معركة قلعة الشقيف 1982... روايتان

تابعنا على:   12:38 2015-01-21

معين الطاهر

أمد/ بيروت: يقدم معين الطاهر , من موقعه كقائد لكتيبة الجرمق ( الكتيبة الطلابية ) في " فتح " , وهي الكتيبة التي أدت الدور الرئيسي في معركة قلعة الشقيف (1982) قرائته للمعركة من خلال قراءة الرواية الأسرائيلية لسير هذه المعركة التي كانت احدى العلامات الكبرى في مواجهة الاجتياح الاسرائيلي للبنان في سنة 1982 من جهة أخرى .

هذه المقالة – الشهادة – مساهمة في جمع الذاكرة الفلسطينية المقاومة كجزء من التأسيس لكتابة التاريخ الفلسطيني .

*************

تختلف الروايتان الفلسطينية والإسرائيلية بشأن معركة قلعة الشقيف التي جرت في الأيام الأولى للاجتياح الاسرائيلي للبنان في حزيران / يونيو 1982، وتتداخل الاعتبارات السياسية مع المشاعر الوجدانية مع النقص الكبير في المعلومات إزاء ما جرى في تلك المعركة.

فالرواية الإسرائيلية عن معركة قلعة الشقيف لا تزال تلد في كل يوم تساؤلات جديده، وتكشف عن حقائق أُخفيت عمداً. وفيما تسربت خلال السنوات التي تلت المعركة أحاديث ومقالات عديدة عنها، كان أبرزها ما أورده زئيف تشيف وايهود ايعاري في كتابهما عن الحرب المضللة , إلاّ أن الاعتراف الإسرائيلي الأبرز جاء متأخرا 31 عاماً، حين بثت القناة العاشرة في التلفاز الاسرائيلي في سنة 2013 فيلماً عن معركة الشقيف، أطلقت عليه اسم الجرح الأخضر "المفتوح" , و استغرق عرضه أكثر من ساعة، واستعان بصور أرشيفية أخذت خلال الاجتياح الاسرائيلي للجنوب اللبناني، والأهم في الفيلم كان المقابلات التي أُجريت مع الجنود والضباط الذين شاركوا في المعركة أو ساهموا في اتخاذ القرار بشأنها، مع وصف لكيفية سير المعركة، وأيضاً تتضمن الفيلم لقاءات مع عائلات القتلى من الجنود الإسرائيليين.

ومن أبرز الذين أدلوا بشهاداتهم: رئيس هيئة الأركان السابق في الجيش الإسرائيلي غابي أشكنازي، وقد كان عند وقوع معركة الشقيف قائداً لقوات غولاني التي كلفت باحتلال القلعة ؛ الجنرال أفيغدور كهلاني قائد الفرقة التي توجهت لمنطقة النبطية الشقيف ؛ موشيه كابلينسكي قائد كتيبة المظليين التابعة لرئاسة الأركان

أما الرواية الفلسطينية فترى فتنظر إلى معركة قلعة الشقيف كأسطورة بطولة ألهمت شعراء في نظم القصائد والأهازيج عنها والراوين لراوية والكتاب في رواية حكايات أبطالها الذين باتوا رمزا للفداء والتضحية والقتال حتى الاستشهاد.

لكن الرواية الفلسطينية تفتقر إلى شهادات حية من داخل المواقع التي استشهد معظم من قاتل فيها، ولم يتم توثيق شهادة الباقين الذين نجوا، على قلتهم، إلاّ في الأشهر القليلة الماضية، وذلك بعد أن تشكل الوعي الفلسطيني لهذه الرواية بناء على المصادر العبرية وما كتب عنها في المجلات العسكرية الدولية، وقد صنفها البعض ضمن أهم اربع عمليات للقوات الخاصة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

