رحلة لم تكتمل ..!!(ق.ق)

تابعنا على:   00:17 2014-09-11

حامد أبوعمرة

بعد أن أنهى شهادة الثانوية العامة ..حاول جاهدا أن يتعرف على الكليات التي يمكن أن يلتحق بها ..فتارة يقول كلية الهندسة ،وتارة أخرى يقول كلية الصيدلة ..لكنه سرعان ما يغير رأيه قائلا في قرارة نفسه ..لا..لا مستحيل بعدما تذكر أنه رأى أحد أصداقاؤة خريجي الهندسة والذين هم كثر..رآه كان يبيع الخضروات على أحد البسطات بالسوق ..فقال له بعينيه الثاقبتين لا بلسانه،وبعدما حدث نفسه بصوت خفي ودون أن يشعر به أحد قال..تُرى يمكن أن يكون مصيري مثلك أيها الصديق فأسير على دربك ..؟!!وكيف لا وأنت كنت قدوة لي .. كم صدمه ذاك المشهد الذي أثر في كل كيانه ..رغم يقينه وعدم إنكاره للعمل الشريف أيا كان نوع هذا العمل ،وكذلك تكونت في رأسه فكرة لا تستطيع ذاكرته القوية محوها أبدا وهي.. أن بائعي عربات البوظة أو الأيس كريم هم أفضل حالا من الصيادلة والذين هم أيضا كثيرون .. أولئك الذين لا يحققون أدنى الأموال التي تكفي أو تسد حاجاتهم الأساسية فتسترهم وسط الغلاء الفاحش ..ووسط رحيل طوابير المرضى الذين يرفضون بالمطلق التوجه إلى الصيدليات.. فيفتشون عن الدواء في المستشفيات الحكومية أو مشافي الوكالة حيث العلاج المجاني والبديل ..كانت الآراء المتضاربة تتقلب في مخيلته بسرعة.. كما هي الأوضاع الداخلية بالبلاد ..بينما كان يتصفح في أحد الأيام صفحات النت قرأ أكثر من خبرٌ كئيب وقع عليه بصره كانت العناوين تشده بقوة حيث قرأ عملية انتشال جثث العبارة الكورية تزداد تعقيدا ثم قرأ العثور على حطام باخرة غرقت عام 1888 ..لكنه توقف للحظات عند خبر مفاده .. إنقاذ سفينة لاجئين سوريين قبالة إيطاليا .

طلب من أهله أن يوفروا له مبلغ كبير من المال ليلتحق بكلية الطب بإحدى الجامعات بالخارج على حد زعمه لهم ..حضّر كل الأوراق وجواز السفروالثبوتيات..ذهب إلى المعبر لكنه قوبل بالرفض ،ولأكثر من مرة لصغر عمره.. وبعد تفكير عميق وترددات وحيره وبعد عناء كبير ..قرر أن يغادر البلاد.. ولو بطريقة غير مشروعة عبر الأنفاق. .لكنه قبل أن يغادر ترك قصاصة ورقية صغيرة على طاولته كتب فيها والدي الحبيب ..والدتي الحبيبة جميع أخواني الأعزاء إلى قلبي ..سامحوني لأني خذلت طموحاتكم وآمالكم..لكن الحياة إما أن نكون أو لا نكون ..!!

توجه إلى مدينة الإسكندرية ،وهناك التقى مع العديد من أصدقائه الذين كان على موعد مسبق بهم 00أولئك الذين أرادوا أن يختصروا رحلة الشقاء الدراسي وانتظار فرصة العمل .. لينعمون بحرية العيش وراحة البال وهربا من عفريت البطالة الموحش الذي ينتظرهم على كل رفات ، وهربا من الحروب التي تتعالى دقات طبولها كل ثلاث أعوام أو أقل تلك الحروب التي لا تخلف وراءها سوى الدمار الكبير ،والقتل والتشريد ..وهناك في الإسكندرية ولما حانت ساعة الصفر ركب البحر ،هو ورفاقه عن طريق أحد السماسرة بعد أن عزم نيته على الهجرة إلى السويد ،لكن الرحلة لم تكتمل بعد.. بعدما تعرضت السفينة التي كانوا على متنها للغرق على مقربة من السواحل الإيطالية ..!!وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة..توالت صور سريعة أمام عيناه كانت آخرها وقبل أن يطمس جثمانه في أحشاء البحر ..صورة المهندس الذي كان يبيع في سوق الخضار ..!!

اخر الأخبار