من أجل انعتاق وطني وتخلص من التبعية الاقتصادية

تابعنا على:   04:48 2014-10-25

عبدالله جمال أبو الهنود

بعد مؤتمر اعادة الاعمار وحصول السلطة الفلسطينية علي ما يقارب 4.5 مليار دولار ، اصبح الجميع هنا في هذا الوطن يتسائل هل يمكن لهذه الاموال ان تحقق تغير ملحوظ في الواقع الاقتصادي لقطاع غزة والضفة الغربية؟ خصوصا أن المؤشرات الاقتصادية تؤشر الي واقع كارثي كما اعلنت عنه اخيرا اللجنة الشعبية لفك الحصار حيث اكدت على أنَّ 90% من سكان قطاع غزة -وخاصة بين فئة الشباب والخريجين- يعيشون تحت خط الفقر كما تصاعدت نسبة البطالة بشكل كبير متجاوزة الـ65%، في حين واصل تراجع معدل دخل الفرد اليومي ليصل إلى 1 دولار في اليوم . - خط الفقر حددته المؤسسات الاقتصادية العالمية بــ 1 دولار للفرد في اليوم-. ومن قبل ذلك اعلنت الامم المتحدة ان غزة في عام 2020 لن تصلح لحياة البشر .

وإن كان السبب الرئيسي لذلك الواقع الكارثي هو الاحتلال الاسرائيلي من خلال سياسة الحصار والعزل والإغلاق المتشدد والمستمر على الأراضي الفلسطينية وتفتيت كافة أوصال المناطق والمدن في الضفة وفي قطاع غزة، إلا أن هناك سبب آخر وهو من وجهة نظري لا يقل أهمية عن الاحتلال هو غياب الإدارة التنموية الرشيدة ، وغياب الرؤيه الاقتصادية الانعتاقية،وغياب التخطيط الاقتصادي

يتضح هذا بشكل واضح من خلال تتبع آليه الاستغلال الرشيد للاموال التي تتلقاها السلطة الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني، أو استخدام أمثل للموارد والطاقات الفلسطينية. على رأسها العنصر البشري فعلى سبيل المثال –لا الحصر- أن المساعدات الخارجية لمناطق السلطة الفلسطينية ازدادت بين عامي 1999 و 2008 بأكثر 600% لتبلغ 3.25 مليار دولار أمريكي سنويا . في عام 2002 كانت فلسطين ثالث اعلي مرتبة في نصيب الفرد من تلقي المساعدات وفي عام 2006 جاءت بالمرتبة السادسة ناهيك عن 10% من المساعدات الخارجية تلقتها مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني وتمثل هذه المساعدات 78% من ايرادات المؤسسات الغير حكومية (مؤسسات المجتمع المدني ) بينما تشكل اكثر من 60% من الدخل القومي الاجمالي للسلطة الفلسطينية . وعليه فإن الأموال وحدها لا يمكن أن تحقق صيرورة عملية التنمية خصوصا ان هذه الاموال تصرف بناء علي طلب الممول لا بناء علي احتياجات واولوية المجتمع ولا تصرف ضمن خطة وطنية متكاملة ،فعلي سبيل المثال نجد ان 30% من المساعدات التي تلقتها مؤسسات المجتمع المدني تذهب للانشطة المتعلقة بالحقوق ، 26% في مجال الخدمات الاجتماعية ،22% فقط للقطاع الاقتصادي ‘14% للتعليم . وعلي الرغم من أن هذه المساعدات كان يمكن أن تشكل مرتكزا أساسيا من مرتكزات الانعتاق الاقتصادي والتخلص من التبعية للاقتصاد الاسرائيلي ، لكن غياب الادارة التنموية الرشيدة وغياب خطة وطنية ذات نظرة شمولية استشرافية بالاضافة الي عدم وجود تنسيق بين المؤسسات الحكومية والغير حكومية أدت إلى عدم الاستفادة من هذه الموارد المالية الشبه مجانية والقدرات الوطنية مما نتج عنه المزيد من التبعية الاقتصادية واصبح المشهد الاقتصادي الفلسطيني مشهدا ملبدا بالكثير من العبثية والعشوائية كما اصبح الفقر هو سمته الأساسية.