الرواية الإسرائيلية

وفق الرواية الإسرئيلية التي بثتها القناة العاشرة، فقد شارك في الهجوم قوة تقدر بـ 1200 جندي تقريباً، مكونة من قوات من لواء غولاني ووحدات من الهندسة والدروع وكتيبة المظليين التي شنت الموجة الأولى للهجوم وتعرضت لنيران كثيفه قبل وصولها الى القلعة ما أدى إلى إصابة قائدها موشيه كابلينسكي بجراح خطيره وتكبيد الكتيبة خسائر كبيره ، تسببت في وقف الهجوم لحين في انتظار الدفع بقوات من لواء غولاني إلى أرض المعركة. هذا الحظ العاثر لم يصب وحدة الاستطلاع فحسب , اذا ان قائد القوات العاملة في المنطقة , وفي لحظة معينة تلقي نبأ جاء فيه أن قائد الكتيبة شرقي النبطية قد أصيب بجراح خطيرة, وأن جندي اللاسلكي المرافق له قد قتل . وقبل ذلك بدقائق اعلن قائد الكتيبة أن اثنين من قادة سراياه قد اصيبا بجراح . وبينما كان يفكر فيمن يعينه بدلا من قائد الكتيبة تلقى نبأ جاء فيه أن قائد وحدة الاستطلاع كابلينسكي قد اصيب بعيار ناري في صدره وتولى القيادة بدلا منه موطي جولد مان .وفق ما أورده زئيف تشيف .

انقسمت قوة غولاني إلى قسمين: الأول التف حول القلعة لتطهير المواقع القريبة منها في أرنون وكفر تبنيت، واشتبكت مع مواقع للقوات المشتركة، ووقع جزء منها في حقل للألغام؛ اما القسم الثاني فقد اندفع صعوداً عبر طريق أرنون إلى القلعة، لتواجه حيث واجهت القوة الإسرائيلية بمقاومة عنيفة وقصف منسق، أدى إلى تدمير عدد من العربات بينها عربة قائد الهجوم الجديد الرائد جوني هارنيك ومقتل سائقه وأحد مساعديه. أمر هارنيك جنوده بالترجل وترك العربات المدرعة والتوجه سيراً على الأقدام، لكن ما أن تقدموا قليلا حتى فُتحت عليهم ـ وفق تعبير المعلق في فيلم القناة العاشرة وأحد الجنود ـ أبواب جهنم، فقتل هارنيك وعدد كبير من جنوده. ويقول الجندي الطبيب المرافق للقوة المهاجمة بصوت غاضب لم يبق أحد.

تم إرسال قوة جديده بقيادة المقدم دوف، واستغرق الهجوم على القلعة 60 ساعة كان القتال فيها من خندق لخندق، وفي داخل الخندق الواحد، ووصل في آخر مراحله حد استخدام السلاح الأبيض وحتى التشابك بالأيدي.

ويسهب الجنود الإسرائيليون في الحديث عن 12 ساعة اخرى بعد الخمسين الأولى، قاتل فيها فدائيين حتى استشهادهما صبيحة يوم الاثنين 7 حزيران / يونيو 1982، بعد أن قتلا 7 جنود وأصابا 17 جندياً بجروح. يصف موطي القتال بقوله المعركة لم تكن متكافئة الا ان احدا لم يحاول الاستسلام " لقد قاتلنا لنأخذ منهم العلم " سرية الهندسة بقيادة تسفيكا كانت مهمتها احتلال الموقع الجنوبي اما هو فقد اندفع مع مجموعه مكونه من 21 جنديا باتجاه الموقع الشمالي . بعد أن قطع مسافة 150 مترا على الطريق المتعرج الصاعد باتجاه القلعة , كان كل مايشاهده وميض اطلاق النار الصادر عن ثلثة أو اربع مواقع . نظر خلفه ليرى جنوده , ذهل اذ لم يبق من مجموعته سوى عشرة جنود . تلقى أمرا بالاستمرار في الهجوم مع وعد بارسال تعزيزات سريعة وراءة , تردد بالهجوم اذ ان رشاشا ثقيلا كان يطلق النار من احد المواقع المقابلة وتمكن من قتل اثنان اخران هما يوسي ويارون واصابة أربعة اخرين بجراح . لم يصل الى القناة الريسية سوى موطي واثنان من جنوده هما افيكام ورازي وتبعهما عامي . اطلقت صليه طويله , جرح افيكام ورازي , حاول جر رازي الى الخلف لكنه سمع صوت قنبلة يدوية تتدحرج , قتل رازي .

