مقاومة فلسطينية من وحي الغزوات الإسلامية

تابعنا على:   07:29 2014-10-26

ريهام عودة

شباب في عمر الزهور يتحصنون في الحر الشديد في أنفاق ترابية مبطن بعضها بالأسمنت المسلح، يمتنعون عن الطعام و الشراب طيلة شهر رمضان بالرغم من اشتعال المعركة مع قوات الجيش الإسرائيلي و بالرغم من أنهم بأشد الحاجة لقطرة مياه تروي ظمأهم من شدة حرارة نيران القذائف الإسرائيلية المشتعلة فوق رؤؤسهم وتحت أقدامهم .

يودعون نسائهم و أمهاتهم و أطفالهم دون يقين منهم بالعودة للقائهم مرة أخرى، فشعارهم الدائم هو إما الشهادة أو النصر..

شباب لا تتجاوز أعمارهم العشرين و الثلاثين عاما ، يتدربون ليل و نهار على شن عمليات عسكرية ضد المواقع العسكرية الإسرائيلية ، تثير قلق جنرالات الجيش الإسرائيلي و تدخل الرعب إلي قلوب المواطنين الإسرائيليين القاطنين في الجنوب الإسرائيلي.

شباب حلمهم الأكبر يكمن في فتح القدس و الصلاة في المسجد الأقصى و من ثم صعود كبير قادتهم على منبر صلاح الدين الأيوبي ليعلن من فوقه أن القدس هي العاصمة الكبرى للخلافة الإسلامية و ليس فقط لدولة فلسطين ، فذلك هو أسمى أمانيهم و أكبر أهدافهم من أي عمل عسكري يقومون به ضد إسرائيل.

وفي مقابل هذا الإصرار الكبير و الرغبة الشديدة للنصر حسب معايير فصائل المقاومة الفلسطينية الإسلامية ، يتساءل في الجانب الأخر من المعركة السرمدية بين شعبين متناحرين منذ أكثر من نحو نصف قرن ، يتساءل هناك في مكان ما ليس بعيد كثيرا عن المدن الفلسطينية ، شاب إسرائيلي تم استدعائه فجأة من قبل جيش دولته من أجل الالتحاق بقوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي ، و يحدث نفسه هذا الجندي حائرا متسائلاً ، كيف سأواجه مقاومين ليس لديهم ما يخسروه ؟ فهؤلاء المقاومون يعشقون الموت أكثر ما نعشق نحن الإسرائيليون الحياة ! و يستكمل هذا الجندي تساؤلاته قائلا : و كيف سوف أودع صديقتي التي وعدتها بأن أقضي معها صيف ممتع على شواطئ تل أبيب؟ وكيف سأترك أمي قلقه و مذعورة من احتمال قتلي في المعركة أو وقوعي بالأسر مثل جلعاد شاليط ؟

إنهما بالفعل مشهدان مختلفان كليا ، يمثلان واقعين متناقضين يعيشهما كل من الشباب المقاوم الفلسطيني و الشباب الإسرائيلي الملتحق بالخدمة العسكرية، فكلاهما يستعدان للمعركة ، لكن كل حسب طريقته الخاصة و أسلوب حياته المختلفة ، وكلاهما يعيشان تجربة نفسية فريدة من أجل خوض معركة شرسة مع عدو لا يستسلم !

 

وفي ظل تلك المقارنة بين واقعين متناقضين يعيشهما الشباب الأعداء، نجد أن كل شاب من كلا الطرفين له فلسفته الحياتية الخاصة به و التي يؤمن بها ، فالشاب المقاوم الفلسطيني فلسفته في الحياة أنه مستعد أن يضحي بحياته من أجل تحرير القدس، وهو لا يخشى الموت أبدا في سبيل هزيمة عدوه و تحرير وطنه، بينما الجندي الإسرائيلي الشاب فلسفته في الحياة هي التمسك بالحياة حتى أخر رمق فيها حتى ينجو و يتمتع بنعيم الدنيا لأقصى درجه ممكنة في ظل دولة حديثة و ديمقراطية.

