وإرهاب الإخوان وغيرهما.

 <<<

لم تتخذ واشنطن موقفًا محددًا من الفصائل الإرهابية الأخري، بل إن موقفها كان ولا يزال يثير المزيد من علامات الاستفهام، وهو ما يدفع إلي طرح السؤال: هل حقًا واشنطن جادة في القضاء علي الإرهاب في المنطقة؟ والأحري: هل هي جادة فعلاً في القضاء علي إرهاب 'داعش'؟ أم أن لهذه الحملة الدولية أسبابًا أخري بعيدة كل البعد عن الأهداف المعلنة؟!

 

جريدة الاسبوع

اخر الأخبار