والرواية الإسرائيلة تحدثت عن وجود 27 مقاتلاً كانوا في القلعة استشهدوا جميعهام. وتصفهم بالمقاتلين البارعين الذين لم يبد احدا منهم رغبة بالاستسلام وكانت المعركة بالنسبة لهم مسألة كرامه . في حين يسهب اشكنازي في الحديث عن كيف حاربوا طوال الليل و" قضينا ساعات طويله ونحن لا نعرف من اين يطلقون النيران , كانت النار تأتي من كل مكان "

ظهر يوم الإثنين في 7 حزيران / يونيو 1982 هبطت في القلعة طائرة مروحية تقل رئيس الأركان رفائيل ايتان، وتبعه وزير الدفاع اريك شارون ومعه جيش من المصوريين , الذي صدم بما حدث، لم يكونا على علم بالقتلى الاسرائيلين الذين سقطوا في المعركة , وسارع شارون الى الاعلان أن المعركة لم تسفر عن وقوع اصابات في الجانب الاسرائيلي , فرد عليه ضابط برتبة ملازم ثاني : " ماذا جرى لكم هنا حيث تقف قتل سته من رفاقي " . فوجيء شارون وقبل أن يستوعب تفاصيل المعركة وصل مناحيم بيغن رئيس الوزراء، كما يوضح الفيلم الوثائقي الإسرائيلي، الذي يشير إلى أن بيغن ايضا لم يكن يعرف حقيقة ما يجري ، وأنه خاطب شارون قائلا، "إن هواء التلال منعش... هل كانت هنا معركه؟"، فرد شارون وهو بحالة صدمة: "جنودنا أعمارهم صغيرة... لقد حاربوا هنا"، وأخفى عنه عدد القتلى.

سأل بيغن أحد الجنود أمام عدسات التلفاز: "هل كان لديهم بنادق؟"، فأجاب الجندي "الكثير من البنادق." ثم سأله "هل استسلم أحد؟"، فرد الجندي بغضب وهو يكاد يبكي: "لم يستسلم أحد منهم" وكررها "لم يستسلم أحد".

نظر بيغن إلى الأرض فوجد الرصاص يغطيها، ثم نظر إلى شارون. وعلى حد قول المعلق الإسرائيلي فإن بيغن فهم ما يجري.

قال له شارون: "لماذا جئت الى هنا... القتال ما زال قريبا". غادر بيغن وعلى وجهه علامات الخيبه. ولم يعد منذ ذلك الوقت الى لبنان سواء خلال الحرب او بعدها , واكتفى بتلقي التقارير من بعيد .

يقول أحد الجنود إنه بعد مغادرة بيغن وشارون بدقائق أطلق أحد الفدائيين الجرحى من بين الأنقاض بضع رصاصات قبل أن يلفظ أنفاسه، ويعقب قائلا "تخيلوا لو حدث ذلك قبل دقائق".

إن زيارة بيغن وشارون للقلعة قد تجيب عن سؤال طرحه معلق الفيلم: "ما هو جدوى احتلال القلعة ؟ ومن الذي أصدر أمرا بذلك؟"، تساؤل يعجز كبار قادة الجيش في المقابلة عن الإجابة عليه ويحيلون الأمر إلى أوامر عليا صدرت في اللحظات الآخيره بتغيير الخطة الأصلية التي كانت تقضي بتجاوز القلعة. في حين يذكر زئيف تشيف أن أمرا قد صدر بالغاء الهجوم من قائد الجبهة الشمالية الجنرال امير دروري ولكن لسبب ما لم يصل الأمر الى الوحدات الميدانية وأن تحقيقا فتح في ذلك بعد الحرب ولم يسفر عن اي نتائج .

