الثمن بخس جدا..!

تابعنا على:   19:34 2014-12-20

كتب حسن عصفور/ أخيرا حددت السلطة الوطنية الفلسطينية موعدها لتقديم الطلب الخاص بعضوية فلسطين في الأمم المتحدة، بيوم 20 سبتمبر – أيلول القادم، واضعة حدا لما كان من فوضى التقديرات والتصريحات التي أربكت الشعب الفلسطيني بأنه لا يوجد تاريخ محدد، ما أعطى الانطباع بأن هناك من ينتظر 'وعودا' أو 'مبادرات' علها تطيح بالقرار الفلسطيني إلى سلة النسيان السياسي، ولذا جاء التحديد ليكون بداية واضحة لاستكمال المسار الفلسطيني نحو مواجهة سياسية مرتقبة مع الولايات المتحدة ودولة الاحتلال إسرائيل، رغم أن البداية المتأخرة لتقديم الطلب قد أن لا يكون ضمن أولويات المناقشة الدولية وفقا لجدول الأعمال للجمعية العامة، وهو ما يتيح فرصة زمنية أطول للبحث عن 'مخارج من المأزق' الذي تراه واشنطن، وبعض دول الغرب الحليفة لتل أبيب، خاصة أن الطرف الفلسطيني لا يترك فرصة أو مناسبة دون التأكيد أن الخيار الأول ما زال هو 'خيار المفاوضات'، بل إنه عاد ليؤكد بأن قرار الأمم المتحدة حول الدولة الفلسطينية سيعزز 'الخيار التفاوضي'، كرسالة طمأنة لواشنطن وتل أبيب، موقف ما زال يثير التساؤل عن الجدوى أو الحكمة التي تحكم هذه الرؤية الأحادية في العلاقة مع المفاوضات..

 وقبل الوصول إلى قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة حاول الطرف الفلسطيني البحث عن كل ما يمكن أن يجده من 'بدائل سياسية' كي لا يصل إلى تلك المرحلة التي ما زال يتحسب لها كثيرا، وكانت آخر تلك المحاولات في البحث عن 'البديل' قيام الرئيس عباس بلقاء شمعون بيرس رئيس دولة الاحتلال أربعة لقاءات في أماكن عدة، ولولا 'تشدد' نتنياهو لما توقفت تلك اللقاءات وفقا لما أعلنه الرئيس عباس في أحد اجتماعات فتح الأخيرة، وكان الهدف من تلك اللقاءات هو إيجاد السبل للعودة للمسار التفاوضي الفلسطيني – الإسرائيلي، رغم النفي المتكرر من قبل مسؤولين فلسطينيين لها، لكن الموقف الحكومي الإسرائيلي كان قاطعا بأن لا تفاوض دون 'رضوخ' الطرف الفلسطيني لشروط نتنياهو وخاصة ما يتعلق بـ'يهودية الدولة' باعتبار هذا البند مدخلا جوهريا للحركة الصهيونية لتحديد مستقبل فلسطين التاريخية، ولذا لا عودة نتنياهوية للمفاوضات دونها، ولعل هذا الموقف هو الذي ساعد في بقاء خيار الأمم المتحدة الخيار الحي مع خيار المفاوضات من بين مجمل الخيارات السبعة التي سبق أن تحدثت عنها القيادة الفلسطينية في أكثر من مناسبة..

