عباءة البحر- قصة قصيرة

تابعنا على:   13:00 2014-11-26

نيروز قرموط

تعود إلى ذكرياتها مرة أخرى في مخيم كبير يعج بالاطفال يلعبون بالقلول، ويهود وعرب ، ترى نفسها تنط الحبلة مع صديقاتها وهي في سن العاشرة مرتدية فستانا قصيرا في زقاق رملي خلف ألواح الزينغو ، تترك الحبلة حين يسرق صديقها دبوس على شكل فراشة عن شعرها ، يركض هاربا ، تلحقه مسرعة ، حتى تسقط الزنوبة من قدميها الصغيرتين وهي تركض دون أن تشعر إلا برمال الأرض تحملها إلى طريقها رغم كل الحجارة ، تقع ويتسخ فستانها وتنفض عنه رمل الشارع  وتعاود ملاحقته غاضبة :

  .هات الدبوس.

يجري و يقول لها :

. اذا بتقدري الحقيني .

يتعبان ويقفان مستندان إلى جدار منزل الجيران في حارة أخرى غير حارتهم ،يلهثان تحت ظل شجرة، يعطيها دبوسها مبتسما ، يقول لها:

. حلو الدبوس عشعرك.

لا تعلم هي لماذا تتملكها سعادة العالم في ذاك الوقت رغم غضبها الشديد منه ، لا تفهم مشاعرها الطفولية التي تصعد وتهبط بقلبها بسرعة لا تستطيع تنفسها ، ترى ذراع أخيها تلكم الشاب والشاب يلكمه وهي تبكي ، يشدها أخوها من ذراعها، بعد أن رآهما صدفة وهو مار من ذات الزقاق الرملي ،وينعتها بنعوت لا تفهمها:

. سافلة.

يصلان إلى البيت و يشتكيها أخوها لوالديهما:

. كانت مع ابن الجيران.

 يصفعها أبوها على خدها كفا لن تنساه طوال عمرها، تشدها أمها من شعرها ، وتقول لأبيها :

. أنا بوريها.

صوت أمها يؤنبها، وتقول لها :

. هاي آخر مرة تطلعي على الشارع ، خلصنا لعب، خلص كبرتي، ما عدت طفلة ،اطلعي على حالك بالمراية ،خدي شالة أختك لفي فيها شعرك، أما بنات آخر زمن.

تسمع بكاءها في أذنيها ، تشعر بيداها تتلمس جسدها ، تبحث عن مواضع كبرها التي لم تعلم عنها إلا من أمها.

الجدران خانقة ، تضيق مساحة المنزل ، لا هواء ينعش الصدر، أباها يتعرق ، الجو حار ، ينادي أمها:

.  وينكم يا جماعة ،ما خلصتو لبس ، عجلو ، راحت الشمس ، وانتو لسه بتتلبسوا.

الأم تكمل تتبيل السمك ، تعم الفوضى الغرف بعد سهرة الخميس بضيافة بناتها وأطفالهن كما نهاية كل أسبوع  ،تصرخ:

. بكفي انت وياه تلفوا حوالي خليني اخلص اللي بايدي ، كل واحد يروح عند امو، وأنتن ما خلصتنش شلح ولبس ، وحدة فيكو تشوف أبوها ، آخ هم البنات للممات.

هي في غرفتها لوحدها، تفرغ ما في خزانتها على سريرها ، تخلع ملابس وتلبس ملابس ، تستمر بتغيير ملابسها ، ولا يعجبها شيء تحدث نفسها:

. أوف والله زهأت ، الجو حر ، وأنا مشوبة ، هو البحرحلو ، بس شوية مي بالبانيو أريحلي من كل هاللبس اللي بيخنق .

تخرج من الغرفة ، تمشي بملل باتجاه المطبخ ، تبحث عن أمها:

. يا الله مش عارفة شو ألبس ، طب كيف بدي أسبح.

الأم تكمل عملها بسرعة ، تتعرق ، تعقل عقدة بمنديلها على رأسها، دون أن تنظر لابنتها:

. ترى أنا راسي بدو ينفجر ، فشي خلقك بشي تاني ، ألبسي اللي تلبسي .

تحنق أكثر ، حرارة في داخلها أعلى من حرارة الجو ، تنظر إلى أمها برأفة مرة ، بغضب مرة أخرى:

. يا الله بس أنا لمين أشكي همي بس ، كلكو هيك وخواتي مش فاضيين .