في الفلم يتم تبادل الاتهامات بين ضباط الأركان والقيادة الميدانية ويصف قائد الفرقة الجنرال افيغدور كهلاني ضباط الأركان بأنهم " اولئك الذين يجلسون في الغرف المكيفة تحت النيونات المضاءة ولا يعرفون ما يكابده القادة الميدانيين "

من أصدر الأمر؟... سؤال يبقى بلا إجابه ضمن إجماع على أن احتلال القلعه كان سيغدو ضرورياً لو كان هدف العملية احتلال هضبة النبطية لابعاد النيران الفلسطينيه؛ وفي حالة كان محور الهجوم الرئيس عبر جسر الخردلي . اما الأصول العسكرية فتحتم تجاوز هذا الهدف طالما أن الخطة تقضي بالوصول إلى صيدا وإلى بيروت.اذ أن القلعة " ستتحول الى جيب صغير وغير مهم خلف القوات الاسرائيلة المتقدمة " وبالفعل قبل احتلال القلعة كانت القوات الاسرائيلية قد أتمت حصار صيدا وقطعت طريق صيدا ـ بيروت.

الدليل على عدم وجود أهمية عسكرية لاحتلال قلعة الشقيف، كما يضيف معلق الفيلم، أنه جرى تسليمها بعد احتلالها بقليل لقوات الشريط الحدودي. إن الإجابه الشافية عن هذا السؤال قد تكمن في أن المستويات العليا في الجيش والحكومة كانت تبحث عن نصر معنوي وانتصار سهل في بداية المعركة بغض النظر عن الضرورات العملياتية، ولعل هذا يفسر أيضا التعتيم التام على الخسائر الاسرائيلية.

الرواية الاسرائيلية لا تذكر بوضوح حجم الخسائر: تذكر أن كابلينسكي أصيب بجروح وكذلك قائد كتيبه اخر واثنان من قادة سراياه ,وأن هارنيك قتل، وتشير إلى أسماءعدد من القتلى مثل اكيفا , يارون, يوسي , رازي , جودمان , أكيشافيز وتجري مقابلات مع عائلاتهم هنا وآخر هناك، فيكما يتم الاشارة الى خسائر في هذا الموقع او تلك الموجة من الهجوم، لكن من دون اجمال لحجم الخسائر. حتى البيان العسكري الذي أشار في حينه إلى احتلال القلعه لم يشر الى أي خسائر تذكر.

كذلك تجاهلت الرواية العبرية اسقاط طائرة "سكاي هوك" وأسر طيارها أهارون ابخعازي على بعد مئات الأمتار من القلعه، واسقاط مروحية تحمل عدداً من ضباط الأركان تفحمت جثثهم مع حطام الطائرة التي سقطت أسفل نادي الشقيف بالقرب من النبطية. بالرغم من اشارة زئيف تشيف الى أن قائد الجبهة الشمالية امر بعدم تحليق أي طائرة مروجية في تلك المنطقة بعد اسقاط تلك الطائرة الا بأمر شخصي منه , أو القتلى والجرحى الذين سقطوا في الاشتباكات على محاور الخردلي وكفر تبنيت وجبشيت وحاروف وزوطر، المؤدية إلى القلعة. وقد عمدت المصادر الفلسطينية إلى تجميع وتوثيق الخسائر الاسرائيلية وتوثيقها من خلال بيانات النعي في الصحف العبرية.

الرواية الفلسطينية

الرواية الفلسطينية بقيت في حدود سرد لمآثر وبطولات الفدائيين والتغني بها، لكن اسماء الشهداء بل عددهم ؛ اوطانهم ؛ جنسياتهم ؛ فصائلهم ، لم يتم حصرها حتى الآن، لكن ثمة عناصر كثيرة لرواية فلسطينية متكاملة.