تمنحنا الأحداث المتلاحقة حاليا رؤية مركزة عن الأولويات التي يجب الالتفات إليها دون تأخير كأن تبدأ السلطة الفلسطينية ومن يدير شؤونها واقصد هنا على وجه التحديد رئيس الوزراء رامي الحمدالله بالتفكير والتخطيط بشكل مختلف عما سبق، من خلال التفكير الجدي بتطبيق خطة تنموية يعتمد في إدارتها على قيم وأسس حديثة كالحوكمة الرشيدة the good Governance .من خلال تعبئة قطاعات ومكونات المجتمع الفلسطيني نحو خطة وطنية انعتاقية ، وخلق ادارة تنسيقية بين القطاع الخاص والمدني والحكومي من اجل تعبئة كل موارد المجتمع لتحقيق اهداف اجتماعية واقتصادية تنعكس بالايجاب علي المواطن الفلسطيني وتحد من التبعية المفرطة الذي وصل للعبودية للاقتصاد الاسرائيلي ، فالحوكمة كمصطلح تم البدء في استخدامه مع بداية عقد التسعينات واصبح شائع الاستخدام من قبل خبراء الإدارة، وهي حوكمة عامة ومحلية: الحوكمة المحلية تهدف تحقيق مصلحة عموم الناس في المجتمع، نظرا لكونها نسق من المؤسسات المجتمعية الممثلة لجميع الأطراف والفئات. مهمتها تقوم أساسا على المساءلة والشفافية والمشاركة بواسطة المؤسسات للوصول بهدف القضاء على الفقر والحرمان بمختلف مستوياته وأنواعه، كما ترمي إلى تحقيق التنمية البشرية المستدامة ومستوى متوسط إلى عال من الرفاه، وعليه فإن فكرة الحوكمة المحلية ترتكز على ستة محاور:

المحور الأول : يدرس العلاقة بين آليات السوق والتدخل الحكومي والنفقات العامة ، ويهدف أساسا الى الحد من التدخل الحكومي وضبط النفقات العامة، والخصخصة، كمؤشرات تعبر عن دولة الحد الأدنى التي لا تتدخل إلا عند الضرورة.

المحور الثاني : يركز على المنظمات الخاصة ومنظمات إدارة الأعمال.

المحور الثالث : يدعو الى إدخال مبادئ إدارة الأعمال في الإدارة الحكومية، بتطبيق قيم جديدة كقياس الأداء والمنافسة والتمكين ومعاملة المتلقي على أساس أنه زبون لضمان الفعالية والكفاءة.

المحور الرابع : الحوكمة المحلية تعبر عن الإدارة الجيدة للدولة والمجتمع، وهي إمتداد للمحور السابق لكنه يربط بين الجوانب الادارية والجوانب السياسية من خلال التركيز على القيم الديمقراطية والمؤسسات الشرعية للنظام السياسي، ويمثل هذا المحور المفهوم الذي قدمه البنك الدولي سنة 1989، والذي يقوم على الإصلاحات الإدارية، تشجيع القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، واللامركزية الإدارية.

المحور الخامس: يرى بأن السياسات العامة ما هي إلا تفاعلات بين فواعل رسمية وغير رسمية على المستويين الوطني والمحلي.

المحور السادس: يرى بأن الحوكمة المحلية تتمثل في إدارة مجموعة من الشبكات المنظمة في مجموعة من الأجهزة والمنظمات.

فالحوكمة بعناصرها هي: الدولة، القطاع الخاص والمجتمع المدني. دور الحكومة تهيئة البيئة القانونية والسياسية وخلق المناخ العام لممارسة الحوكمة ، بينما يعمل القطاع الخاص على خلق فرص العمل وتحقيق الدخل لأفراد المجتمع لتهيئة البيئة الإقتصادية الملائمة، أما المجتمع المدني فيهيئ التفاعل السياسي والإجتماعي بتسخير الجماعات والأفراد للمشاركة الفعالة في الأنشطة الإقتصادية، السياسية والإجتماعية، و محور الحوكمة المحلية هو تعزيز التفاعل البناء و الإيجابي بين هذه الفواعل الثلاث لأن كل فاعل يمثل دعامة من دعائم الحوكمة المحلية .

لذلك علي الحكومة وصانعي القرار الخروج من مأزق ردات الفعل وانهم مجرد قناة صرف لافكار الممول ويجب عليها ان تبادر في وضع خطة وطنية تحدد اولويات المجتمع الفلسطيني مع تعزيز دور القطاع الخاص وخلق المناخ الاستثماري الجاذب مخففة من قلق المستثمر الوطني من الاضطرابات السياسية ، ودور واضح لمؤسسات المجتمع المدني لتمكين الفئات المختلفة داخل المجتمع فلفلسطين خصوصية تنبع من خصوصية القضية الفلسطينية ، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني ،فلذلك يجب ان يتفاعل كل مكونات المجتمع الفلسطيني في خطة وطنية مبنية علي اهداف وطنية تخرجنا من حالة الموت السرير الذي حول كل مكونات المجتمع الفلسطيني الي اموات تبحث عن قبور .

اخر الأخبار