 قد يتساءل البعض، هل حقا أن واشنطن وتل أبيب مصابتين بالهلع والخوف من خيار الأمم المتحدة، وكأنه معركة حاسمة من معارك المواجهة الفلسطينية – الإسرائيلية، خاصة أن هناك أطرافا فلسطينية وعربية تستخف بهذا الخيار، بل وأعلنت دون خجل أن لا تغيير سيحدث واقعيا للمشهد الفلسطيني بعد قرار الأمم المتحدة في حال التصويت على قرار لصالح الدولة الفلسطينية، وهل سينقلب الواقع لإحداث تغيير جوهري لمصلحة الشعب الفلسطيني، أسئلة عدة يتم تداولها فلسطينيا وعربيا مع معارضة علنية من فصائل فلسطينية كحماس والجهاد الإسلامي لهذا الخيار، لكن ما يغيب عن ذهن البعض هو أن نتائج المعارك السياسية لا تتوقف على رغبة طرف واحد فحسب، وكثير من التطورات يمكنها أن تحدث جراء أفعال لم يتم تقديرها التقدير السليم، خاصة أن الوضع الفلسطيني يمكنه أن ينفجر لأي سبب كان نتيجة الاحتقان العالي جدا داخل المجتمع الفلسطيني، سواء من الاحتلال وسياساته وممارساته الساعية لتكريس احتلال أبدي عبر تهويد واستيطان غير مسبوق، وسلطة وقوى لم تعط للشعب قدرة على رؤية الأمل بأن هناك ما يمكن أن يكون .. بل إن الوضع السياسي الداخلي يزداد تدهورا، حتى التفاؤل بإنجاز المصالحة لم ير أي بصيص نور بعد مضي أشهر على توقيع 'وثيقة المصالحة' ما إبان أن العائق الحقيقي للمصالحة ليس سوى المصلحة الحزبية وليس العوامل الخارجية فقط، كما حاولت بعض الجهات خداع الشعب فترة طويلة.. فالغضب المخزون لدى الشعب الفلسطيني قد ينفجر في أي لحظة، ولعل فرصة الأمم المتحدة تكون هي الأكثر مواؤمة لتلك الحركة التفجيرية في الضفة والقطاع، ما سيدخل المنطقة في حالة الانفجار إلى مسار غير محسوب مطلقا، رغم كل التطمينات المرسلة من السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية لدولة الاحتلال بأن 'الوضع تحت السيطرة' وأن ' لا مخاوف' من الخروج عن المظاهرات المحدودة مكانا وعددا..

 تلك الرسائل لم تدخل ' الطمأنينة' لنفوس المحتل وجيشه، ولذا تسعى تل أبيب للبحث عن تقديم ما تسمه دوما بـ'بوادر حسن النوايا' لتقطع الطريق على 'الانفجار الفلسطيني الكبير'، سواء للسلطة الفلسطينية أو حركة حماس، فهي تدرس  ترضية السلطة من خلال 'سلة عناصر' علها تساعد في الكف من مخزون الاحتقان العام، ومنها على سبيل المثال : إطلاق سراح عدد من المعتقلين وإعادة جثث بعض الشهداء من مقابر الأرقام – رغم أنها سبق أن وعدت الرئيس عباس بها ولكنها خدعته ولم تقدمها له – وأيضا دراسة تخفيف درجة الحصار الداخلي في الضفة الغربية بتفكيك بعض الحواجز بين المدن الفلسطينية، إلى جانب دراسة إمكانية منح تصاريح عمل لعدد كبير من العمال الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية، خاصة في قطاعي البناء والزراعة، وقد تكون هناك عناصر أخرى في وقت لاحق، فيما تسابق الزمن مع حركة 'حماس' لإنجاز صفقة شاليط، صفقة قد يكون لها أثر سياسي في المجتمع الفلسطيني، خاصة مع خروج أسماء لم يكن هناك أمل بإطلاق سراحهم سوى بالحل النهائي للقضية الفلسطينية..

 عناصر ترضية تكشف كيفية تعامل دولة الاحتلال مع الطرف الفلسطيني وحجم السخرية الذي يقف في خلفية موقفها وطريقة سلوكها في الموقف الراهن، تبحث عن أبخس الأثمان لتقدمها كثمن لقضية وطنية – سياسية قد تشكل مفصلا حيويا في المستقبل القادم.. حكومة نتنياهو تريد قطع الطريق على 'الانفجار الشعبي' بعناصر لا تشكل قيمة للفلسطيني، لكنها تبرز كيفية التفكير الإسرائيلي تجاه الطرف الفلسطيني.. ومع ذلك أيضا يظهر خوف من مستقبل غير واضح الملامح لمرحلة قد تخرج عن 'السيطرة' أو طريقة البعض في الاعتقاد بأن نظرية 'إدارة الأحداث بالرموت كنترول' ستبقى سارية.. الثمن الإسرائيلي البخس للتحرك الفلسطيني قد يكون عاملا إضافيا لانفجار الشعب الفلسطيني في حراك أكثر اتساعا مما يعتقدون..

 

ملاحظة: يبدو أن الحراك الشعبي العربي سيفتح باب 'التمويل الأجنبي' ما سيكون له أثر في كشف أسرار 'الصناديق السوداء'..

 

تاريخ : 18/8/2011م   

اخر الأخبار