بدأت معركة الشقيف بقصف تمهيدي إسرائيلي جوي ومدفعي وصاروخي متواصل منذ صباح 4 حزيران / يونيو 1982، واستخدمت في القصف القنابل العنقودية التي فرشت أرض القلعة كأنها بساط ، لدرجة أن المقاتلين لم يتمكنوا من الذهاب إلى مستودع التموين بعدما غطت القنابل تلك الممرات المؤدية اليه. والقنابل العنقودية تصبح كالألغام وتنفجر بمجرد ملامستها أو التعثر بها. وقد تسببت في إصابة مقاتلين بجروح خفيفه خلال محاولتهما تفجير بعضها.

على الرغم من كثافة القصف المجنون هذا، لم يصب أي من المقاتلين. ويعود الفضل في ذلك إلى خطة التحصين المستمر، والتي شارك فيها المئات من أبناء المخيمات وطلبة وطالبات الجامعات في لبنان، وأشرف عليها طلاب الهندسة على مدى أشهر سبقت الاجتياح. وبقيادة وتوجيه الفدائي الشهيد علي أبو طوق

لقد حفرت، بموجب خطة التحصين، سلسلة من الخنادق وألأنفاق المتصلة، وتم بناء دشم وتحصينات ومتاريس، كلها وفرت للمقاتلين حماية معقولة من القصف، واتاحت لهم ظروفا أفضل لدى الاشتباك المباشر مع العدو.

وضعت القوات المشتركة احتمالين لتقدم العدو اولهما في حالة كان هدفه احتلال هضبة النبطية وقلعة الشقيف ,لابعاد النيران الفلسطينية , حيث سيندفع في هذه الحالة عبر جسر الخردلي باتجاه كفر تبنيت ثم يتقدم باتجاه ارنون والقلعة من جهة والنبطية من جهة أخرى , وهو ماأكده زييف تشيف من أن الخطة الأصلية كانت بهذا الاتجاه .

توقعت القوات المشتركة أن يتقدم العدو عبر المنطقة التي تسيطر عليها قوات الطوارئ الدولية، وأن تعبر قواته جسر القعقعية متجاوزة الحد الأمامي وخط التماس عند جسر الخردلي الذي يصبح محورا لهجوم ثانوي .في حالة كانت خطته قائمة على اجتياح الجنوب اللبناني بأسره وربما أبعد من ذلك , وعلى هذا الأساس وضعت خطتها.

قبل الاجتياح بأشهر، اضطرت القوات المشتركة إلى سحب القوة المرابطة عند جسر القعقعية إلى منطقة أنصار للفصل بين مقاتلي حركة أمل والحزب الشيوعي في إثر الاشتباكات التي وقعت بينهما. وعند بدء الاجتياح تحركت هذه القوة نحو مواقعها الأصلية لتلتحم مع القوات المعادية على مداخل بلدة جبشيت حاروف، حيث سقط منها شهيدين وخمسة عشر جريحا. لكنها كانت قدفقدت ميزة الاشتباك مع العدو عند محاولته عبور الجسر الذي كانت ترابط عليه مفرزة لجيش لبنان العربي .

تقدمت كتيبة المظليين التابعة لهيئة الأركان الإسرائيلية عبر سهل زوطر باتجاه مشارف أرنون، وهناك اشتبكت معها سرية الرشاشات الثقيلة التي نجحت في تشتيت القوة الإسرائيلية المتقدمة ووقف الموجة الأولى من الهجوم . كما اشتبكت مجموعات أخرى من القوات المشتركة مع القوات الإسرائيلية المندفعة في محور هجوم ثانوي عبر جسر الخردلي، وقد شاركت القلعة في التصدي لهذا الهجوم ووقف التقدم من خلال هذا المحور بعد تفجير كاسحة الغام مدرعة وتدمير دبابتين. ووقوع القوة المهاجمة في حقل للالغام .في حين وقعت سريه اخرى في حقل الغام آخر ما بين ارنون وكفر تبنيت حين حاولت الالتفاف حول ارنون كما اشتبكت مع مواقع القوات المشتركة على تخوم كفر تبنيت

الرواية العبرية اشارت بشكل مقتضب الى هذه الاشتباكات والتي دارت حول القلعة وفي الطريق اليها، على الرغم أهميتها.