الشاب المقاوم الفلسطيني يحلم أيضا بالنصر و البطولة في المعركة مهما كلفه الثمن من حياته ، و بأن يعود لأطفاله ليقص لهم قصص بطولاته في المعركة، بينما الجندي الإسرائيلي الشاب يحلم بالأمن و العودة بسلامه إلي أحضان عائلته الصغيرة بأسرع وقت ممكن حتى لو خسر المعركة.

ونتيجة لتلك المقارنة بين أحلام و أمال كل من الشباب الفلسطيني المقاوم و الشباب الإسرائيلي المجند بالجيش ، تبرز هنا عدة تساؤلات ألا وهي ، ما الذي يدفع الشباب الفلسطيني المقاوم للتضحية بحياتهم ؟ من أين جاءت رغبة و إصرار هؤلاء الشاب المقاومون بالاستمرار في المعركة و تمسكهم بخيارين فقط وهما إما الشهادة أو النصر ؟ كيف أصبح هؤلاء المقاومون الشباب مثل أسود ثائرة تريد أن تنتقم من عدوها بأي ثمن ؟ وكيف تعلقت قلوبهم بحياة الآخرة و الجنة بدلا من الدنيا ؟

نجيب على تلك التساؤلات بالرجوع إلي تاريخ المسلمين الأوائل الحافل بقصص و أخبار الفتوحات و الغزوات الإسلامية التي انتصر في بعضها المسلمون على أعدائهم الغير مسلمين خلال عهد الرسول و عهد الخلفاء الراشدين وما خلفهم من القادة الإسلاميين التاريخيين مثل القائد التاريخي صلاح الدين الأيوبي الذي هزم الصليبيين وفتح مدينة القدس والذي يعتبر رمز للنصر لدى العديد من المجاهدين الإسلاميين.

إن ما لا شك فيه أن التاريخ الإسلامي انعكس بشكل كبير على حياة المقاومين الفلسطينيين وسبل تفكيرهم في الحياة ، خاصة هؤلاء الشباب المنتمون إلي فصائل المقاومة التابعة للحركات السياسية الإسلامية.

و يعود تأثر الشباب المقاوم بأحداث التاريخ الإسلامي إلي طبيعة تنشئتهم منذ الصغر، حيث تتلمذ معظمهم و منذ نعومة أظافرهم على أيدي المشايخ والعلماء المسلمين في المساجد الإسلامية المنتشرة في داخل و خارج فلسطين ، فقد قامت هذه المساجد بتثقيف هؤلاء الشباب في التاريخ الإسلامي بشكل معمق و قصوا عليهم تجارب الفتوحات الإسلامية في عهد الرسول الذي يعتبر القائد الروحي الأعلى للمسلمين بالعالم ، مما انعكس ذلك بشكل مباشر على أيدلوجية وطريقة تفكير المقاوم الفلسطيني، لدرجة أن هذا المقاوم الفلسطيني بدأ يحدد تاريخ بدء معاركه تزامنا مع بعض التواريخ المرتبطة بذكرى أحداث الغزوات الإسلامية مثل غزوة بدر التي حدثت في عهد الرسول خلال شهر رمضان و تصادف تاريخ ذكراها مع زمن معركة العصف المأكول التي أطلقتها حماس ضد الجيش الإسرائيلي خلال شهر رمضان لعام 2014 ،و قد التزم معظم المقاومون خلال هذه المعركة بصوم رمضان و ذلك يقينا منهم أن الله سوف ينصرهم كما نصر المسلمين بغزوة بدر عندما كانوا صائمين و ذلك حسب ما تم ذكره في الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية.

و لم يتأثر فقط المقاوم الفلسطيني بالتاريخ الإسلامي عند تحديده لتواريخ معاركه ضد إسرائيل فقط بل أصبح علاوة على ذلك يسمى معاركه ضد الإسرائيليين بأسماء مقتبسة من آيات قرآنية ، فعلى سبيل المثال ، حرب عام 2008 التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي مسمى الرصاص المصبوب تم تسميتها من قبل فصائل المقاومة الإسلامية بمعركة الفرقان تيمنا بما ورد في الآية القرآنية: (إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ، أما حرب عام 2012 و التي أطلقت عليها إسرائيل مسمى عملية عامود السحاب، فقد سمتها فصائل المقاومة الإسلامية بحرب حجارة السجيل و كذلك حرب عام 2014 ، التي أطلقت عليها إسرائيل مسمى عملية الجرف الصامد ، تم تسميتها أيضا من قبل المقاومة الإسلامية ، باسم معركة العصف المأكول و ذلك اقتباسا من آيات قرآنية بسورة الفيل.