. شوفي علي مش خلصت التوجيهي تبعك عشان تزهأيني ، أنا قرفانة أواعي ، خلي هاليوم يمرق على خير، دبري حالك وعيشي بما يرضي الله ، يا بنتي لا ضلك هيك اللحظة الحلوة ما بترجع.

. حاضر ، أساعدك بشي.

. لأ بس جهزي حالك الله يرضى عليكي ، ويحفظك انت واخواتك من شر ولاد وبنات الحرام، روحي وانا داعيتلك.

ركبوا باصا يتسعهم جميعا ، واستعدوا لملاقاة البحر بعد انقطاع طويل ، علّه يعيدهم إلى ذكريات جميلة، ويقدم لهم يوم أجمل .

 طائرات ورقية تتراقص مع الهواء ، زاهية ألوانها كقوس قزح ، تتحد ألوانه مع أشعة الشمس المضيئة لتتوهج مرة على زبد الموج ، ومرة على رمال الشاطئ.

تثقل الرياح برطوبة بحرعتيق ،تشتم منها روائح  بطعمات مختلفة من ذرة وبطاطا مشوية على جمرات فحم نارية ، ياه ما أجمله من منظر تتصاعد فيه الابخرة من عربات تبيع الفستق والبذر الساخن،  عربات مزينة بأضواء ككرنفالات الاحتفال ، وإن مل اللسان من سخونة تحرقه ، تنتظره أكشاك مزرشكة تبيع المثلجات ممزوجة الالوان والنكهات ، و ما ألذ طعم البوظة عندما تسير بمحاذاة الشاطئ ليداعب الهواء جسدك و تنعش النكهة روحك.

خيام ومظلات تتسلق حبالها ألواح الخشب ويكسو سطحها جريد النخل  ليبعث بنسمات باردة على وجوه المحبين ،والحالمين بيوم يسرقهم من عناء الزمن و إرهاق الحياة ،تتسلل الأشعة ما بين الجريد ، الذي يحف بتمايله أجراسا تطرطق آذان السامعين ، لترسم خيوطا براقة تحيك الجالسين بالأمل.

شاطئ غزة ليس بالنظيف ، يفتقد ترتيب أشيائه ،تتراكم النفايات على رماله، تتناثر خيامه ،كومات قش تبعثر أرواحا تؤنس ظلالها ،هكذا هي غزة فتاة لم تتأنق بعد ولم تحصل على عطرها الخاص ، لكي تتعطر بعطرالجميع وإن كان غصبا عنها.

تختارالعائلة لنفسها خيمة لا ينقصها من الجمال الا ضحكاتهم وحواديتهم لهذا اليوم السعيد ،كل يبحث عن ذكرياته، في بحر لا تتوقف أمواجه باندفاعها نحو شاطئه لتيقظ كل مشاعر الحنين و الأمل والحرمان من عباءة بحر.  

الأب لا يعرف السباحة ، يدخل ويخرج من عمق البحرمعتمدا على طوله الفارع ، ماشيا على قدميه ، يجلس ليتأمل البحر صامتا دون أن يتكلم حتى يعتقد كل من رآه أنه في بحر آخر غير الموجود أمام الجميع ، أما الأم لا تشعر بتعبها إلا اذا جلست ، تنشغل في ترتيب خيمتها وأغراضها وسلطتها التي تخاف أن يمتلئ بقدونسها برمال الهواء بعد أن أخرجته من حقيبتها لتبدأ حفلتها في ترتيب مائدة كما لو كانت في بيتها، والفتاة تتأمل والديها بهدوء.

 تضحك الجدة بثوبها المطرز وبين شفاهها سيجارة تبغ قديم تنفث دخانه وتغني مواويلها,وتسترق النظر إلى حفيدتها المدللة :

. قومي روحي يا ستي تسبحيلك شوي ، لو بقدرباجي معك .

. لحالي.

. هو أنت ما لكيش رجلين .

. إلي.

. روحي قبل ما الشمس تبرد.

.هيني رايحة.

تعلو ضحكات وقهقهات أخواتها ، يتغامزن تارة و يغتبن فلانة وعلانة تارة أخرى :

.يا رب سامحنا كل هذا الحديث إنما على سبيل الزهزهة .

تبتسم و تستمع لجدتها وأخواتها وتقوم بصمت إلى البحر.