وفيما تسهب الرواية الفلسطينية في الحديث عن محاور القتال المختلفة حول القلعة التي استمرت حتى الساعة العاشرة من ليل 6 حزيران / يونيو، إلاّ أنها تعتمد كليا على المصادر الإسرائيلية عند حديثها عن الاشتباكات داخل المواقع في القلعة بعد هذا التوقيت، ويعود ذلك إلى انقطاع الاتصالات مع القلعة، واستشهاد معظم من كان فيها.

تقول بعض الروايات الفلسطينية أن القلعة سقطت بعد استخدام العدو للغازات السامة. وحتى تتضح الصورة فإن قوة حركة "فتح" الموجودة داخل القلعة كانت تضم ثلاث مجموعات، كل واحدة منها مؤلفة من سبعة أشخاص، وتتمركز في يمين ويسار ووسط القلعة. ظهر السادس من حزيران / يونيو، بدأت الطائرات المعادية في اسقاط مظلات فوق القلعة ، ظن المقاتلون أنها انزالاً مظلياً، فوجهوا نيرانهم اليها، وبعد دقائق تبين أنها قنابل تنفجر عند ملامستها الأرض، وتخرج منها غازات خضراء اللون. يقول سعد قائد المجموعة الوسطى، والتي سقطت معظم تلك القنابل في محيطها، أن شعوراً غريبا غالبه بعد سقوطها ولم يعد يدرك تماما ما يحدث، وجل تفكيره انصرف على جمع هذه المظلات لعمل "ناموسيات" (غطاء واق ضد البعوض)، من دون أن يثير تساقط القنابل العنقودية على الموقع أي أفكار أخرى لديه. جلس مع مجموعته في داخل أحد المخابئ، فيما استمر هذا الشعور حتى المساء. لم ينتشر تأثير الغازات في مواقع تتموضع فيها المجموعات أخرى، ما يشير إلى احتمال أن تكون الغازات استخدمت بشكل محدود، وربما خشي العدو من أن تغير الرياح اتجاهها وتؤثر بالتالي على جنوده. وبكل الأحوال على أية حال فإن الأمر المؤكد أن العدو استخدم نوعاً من غازات الأعصاب، لكن بتأثير محدود.

يروي أهالي قرية يحمر القريبة من القلعة، أنهم دفنوا 30 شهيداً بعدما جمعت القوات الإسرائيلية جثامينهم. وبعد سنوات عديدة عثر على جثمان الشهيد يعقوب سمور (راسم) قائد القلعة في مكان قريب منها، وتم تشييعه في مخيم عين الحلوه. كما أنه خلال عمليات الترميم التي تمت أخيراً للقلعة، تم العثور على عظام شهيدين بين الأنقاض. وكانت مجلة تابعة لحزب كردي أعلنت عن استشهاد أكثر من عشرة مقاتلين لها في القلعة. ويمكن تأكيد استشهاد اثنين من الأتراك كانا مع "فتح"، أما باقي الشهداء فربما هم من مقاتلي الجبهة الديمقراطية الذين كانوا في موقع بين القلعة وأرنون، وقد تعرف أهل يحمر على جثمان قائد فصيلها خالد الأسمر.

الشهداء الذين سقطوا كانوا في معظمهم من حركة "فتح" وقد تواجدوا في القلعة ذاتها وفي أرنون وكفر تبنيت، ومن الجبهة الديمقراطية التي كان موقعها بالقرب من القلعة. أما باقي الفصائل، ونظراً للقصف المتواصل فكان مقاتلوها ينسحبون نهاراً إلى مدينة النبطية، ويعودون للانتشار حول الموقع على شكل كمائن ونقاط حراسة ليلاً. ولهذا كانت مواقع تلك الفصائل خالية عند بدء المعركة. ومن بين الشهداء فلسطينيون ولبنانيون ويمنيون وأتراك وضابط علوي من قوة استطلاع الجيش السوري، تموضعت مجموعته في القلعة لتشكل نقطة مراقبة أماميه للجيش العربي السوري، وعند بدء القتال انسحبت مجموعته، لكنه أصر على البقاء، وأصبح ضابط ملاحظة كان لتوجيهاته أثر كبير في الحاق الخسائر بالقوات المعادية.