ومؤخرا أطلقت كتائب القسام التابعة لحركة حماس اسم جديد للحرب المستقبلية التي تخطط لها ضد إسرائيل وهو اسم "وعد الآخرة" وذلك تيمنا بآيات قرآنية مذكورة بسورة الإسراء ألا وهي (وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا).

أما الغزوات الإسلامية الأخرى التي تأثر بها الشباب المقاوم الفلسطيني، هي غزوة الخندق التي تميز بها المسلمون بحفرهم لخندق كبير في شمال المدينة المنورة، مما أعاق اقتحام المدينة من قبل جيش قريش المتحالف مع القبائل اليهودية و في نهاية الغزوة دخل الرسول في مفاوضات مع اليهود من أجل الوصول لهدنة بينهم ، وهذه الأحداث الإسلامية السابقة شبيه بما يحدث الآن في غزة حيث تأثرت المقاومة الإسلامية بغزوة الخندق و قامت بالفعل بحفر أنفاق على حدود قطاع غزة و بعد انتهاء المعركة بدأت بالفعل فصائل المقاومة الفلسطينية الإسلامية تخطط للدخول في مفاوضات غير مباشرة مع الإسرائيليين وذلك من أجل الوصول إلي هدنة طويلة الأمد أو إتمام صفقة تبادل الأسرى.

 

لذلك نستطيع القول هنا ، أنه من ضمن المصطلحات الإسلامية التي تأثر بها شباب المقاومة الإسلامية هو مصطلح الهدنة وذلك تيمنا بالهدنة التي عقدها الرسول مع اليهود فلا يوجد أي حرج في الدين الإسلامي بأن يتفاوض المسلمون مع اليهود وذلك ما أكده مؤخرا القيادي في حركة حماس ، موسى أبو مرزوق حين قال خلال تصريحات صحفية له أنه لا يوجد مانع من أن تتفاوض حماس مع إسرائيل.

ومن المصطلحات الإسلامية الأخرى التي تأثرت بها المقاومة الإسلامية هو مصطلح أو عبارة "نغزوهم و لا يغزونا " وهي عبارة شهيرة استخدمها بكثرة القائد السياسي في حركة حماس ، محمود الزهار حيث كرر كلمة غزو في أكثر من مناسبة و هذه الكلمة بالأخص ذات دلالة إسلامية مستوحاة من روح الغزوات الإسلامية ، و يدل استخدام تلك العبارة على نهج المقاومة الإسلامية المسلحة الذي يعتمد على سياسة الهجوم بدلا من الاكتفاء فقط بالدفاع عن النفس وذلك اتضح جليا في العمليات الهجومية العسكرية التي شنها الشباب الفلسطيني المقاوم ضد إسرائيل عن طريق البحر و البر و الجو و ذلك خلال حرب ل51 يوم الأخيرة.

لذا نلمس هنا اختلاف كبير ما بين ما نشأ عليه المقاوم الفلسطيني عبر تربيته الإسلامية الأصولية التي أسست بداخله محارب عسكري إسلامي من الدرجة الأولى يعتبر القرآن هو دستوره في الحياة وهو مصدر مقاومته وما بين الجندي الإسرائيلي العادي الذي نشأ في بيئة شبه علمانية و يعتبر قانون الدولة الإسرائيلية هو دستوره في الحياة و ما يلزمه بواجباته الوطنية.

تلك المقارنة تدعونا إلي التعمق أكثر بطبيعة و معنى الحياة الذي يبحث عنه الشاب المقاوم الفلسطيني الذي تربى على الشقاء و الحياة القاسية في ظل المعاناة من الاحتلال و الحصار و البطالة و الانعزال عن العالم الخارجي وما بين الشاب الإسرائيلي الجندي الذي عبر قارات العالم و الذي يعيش حياه حديثة مرفهة و يرى الحياة من منظور التمسك بأمنه الشخصي و أمن شعبه الذي يضعه فوق أية اعتبارات أخرى.

اخر الأخبار