مناورة أميركية خادعة حول "المشروع الفلسطيني"!

تابعنا على:   09:18 2014-12-21

كتب حسن عصفور/ يبدو أن الادارة الأميركية مارست جانبا من "اشكال الباطنية السياسية" في التعامل مع ما يعرف بـ"المشروع الفلسطيني" المقدم الى مجلس الأمن تحت مسمى "إنهاء الاحتلال"، إذ أنها بادرت وقبل تقديم المشروع بأيام عن تسريب خبر يقول أنها تدرس عدم الاعتراض على المشروع، اواستخدام حق النقض ضده، لو تم عرضه للتصويت..

وإنطلق "الخبراء" عربا وعجما، في دراسة وتحليل "الأبعاد الاستراتيجية" لذلك الموقف "التاريخي"، حتى وصل الأمر بقادة الكيان العنصري وأصيبوا بهلع لا بعده هلع، وناشدوا القيادة الأميركية أن تعيد النظر في تلك الخطوة الخطيرة!..

فيما عزا بعض "الخبراء جدا" في الشأن الأميركي داخل فلسطين وشتاتها، أن هذا التغيير "النوعي" يعود لأن أمريكا لا تستطيع ان تدير ظهرها للتطورات في المنطقة العربية، وتحديدا بعد أن أصيبت بنكسات لا حصر لها، وتوسعت حالة الجدل حتى وصل الأمر بالبعض الفلسطيني الرسمي وحوله ليعبرعن سعادته بالموقف ألميركي،  والناجم عن "حكمة الرئيس عباس" و"صلابة مواقفه" و"إصراره الذي لا يلين" لتقديم المشروع دون أن يتأثر بأي تهديد..

هكذا بكل سذاجة تعاملوا مع تسريبة اعلامية..ذلك بعض مما حدث نتيجة تصريح ايهامي أميركي بأنها تفكر وتدرس في عدم معارضة المشروع في مجلس الأمن، ولعلها لم تخطئ أبدا في جوهر الكلام، كون المشروع الفلسطيني منحها أكثر كثيرا مما توقعت، خاصة بعد أن تقدم كبير طاقم الرئيس عباس للتواصل مع واشنطن، صائب عريقات نص المشروع لوزير الخارجية الأميركية في لندن، وإطلع عليه قبل أن يتم تقديمه بنصه النهائي للوفد العربي، فنال الرضا الأولي..

ولأن أمريكا دولة تعرف ما يجب أن تفعل حفاظا على الكيان الاسرائيلي ومصالحه أكثر مما كان، في هذه المرحلة التاريخية التي تشهدها المنطقة العربية التي أفشلت مخطط أميركا في اعادة تقسيم المنطقة على قواعد غير التي أنشئت في عالم الاستعمار القديم - سايكس بيكو - وكان وأبرز تلك المتغيرات ما حدث في مصرباسقاط رأس الحية للمشروع الأميركي الجديد في مصر، وإسقاط "حكم المرشد"..

وبعد أن ضمنت الادارة الأميركية أنها حققت الجوهري من "التنازلات" المطلوبة ويزيد في المشروع الجديد، وهو ما تعرضنا له في المقالة السابقة يوم أمس السبت - قراءة تحليلية في المشروع ونوعية التنازلات السياسية الخطيرة فيه-، لجأت واشنطن الى البحث عن مزيد من التنازلات وممارسة الضغط العلني والسري على الرئيس محمود عباس كي يتقدم بما هو أكثر من تنازلات، وكأنها تبحث عن "إسقاط ورقة التوت" التي يحاول الحفاظ عليها..

امريكا لديها نقاط تريدها قبل الموقف النهائي من التصويت على "المشروع الفلسطيني" تتلخص في التالي:

*ارجاء التصويت على المشروع في مجلس الأمن الى ما بعد الانتهاء من الانتخابات الاسرائيلية، استجابة لطلبات قيادات سياسية اسرائيلية كشف عنها موقع أميركي، وابرزها كان تسيبي ليفني وشمعون بيريز، باعتبار ان التصويت الآن سيخدم بيبي نتنياهو، ووفقا للموقع الأميركي فقد استجاب القيادة الأميركية، وأوضحت للطرف الفلسطيني بضرورة التأجيل، وهو ما يعني عمليا دفع المسألة الى ما بعد 6 شهور على اقل تقدير من الآن، وبالتالي تمديد السقف الزمني، الذي قدمت به الرئاسة تنازلا مسبقا ووضعته نهاية 2017 بدلا من الأول 2016، ولذا يمكن أن يصبح التاريخ الجديد الى ما بعد 2018..ولا نظن أن هناك ضرورة للحديث عما سيكون من استيطان وتهويد وحصار خلال تلك السنوات..