تمر إلى جانب أخوانها وهم يشوون السمك على المنقل وتتعالى أصواتهم بالحديث عن السياسة وذكريات الحرب و الانتفاضة ، ساخرين من حالهم وجمرات الاركيلة وسحبها تتراقص على ضحكاتهم.

تمر من بين دخانهم دون أن يلمحها منهم أحد ، كأنه البحر يهديها تعويذته ، بأن تختفي عن أنظار الجميع ويحملها إليه كعروس بحر.

تتعثر بطفل في السابعة من عمره ينتظر الموجة على حافة الشاطئ ليقفز عاليا سعيدا وهو مبلل وسرواله يسحل عن مؤخرته وهو يلعب بالاصداف والرمال ويلقيها على أخيه ، وكل منهما يلحق و يرمي الآخر بالرمال ، في عيونهما بداية الحياة و براءة الطفولة ، يغضبان بسرعة ، ويتراضيان بسرعة أكبر ويعودان للعب من جديد ، تبتسم لهما تمسح على رأسهما و تستمر بالسير.

 تتأمل طفلا في الرابعة من عمره يركض عاريا فرحا بحريته التي تخبره عنها طفولته في كل مرة يطير فيها مسرعا إلى حضن أمه التي تنتظره بلهفة ليبتل بموجة البحر ،يقفز بين ذراعيها محتميا بدفئها من سر بحر لم تخبره عنه سنواته الاربع بعد.

مجموعة من الشباب ، تحرق ظهورهم الشمس ،أياديهم تضرب بأوراق الشدة على الأرض بقوة تننظر الفوز، لا يمتلكون مظلة يحتمون بها من حرارة الشمس .

يلتفت شاب بعد أن لف رقبته باتجاهها يغازلها من مكانه وأوراق شدته بيده.

على مسافة من هؤلاء الشباب حمار يغتسل بمياه البحر من عناء يومه ، بعد ان تحمل مشقة نقل الناس على كارته وما يضحك أن حتى الحمار له مكان محفوظ في هذا البحر وهذا الشاطئ ، ويغتسل كما الجميع بمياهه المالحة . 

طفلتان تختاران ألوانا مختلفة لتلوين شفاههما بصباغ البرّد ، تتشاجران أيهما تشتري الأحمر ومن تشتري الاصفر ، ملابسهما مبتلة ، كل منهما ترتدي بنطالا وقميصا، هما أختان تموج خصال شعرهما  كسنابل حصاد قمح قادم، وبائع البرّد بلحيته الكثة البيضاء ،يجلس خلف عربته البسيطة ،يضحك ،ويتمنى كل ما يتمناه بصمت يغرق في أعماق بحر.

يتسارع يافع لم يغادر طفولته بعد إلى كشك قريب ، يشتري الترمس ويرمي قشوره في كل مكان يستطيع نشر فوضى مراهقته المبكرة به ،عيناه حائرتان ،يتوارى عن عيون الآخرين ،خجلا من السباحة والفتيات ،يبحث عن بحر جديد يحمله بكل قشوره إلى حيث لايعلم أحد، شاي وقهوة بحبات هال تفوح رائحتهما من فحمات رجل كبير طاعن بالسن يقص قصص البلاد وأيام البلاد لأحفاده الذين غابت عنهم هذه البلاد ولا يعلمون عنها إلا من الجد والجدة والتاريخ.

شابان طائشان على عجلة بخارية مسرعين محملين بموسيقى صاخبة ، يسابقون الرياح مندفعين بعكس هبوبها ،يتزينان بقصات شعر كمن يحمل برج إيفل على رأسه في وسط التاريخ ، يبعثان بصفيرهما ونظراتهما إلى كل فتيات الشاطئ المحتجبات ،يتباهيان برجولتهما حتى يعترضهما شرطي ضخم ، فيتوقفان ويسقطان من على عجلتهما وتذهب كل استعراضاتهما هباء منثورا ، فتضحك الفتيات ، يقول رجلا مارا  للشرطي حيث سقط الشابان :

. اتركهم خليهم مبسوطين.

المعاكسات الشبابية  تتوالى منها الطريفة والظريفة ومنها المزعجة غير الخفيفة ولكنها بكل ضجيجها افتعلت يوما حارا وساخنا وممتعا احتفالا بالجميع على الشاطئ.

