نحن وإسرائيل .. إدارة خلافاتنا وخلافاتهم ..!

تابعنا على:   11:44 2014-12-21

أكرم عطا الله

بقي خمسة وثمانون يوماً على الانتخابات العامة في إسرائيل، ومن يتابع الصحافة الإسرائيلية يرى معارك طاحنة تدور بين الساسة هناك، خلافات عميقة، تنافس بلا شرف ولا مبادئ وتكتلات مصلحية وكراهية إلى الحد الذي لا يمكن تصور أن أياً منهم يمكن أن يكون شريكاً للآخر في الحكومة الرابعة والثلاثين لإسرائيل التي ستتشكل بعد الانتخابات.

ليفني رئيسة حزب الحركة تندمج مع حزب العمل الذي هاجمها طويلا لوجودها في حكومة نتنياهو، أعضاء الليكود يشنون هجوماً على أفيغدور ليبرمان ويتهمونه بالغمز يساراً واستعداده لتشكيل حكومة مع هرتسوغ بعد أن انشق عن التحالف مع نتنياهو لينهي فكرة الليكود بيتنا، أوري أرئيل الرجل الثاني في قائمة حزب البيت اليهودي ووزير الإسكان ينشق عن نفثالي بينيت بالرغم من الحوارات الطويلة التي قادها هذا الأخير والعرض السخي الذي قدمه لأرئيل بمنحه المكان الثاني بالقائمة مع تأمين ثلاثة مقاعد مضمونة لمؤيديه، وإيلي يشاي الذي قاد حركة شاس لما يقارب العقد ونصف يعلن انشقاقه عن الحركة ويؤلف حزبا جديدا.

أما في الليكود فيهاجمون نتنياهو. وداني دانون رئيس اللجنة المركزية للحزب ونائب وزير الدفاع السابق الذي أقاله نتنياهو قبل حوالي خمسة أشهر يعلن تحديه لرئيس الحزب ومنافسته على الرئاسة في الحادي والثلاثين من هذا الشهر ذلك بعد أن قام دانون قبل ثلاثة أشهر بقيادة تمرد علني على نتنياهو حين دعا اللجنة المركزية لاجتماع في المجدل رغما عن موافقة رئيس الحزب واستقبل حينها بهتافات "رئيس الوزراء القادم".

الصورة صورة حرب حقيقية لكنها لم تخرج عن أصول ما هو مقبول في إطار التنافس السياسي، لم تجر أي حادثة قمع أو اشتباك باستثناء واحدة قام بها مؤيدو رئيس حركة شاس آربيه درعي باقتحام مؤتمر لمؤيدي المنشق عنه إيلي يشاي والاعتداء عليهم وتمزيق الصور التي يعلقونها وحزب شاس اتخذ اسمه اختصارا لـ "حراس الثورة الشرقيين" وهو ممثل المتدينين اليهود المهاجرين من الدول العربية وكأنهم لا زالوا يحملون جزءاً من الثقافة العربية أي باختصار كأنهم يشبهوننا أما غيرهم فلم يخرج عن أصول اللعبة الديمقراطية.

بل بالعكس، وفي ذروة اشتداد المعركة بينهم كانت ليفني التي تكره نتنياهو وتحمله مسؤولية ما وصلت إليه الدولة من خراب وخصوصا على مستوى العلاقات الدولية تتجاوز حزبيتها الصغيرة وتدعو كيري إلى استخدام الفيتو ضد المشرع الفلسطيني في مجلس الأمن "لأن مصلحة الدولة هي الأعلى" وكان بإمكانها أن تستغل تمرير المشروع لضرب نتنياهو باعتبار أن ذلك نتاج سياساته، ولكنها تعالت على مصالحها الحزبية الصغيرة ونرى كيف تجندت الدولة كلها خلف رئيس وزرائها الذي تسبب بكل هذه النقمة الدولية على إسرائيل ومن لم يتدخل اكتفى بالصمت دون أن يطعن خصمه من الخلف مستغلا لحظة تسونامي سياسي تسببت به سياسات نتنياهو.

أما نحن المستجدون على السياسة وإدارة المجتمعات فشلنا في إدارة اختلافنا، وعجزنا عن التمييز بين الخلاف والاختلاف، بين التنافس والاستعداء واستبدلنا الشراكة بالإقصاء وعجزنا عن الوصول لأي من القواسم المشتركة بين فصيلين حتى وقد شهدت تجربتنا على مدى التاريخ الطويل سلسلة من الانشقاقات ولكنها لم تسجل حالة توحد أو اندماج واحدة.

ولم يتوقف الأمر على الانشقاق، حين اختلف أصدقاء الأمس كانت أساطيل الإعلام تدك بمدافعها الثقيلة جدا وتلقي حمما من الاتهامات أقلها ما يستبيح دم الخصم من تكفير وتخوين وإخراج من الملة، التشكيك بالوطنية، فما أن اختلفت الفصائل قبل سنوات حتى كان القتل والسحل والجثث من وسائل التعبير الوحشية عن الاختلاف وكانت النار هي وسيلة الحوار الوطني الوحيدة وعندما اختلف أبناء الحزب الواحد اجتهد كل منهم علنا لإثبات خيانة وفساد الآخر رفيق الأمس الحميم.

وإذا كان أحد تعريفات السياسة بأنها فن إدارة الاختلاف هذا يعني أننا نسجل فشلا سياسيا ذريعا ولا يحتاج تأكيد ذلك سوى النظر إلى حالة التشرذم وتقسيم الوطن والاتهامات المتبادلة وعدم قدرتنا على إعادة بناء النظام السياسي منذ أن تلقى الضربة الأكبر قبل سبع سنوات ونصف وبعدها استمر مسلسل العبث الطويل وفيما تختلف الأحزاب ومنشقوها داخل إسرائيل في إطار المسموح بما لا يخل باللعبة الديمقراطية نحن نقلب الطاولة على رؤوسنا عند أول اختلاف.

كل ما نراه في إسرائيل سينتهي لحظة إغلاق الصناديق، فقد ذهب الإسرائيليون للاحتكام عند شعبهم ونحن ذبحنا شعبنا وصادرنا حقه في قول كلمته وقمنا باحتلال إرادته في الاختيار بقوة السلاح. ستنتهي خلافاتهم وسنرى أبعد الخصوم يأتلفون في حكومة واحدة من أجل دولتهم ويقولون لنا: موتوا بغيظكم، وسيبقى الأخوة الأعداء بيننا ويتشاجرون ويقولون لنا أيضا: موتوا بغيظكم، هم سيشكلون حكومتهم أما نحن ستبقى حكومتنا معلقة في الهواء تتأرجح على حبال فشلنا الصارخ وأدائنا البائس واستمرار خلافاتنا على السلطة المرشحة للانحلال فيما لو وصلت الجهود إلى طريق مسدود ويمكن أن يكون ذلك أحد السيناريوهات التي يجب وضعها على الطاولة حتى في ذروة العمل الدبلوماسي.

بعد خمسة وثمانين يوماً سيعود الإسرائيليون للحديث عن الأمن والاقتصاد والفقر والموازنة والرفاهية، ونحن سنبقى نتحدث عن اتهامات المصالحة وعدم الإعمار وبركة الشيخ رضوان والهجرة والمعابر والألترامال والبطالة والفقر والبؤس والخيانة والفساد، هل عرفتم أحد أسباب ضعفنا أمام إسرائيل ..؟!

[email protected]

اخر الأخبار