الرواية الفلسطينية المتعارف عليها، تقول إن كل المقاتلين قد استشهدوا، لكن هذا غير دقيق، والصحيح أن معظم المقاتلين استشهدوا بما فيهم قائد الموقع الشهيد راسم ونائبه المقاتل اليمني عبد الكريم الكحلاني. أما الناجون واغلبهم من المجموعة الوسطى التي تعرضت لغازات الأعصاب فقد تمكنوا من الانسحاب بعد الساعة العاشرة ليلاً، ويعود ذلك إلى قيام راجمة صواريخ تابعة لـ "الكتيبة الطلابية" بقصف المدرعات الإسرائيلية المنتشرة على مداخل القلعة وتحقيق إصابات مباشرة فيها، مما اضطر العدو إلى إخلاء القلعة والانسحاب باتجاه أرنون خوفاً من تكرار القصف.

المجموعة الناجية انسحبت باتجاه النهر عبر درب وعر، استغرق قطع مئات الأمتار منها عشر ساعات، وبعد الانسحاب بثلاثة أيام استشهد من أفراد المجموعة أحمد نصر في اشتباك قرب دير الزهراني، وفادي سمور بعد سنة لدى مطاردة فلول الجيش الاسرائيلي عند انسحابه من الجبل ، وبقي منها: شعبان المصري ووليد اللبناني من قرية الحلوسية الجنوبية، وسعد المقيم في عمان، ومجاهد الذي أصبح مجازاً استاذا جامعيا في علم الاجتماع.

هؤلاء هم من بقوا من الأبطال الذين تواجدوا في قلعة الشقيف الباقية أبداً في وجدان شعبنا وتاريخه وتراثه، هذا التراث في المقاومة الذي لم ينقطع عن هذه المنطقة من بلادنا، وحسبي هنا أن أذكر أنه لدى حفر الخنادق في محيط القلعة تم العثور على رفات العشرات من شهداء الحروب الصليبية، وقد تم جمع الرفات بعناية شديدة، وأعيد دفنها بمراسم عسكرية في المكان ذاته وسط مهابة وخشوع ورهبة وإيمان عميق بأن هذه البلاد أمانة يورثها جيل إلى جيل.

المصادر

1- الجرح الأخضر ( المفتوح) فلم وثائقي من انتاج القناة العشرة في التلفزيون الاسرائيلي 2013 ترجمه الى العربية ناصر اللحام وبث على قناة معا الفلسطينية .

2- زئيف تشيف وايهود ايعاري . الحرب المضللة . ترجمة غازي السعدي, دار الجليل عمان , ط1 , 1985

3- واصف عريقات قلعة البطولات (الشقيف) احتلت بالغازات السامه حلقه من كتابه يوميات مقاتل . نشرت في موقع دنيا الوطن 3-5-2013

4- غازي السعدي , اهداف لم تتحقق, دار الجليل عمان , ط1 , 1985

ثانيا شهادات

1- سعد عميره , قائد المجموعة الوسطى في قلعة الشقيف , مقيم في عمان شهاده مسجله و مكتوبه

2- هاني الديك . قائد فصيل الرشاشات الثقيلة , ضابط متقاعد . فلسطين , شهاده مكتوبه ومنشوره على موقعه بوسائط التواصل الاجتماعي بعنوان قصة فصيل الرشاشات

3- جمال ايوب . كاتب فلسطيني مقيم في عمان . ضابط التموين في حرب 1982 في ك الجرمق ز شهاده مسجله

4- ابو خليل جوده . ضابط متقاعد . مقيم في فلسطين , قائد مجموعه ضمن فصيل م.د المتواجد في انصار . شهاده مكتوبه

5- ابو فراس سدر مقاتل في صفوف ك الجرمق خلال حرب 1982 مقيم في عمان . شهاده مسجله

• نشر في مجلة دراسات فلسطينية عدد 101 / 2015

اخر الأخبار