أما هي في انشغال الجميع تطارد خيالها إلى بحرها ،ضجيج الماضي يؤرقها ،ردائها الأسود يتطاير مع الهواء، ومنديلها يبعث السلام إلى كل نوارس الشاطئ و صهيل الخيل الذي ينمو داخلها في كل خطوة تتقدمها نحو عمق البحر.

شاردة  والرياح تحملها كحورية بحر ، الماء يكسوها ، الوقت يسرق خطواتها إلى بحر لم تعلم أنه تسلل على غفلة إلى ذاكرتها.

ما بين عبق الحنين وعبق البحر ، تتلاطم الذكريات في عقلها والأمواج على جسدها، تشعر بلسعة حبيبات رملية على بشرتها الناعمة ، تقرصها الرمال ،لا تقوى الهروب خارج ردائها الأسود، تغرس قدميها في رمال الشاطئ المبتلة ، ترسم خطوتها كأثر الفراشة على زهرتها المبتلة بالندى، تتقدم خطوة الخائفة إلى ما سيكون ، تشعر بقدمها تسقط في حفرة أعمق مما تحتمل السقوط إليه ، تتقدم فرحة بسقوطها ، تبلل قدميها العاجيتين ،تلمع عليهما حبيبات الرمل الذهبية.

تعوم بجسدها على عمق أكبر ، تتسلل المياه داخل ردائها حتى ينتفخ ، تشعر بدغدغة تفوق أنوثتها على التحمل ، تشعر بشبق أكبر ، تعوم أكثر ، لا تشعر بأصداف البحر تجترح أسفل قدميها والدماء تنزف لتكمل مخملية المنظر حتى وإن كانت بدمها الانثوي ، ألم وشغف يتملك جسدها ، رغوة الأمواج تحيطها كسوار مخفوق بغزلة البنات والعسل ، وما أجمله من سوار حوافه تلتصق بضياء العسل الذي يمتص رحيقه من لهيب شمس.

تشيح عيناها بنظرة تلتف السماء لترى بياضا مشرقا يحملها كملاك بحر ،تلامسها نسمات بحر باردة  تلسعها  أكثر مما لسعتها ذرات الرمل ، تغمض عينيها ، تكتم أنفاسها لتغطس تحت الموجة وما أن أكملت الموجة مسيرها حتى شعرت بحاجة للتنفس من هواء الحياة مرة أخرى لتقفز فجأة وينكشف الرداء أكثر وتتسارع يديها لشده إلى الأسفل وهي تسترق أنفاس الحياة وتحمر خجلا من بروز نهديها عندما التصق السواد أكثر وشف أنوثتها إلى أنظارالجميع ،يزهّر خديها وتبرق عينيها السوداوين كجوهرتين نادرتين والرموش مبتلة كسهام تعترش جفونها وتغسلها أشعة الشمس بهالات الضياء، ابتسامتها تملأ الشط بسعادة لا تنتهي ، تشعر بالهواء يهرب خارجها، تلهث نحو التقاط و لو نفس واحد من أنفاس الهواء الهاربة :  

. بدي أسبح أكثر ، بدي طير جوا البحر ، لو انا خفيفة لكنت متل الريشة عسطح المي .

سمفونية الهية مألوفة تطرب أذنيها ليطمئن قلبها ويألف عرض البحر الموحش .. فتفتح عينيها لتلمعان بماء الذهب على مد نظرها ليسترخي جسدها في احضان الماء الدافىء.

تبتعد داخل البحر أكثر ، تجدف بساقيها و يديها الناعمتين ، تمتشق ثوبها بجسدها اليانع، القماش يلتصق بساقيها يعيق حركتهما ، منديل رأسها يحبس خصال شعرها من الحركة ، يلتفها كوشاح سرمدي يخفي عينيها .

قدميها لم تعد تصلان الارض ، تشعر بخوف الغرق، تبعد المنديل عن وجهها ، تنظر للخلف ، ترى أناسا أصبحوا كنقاط صغيرة ، عيناها لا تراهم بوضوح ،تعتقد أنهم ما عادوا يستطيعون رؤيتها، تشعر بتيار جارف يسحب ثوبها  للعمق ، ترتعش ترتعب ، تشعر أنها لم تعد تمتلك السيطرة على التجديف بجسدها ، ساقيها ثقيلتان والقماش يلتفهما ، تريد نزع ثوبها عنها ، تخاف العري ، تخاف الموت ، تحب الحياة ، تشعر بالوحدة والسماء أعلاها بعيدة والبحر بمياهه أصبح مخيفا تهاب صداه في أذنيها ، دموع حبيسة في عينيها لا تقوى الخروج ، أصبحت تستسلم للتيار ، تمسكها ذراع قوية فجأة ، تنظر إلى الذراع بعد أن شعرت بقوتها وحرارتها ، وإذ به رجل يقول لها:

. راح أساعدك تمسكي فيني منيح ما تخافي.

