مشهد إقليمي في الأردن

تابعنا على:   10:56 2014-11-22

ماجد عزام

تداخل المشهد الفلسطيني مع المشهد الإقليمي العام الخميس الماضي من  خلال صورة اللقاء، الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان، وضمّ الملك الأردني عبد الله الثاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتن ياهو، ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري. وبينما انضمّ للقاء هاتفياً الرئيس المصري الجنرال عبد الفتاح السيسي لم يتم توجيه دعوة للرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطوة بدت لافتة وغريبة في الشكل، ولكنها واضحة في المضمون لابتزازه من جهة، واللعب بورقة الخيار الأردني من جهة أخرى.

إذن عقد اللقاء في عمان بمساعي ووساطة من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، بعدما باتت الأوضاع في القدس خارج السيطرة، واقتربت من اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة تنذر بانفجار كبير ليس في فلسطين فقط، وإنما في المنطقة المتفجرة أصلاً.

وزير الخارجية الأمريكي الذي سعى وما زال يسعى لإبقاء الأمور هادئة، وتحت السيطرة في فلسطين لاقتناعه التام باستحالة تحقيق أي تقدم في المفاوضات وعملية التسوية على المدى المنظور، وعدم نية إدارته أو عدم امتلاكها الإرادة أصلاً للضغط الجدي على رئيس الوزراء الإسرائيلي من أجل إنجاح العملية، والأهم من ذلك تحاشي أي تصعيد قد يؤثر سلباً على السياسة الأمريكية الإقليمية الساعية، أساساً إلى قتال تنظيم داعش والتوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران حول ملفها النووي، وربما حول ملفات إقليمية أخرى مثل داعش سورية وغيرها.

أمريكا لا تريد أيضاً أي إحراج إقليمي أو دولى في ظل الممارسات الإسرائيلية ضد أولى القبلتين وثالث الحرمين، بينما هي تنسج تحالف إقليمي ودولي ضد داعش وحركات إسلامية أخرى تتهمها بالتطرف، ومن هنا كان سعي كيري وإدارته لتهدئة الأمور في أسرع وقت ممكن وبأقل ثمن سياسي ممكن.

من جهته يعاني رئيس الوزراء الإسرائيلي نتن ياهو من العزلة الإقليمية والدولية، وهو يبحث عن صورة  ثنائية أو جماعية لنفي هذه الحقيقة، ورصد الضغوط الداخلية التي تتهمه ببيع مصالح الدولة العبرية لصالح المستوطنين والمتطرفين داخل حزبه وفي صفوف اليمين بشكل عام، وأهم  من ذلك أنه سعى أصلاً للتهدئة في القدس بأخف الأضرار بعد فشل محاولة تكريس أمر واقع جديد، وفرض التقسيم الزماني والمكاني للحرم القدسي الشريف - على غرار الحرم الإبراهيمي في الخليل - إثر الصمود والعناد الأسطوري للمقدسيين –وحدهم - وبعد توصيات الشرطة الإسرائيلية القاطعة والواضحة بعجز الحلول الأمنية  والعسكرية عن إيقاف تدهور الأوضاع أو إعادة الاستقرار الى المدينة المقدسة.

أما مستضيف القمة الملك الأردني المنخرط في الحرب الأمريكية ضد داعش، وصاحب الوصاية الرسمية على المسجد الأقصى، والمُحرَجْ من التصرفات الإسرائيلية. فاجتهد لإيقاف التصعيد الإسرائيلي في الأقصى والقدس - حتى بثمن استضافة ديبلوماسية وسياسية علنية لنتن ياهو في عمان - كما لصد الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في الشارع الأردني ضد الممارسات الإسرائيلية ولتبرير استمرار قنواته السرية والعلنية مع الحكومة الإسرائيلية، خاصة في السياق أو البعد الأمني.

الغائب الحاضر في اللقاء الأردني الثلاثي كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس المستنزف والعاجز عن تحقيق أي نتائج جدية لشعبه، والذي بدا سعيداً للتصعيد والتوتر في القدس لاستخدامه في سياق صراعه السياسي والديبلوماسي على الساحة الدولية، ولكن مع الحذر الشديد والمبالغ فيه من تحوله إلى انتفاضه  عارمة أو من انتقاله إلى الضفة الغربية، التي تحكم أجهزة السلطة الأمنية سيطرتها عليها، وتواصل التنسيق الأمني مع إسرائيل لمنع أي تدهور فيها، وللإثبات العملي لتل أبيب أنه حيثما يتواجد التنسيق يتواجد الهدوء وحيثما تغيب السلطة تحضر المواجهة وتعجز إسرائيل عن إخضاع الشعب الفلسطيني.

ورغم ذلك كله لم تتم دعوة أبو مازن للقاء الأردني لعقابه وابتزازه للتوقف عن التهديد بالذهاب إلى الأمم المتحدة، والأهم للضغط عليه لاتخاذ مزيد من الخطوات الأمنية لوأد الانتفاضة في مهدها وتهديده بإمكانية حل المشكلة في القدس، وحتى في فلسطين بعيداً عنه، وعبر جهات أردنية عربية وإقليمية أخرى.

في ضوء ما سبق بدا لافتاً انضمام الرئيس المصري الجنرال عبد الفتاح السيسي للقاء، ولو هاتفياً، ساعياً  لنيل أو تكريس شرعية لنظامه الانقلابي، ولو من باب الانخراط في الجهود الأمريكية الإقليمية في المنطقة كما لنيل مساعدة لاحقة في حربه ضد الإرهاب وللتغطية عما يفعله ضد غزة وأهلها، والأهم لكونه قادر على الضغط على الرئيس محمود عباس، وخاصة بعدما بات هذا الأخير أسير للسياسات الإقليمية المغامرة التي يمثل نظام السيسي رأس الحربة فيها.

اللقاء الأردني بخلفياته ودلالاته السابقة الذكر لا يخفي الحقيقة الساطعة المتمثلة في عجز إسرائيل عن ربح المعركة في الأقصى والقدس أو إخضاع الشعب الفلسطيني وهزيمته. وظهرت الدولة العبرية رغم ترسانتها الهائلة على حقيقتها ضعيفة عاجزة، وبحاجة دائماً إلى دعم حلفائها الإقليميين – العرب - وحليفتها الدولية الأولى - وربما الوحيدة - أي أمريكا.

•        كاتب فلسطيني رئيس تحرير نشرة المشهد التركي

اخر الأخبار