**المسالة الثانية التي تريدها واشنطن، هي الغاء المطلب الخاص حول الرقابة والمؤتمر الدولي، وأن تعود الرعاية الى الولايات المتحدة وحدها، بلا شريك، وكأنها تردد المثل الشعبي الفلسطيني "أمريكا زي الفريك ما بحبش شريك..واشنطن لا تريد لغيرها شريكا او حاضرا في اي مسألة تتعلق بالمفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية..

***القضية الأخرى،هي البحث عن صيغة أكثر وضوحا فيما يتعلق بهودية دولة الكيان، لأن امريكا ترى أن الاشارة الرمزية لقرار 181 الذي ينص على تسمية "دولة يهودية"، لا يلبي الحاجة الاسرائيلية في نص يؤكد على طابع الدولة اليهودي،  بعد أن تنازل الفلسطيني وتقدم بصيغة ملتبسة، لكنها تسمح بتلك التسمية لاحقا، خاصة وأن الرئيس عباس سبق وأعلن لتذهب اسرائيل الى الأمم المتحدة وتحصل على التسمية المرادة..

والى جانب ذلك، فإن الولايات المتحدة، تدرك تمام الادراك، أن "المشروع الفلسطيني" بصيغته الحالية سيخلق انقساما عميقا داخل الساحة الفلسطينية، ويعمق من الأزمات الداخلية، ولذا تبحث عن مزيد من توريط الرئيس عباس وحركة فتح، في المضي بتقديم تنازلات أكثر، كي تدفع الوضع الفلسطيني الى الانفجار، ما يمنح دولة الاحتلال زمنا مضافا لتعطيل كل اتفاق ممكن، استسلامي أو شبه استسلامي، والى حين أن تتمكن واشنطن من ترتيب أوراقها بعد الهزيمة الكبرى في المشهد العربي..

ولكي لا يستغل البعض الموقف الأميركي المخادع، كان يجب وضع المسألة في نصابها وسياقها السياسي، بأنه ليس رفضا لما تقدم من تنازلات خطيرة وجوهرية لصالح الرؤية الأميركية - الإسرائيلية، ولكن لمزيد منها بعد أن لمست حالة الضعف والوهن للرئاسة الفلسطينية..

امريكا لم تحلم بمشروع كما قدم لها، ولكنها تريد المزيد، ليس من أجل البحث عن "حل سياسي" للقضية الفلسطينية، ولكن من أجل "حل لدولة الكيان"، الى حين رؤية نتائج المشهد العربي المتحرك..

ترتيبات يدركها من يريد  ادراك الحقيقة السياسية، والتي يصر البعض الفلسطيني على التعامي عنها، فأمريكا أدركت أنه لا يوجد خطورة بعد تقديم "المشروع المشبوه" من اي "تهديد كلامي فلسطيني للقيام بأي فعل يلحق أذى حقيقي بدولة الكيان..بعد أن لمست أن كل التهديدات السابقة سقطت كأوراق الشجر الخريفي..فيما تقف حركة حماس وسط حالة من التيه والحصار بعد أزمة جماعتها الأم، وارتباك موقفها العام..ما يعني أنه لا يوجد تهديد مباشر يلحق أذى أو ضرر سياسي لدولة الكيان خلال فترة منظورة، على الأقل لعام قادم، فلما العجلة إذا..اليس العجلة من الشيطان!

ملاحظة: ملفت للإنتباه أن حركة "حماس" صمتت صمت القبور حول المشروع الفلسطيني، رغم ما به من كوارث..هل للصمت صلة بقرار المحكمة الاوروبية..صمت انتظاري لمساومة مقبلة لمرحلة غير المرحلة..كل شيء ممكن من فصيل اخواني!

تنويه خاص: هل يتذكر أحد من هو الذي أقسم أغلظ الايمان بأنه لن يتغير "حرف واحد" من "المشروع الفلسطيني"..وبعد التقديم اكتشف الناس أن التغيير طال كل شي وطني وليس لغوي فقط..فعلا إنه زمن العجائب التي يجب اضافتها للعجائب السبعة!

اخر الأخبار