تخاف الفتاة أكثر من هذا الرجل ، تتملكها  ذكريات ومشاهد تمنعها من الاقتراب من رجل لا تعرفه ، أصوات خافتة من قاع البحر إلى جوف روحها ، أصوات تشبه صوت أبيها وأمها يؤنبانها ، لباس المدرسة الثانوية للسنة الأولى ترتديه فرحة، تشعر بأنوثتها  تتمايل داخل لباسها ، تتطاير خصال شعرها ، كطفلة تشعر أنها كبرت لأول مرة ، يرمقها الشارع بنظرات إعجاب لا تفهمها ولكنها تفهم احساسا واحدا أنها جميلة وتمتلك طريقها، صورة لشاب في عمرها يبتسم لها ، تشعر بابتسامتها له، ترى شارعا تظلله أغصان الأشجار ،تستظل هي وهو بشجرة ليقول لها كم هي جميلة اليوم حتى تعتقد أن كل العصافير على الاغصان تزقزق لها وحدها ،لا ترى من الشاب إلا ابتسامة أحبتها مع سنه المكسور، غير قادرة على تخيل كامل ملامح وجهه، تعود لذاكرتها ، صورة أخيها عندما لكم صديق طفولتها بضربة قوية على وجهه وشدها من ذراعها ،تستفيق الفتاة من حلمها ،الشاب الذي أنقذها يشد ذراعها أكثر،  لقد اقتربوا من الوصول إلى الشط ،هي ضعيفة الحركة ولا تقوى التنفس ،لكنها تخاف أن يقترب الشاب إليها أكثر، تحب قبضة ذراعه تلتف حولها لتشعر أمانا أحست أنها فارقته منذ زمن.

تدخل الشمس إلى عينيها عندما تفتحهما مرة أخرى ودموعها تسيل لآلئا على خديها ، بكلمات لا تقوى الحديث و الصوت يهرب منها:

. خليني هون أكمل طريقي لوحدي ، شو راح يقولو الناس علينا ونحنا مع بعض.

الشاب و هو يسبح بقوة:

.يبتسم و يتعجب راح يقولو هالشب الوسيم أنقذ فتاة جميلة من الموت.

وهي تعبة:

. شو عرفك يمكن كان بدي الموت.

. لا.. الموت أذاقك إحدى مذاقاته عشان تعرفي مذاق الحياة ، المرة القادمة راح أعلمك السباحة ..

يتوقفان داخل مياه البحر بعد أن أحسا بزوال الخطر ، تنظر الفتاة لعيني الشاب.

. كيف ؟

بكلمات متقطعة بموجات البحر المارة من فوقهما:

. لربما أنا من كاد  إنو ينتحر لولا ما لمحت عيناي خطرغرقك .

يتقدما ماشيان نحو الشاطئ وأخ الفتاة الذي يصغرها بعام واحد ينظر لهما مرتبك وحانق وحاني و دافئ بعض الشيء ، يتجه نحوهما :

. أختي شو صار ، أنت بخير.

تبقى الفتاة صامتة لا تتكلم و تنظر وعيناها تبتعدان وتقتربان من نوم وشيك، يبادر الشاب بالرد :

. كانت تغرق ، الحمد الله على سلامتها.

يقترب أخيها من الشاب ، يمد يده له ويصافحة بشدة.

ما تزال واقفة بينهما يهمس الشاب في أذنها مبتسما .

. مش حكتلك الحياة أبسط مما تعتقدين .

تنظر إلى ابتسامته القديمة ، سنه المكسور ، تتذكر دبوسها ، جدار منزل الجيران ، ظل شجرة ، لتشعر أن قلبها عاد يطير من جديد. 

تحن إلى طفولة غابت عنها ، عندما قست العائلة عليها خوفا من لعنة الحارة.

اخر الأخبار