ما هو المطلوب بعد الحرب

تابعنا على:   04:55 2014-08-31

أحمد سمير القدرة

وكأي حرب من الحروب على مدار التاريخ, لها بداية ونهايتها حتمية حسب التطورات السياسية والميدانية, فتضيع الحرب أوزارها وتبدأ الأمور تستكين, وتبدأ مرحلة ما بعد الحرب, تتضمن إعادة تقييم لكل الأمور التي نتجت ورافقت الحرب, إلى جانب بدء الترتيبات لإعادة بناء وترميم ما تم تدميره.

لقد شكل العدوان على قطاع غزة مرحلة فارقة في مستقبل القضية الفلسطينية, ومرحلة حساسة في المستقبل السياسي الفلسطيني, واكثر حساسية حول مستقبل حكومة الوحدة الوطنية, فقد شهدت الحرب مواقف على اختلاف أبعادها, المحلية والإقليمية والدولية, وكل موقف كان له أثره على القضية الفلسطينية والمستقبل السياسي بشكل عام ومستقبل الحكومة بشكل خاص.

إن الأمم والشعوب على مدار التاريخ, خاضت العديد من الحروب, وكانت تستفيد من تجربة الحرب, وتعيد تقييم الأمور, والاستفادة مما قد تحقق, والتعلم من الاخفاقات وتجاوزها وتصحيح المسار للمرحلة المقبلة. وأمر طبيعي أن تكون تجربة الحرب على قطاع غزة ولّدت العديد من المواقف والانجازات والاخفاقات والمخاوف, وهنا أشير كالتالي:

أولاً: على مستوى المواقف والتحركات والتطورات, فقد تكشفت فترة الحرب العديد من المواقف على المستوى الإقليمي والدولي, منها ما كان يصب في مصلحة القضية الفلسطينية ومنها كان يسعى إلى الاستمرار في تهميش ودثر وضرب القضية الفلسطينية في مقتل, أما ما كان يصب في مصلحة القضية الفلسطينية رأينا كيف كان هناك تأييد كبير من شريحة واسعة في المجتمعات العربية والغربية والآسيوية, بغض النظر عن سطوة بعض الأنظمة العربية في الحكم والقيود التي تفرضها على معظم المسيرات التي تنطلق في شوارعها, إلا أن حالة الحرب على غزة, اجبرت تلك الأنظمة على اتاحة بعض الحرية في خروج المسيرات المنددة بالحرب والداعمة لقطاع غزة, ولست معني هنا بضرب أمثلة, وبغض النظر عن طبيعة العلاقة بين العديد من الدول الأوروبية والغربية والآسيوية مع \"إسرائيل\", إلا أن تلك الدول شهدت العديد من المسيرات والوقفات الاحتجاجية والداعمة والمنددة بالحرب على قطاع غزة والداعمة والمساندة للقضية الفلسطينية, وكان أبرزها تلك التي نُظمت في المملكة المتحدة. أما على المستوى الرسمي, فقد كان هناك مساعي حثيثة من العديد الدول الإقليمية والدولية لوقف الحرب على قطاع غزة, والتوصل لصيغة منطقية تُفضي لوقف الحرب, فكانت مصر وبحكم التاريخ والجغرافيا الرائدة في طرح مبادرة لوقف اطلاق النار, ولقيت دعم وتأييد من العديد من الدول العربية والغربية, بغض النظر عما تعرضت له تلك المبادرة من انتقادات ورفض من بعض الدول الإقليمية, ومحاولة طرح مبادرة بديلة عن المبادرة المصرية, في مسعى منها لعرقلة الجهد والدور المصري الصاعد في المنطقة المدعوم من قبل دول الخليج العربي, فحاولت تلك الدول الإقليمية أن تؤثر على المبادرة المصرية وتؤثر على قرار فصائل المقاومة الفلسطينية, في النهاية كنت المبادرة المصرية هي النافذة, في المقابل وبعيداً عن تلك التجاذبات التي حصلت فهناك اجماع عربي وإقليمي تجاه القضية الفلسطينية وشرعية الحقوق والمطالب الفلسطينية, واجماع على التوصل لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وفقاً لقرارات الشرعية الدولية, وفي ذات السياق لم يغب التحرك الدولي في هذه الحرب, حيث قامت أمريكا ممثلة بوزير الخارجية جون كيري بالتحرك والسعي منذ اللحظة الأولى لوقف اطلاق النار واعادة الهدوء في قطاع غزة, وبدأت تتحرك تلك الدول من أجل التوصل لصيغة مشتركة تُفضي في النهاية لوقف الحرب على غزة, من خلال طرح الحلول ومشاريع قرارات أممية كتلك التي تقدمت بها كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا, والمشروع الأمريكي الذي طُرح بتاريخ 29/8/2014, لمجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف فوري ودائم لإطلاق، ورفع الحصار عن القطاع, والدعوة لاستئناف المفاوضات من أجل حل للقضية الفلسطينية وتحقيق إقامة الدولة الفلسطينية على أساس حدود عام 1967, مع التحفظ والرفض للعديد من البنود التي وردت في تلك المشاريع.

ثانياً: على مستوى الإنجازات فقد جسدت الحرب على قطاع غزة, الوحدة الوطنية الفلسطينية بين كافة أطياف الشعب الفلسطيني وبين القادة السياسيين, وكان هذا التجسيد ممثل بوحدة العمل العسكري بين فصائل المقاومة الفلسطينية, وبين الوفد الفلسطيني المفاوض في وحدة القرار, مما انعكس بشكل إيجابي على تعزيز الصمود الفلسطيني – الشعب والمقاومة والدبلوماسية – في وجه كل المآمرات والمحاولات المضنية في تحقيق مآرب وأهداف \"إسرائيل\" والدول الداعمة لها, بضرب وإفشال حكومة الوحدة الوطنية, وعرقلة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة, وإفشال أي تحرك ومسعى لحل القضية الفلسطينية على أسس الشرعية والقرارات الدولية, فتم التصدي للمآمرة, والثبات على المطالب وتحقيقها, وعدم التنازل عن أي منها حتى وإن تم تأجيل بعض منها لمرحلة قادمة, ومرد هذا كله للوحدة الوطنية الفلسطينية.

ثالثاً: على مستوى الإخفاقات والمخاوف, فتمثلت تلك الإخفاقات في بعض التصريحات التي كانت تصدر من قبل بعض الناطقين الإعلاميين على وسائل الإعلام بناءً على المطالبة بدور أكثر فعالية من قبل حكومة الوحدة الوطنية والمطالبة بالتواجد في قطاع غزة فترة الحرب, لمعايشة الوضع القائم في غزة, مما وّلد بعض التذمر من قبل البعض تجاه الحكومة, ومرد عدم الفاعلية من قبل الحكومة - رغم مما قدمته وأرسلته فترة الحرب - ناتج عن المنع الإسرائيلي للوزراء من دخول قطاع غزة في الأيام الأولى من الحرب. وهذا الإخفاق يعطي شعور بالتخوف على المستقبل القريب, فقد ينعكس ذلك الاخفاق بالسّلب على روح الوحدة الوطنية وعلى عمل حكومة الوحدة الوطنية, وعدم انجاز العديد من الملفات والقضايا محل الخلاف, والخشية من أن تنعكس على ملف الإعمار الذي يحمل أولوية كبيرة في هذه المرحلة الحساسة.

وبناءً على ما تم الإشارة إليه في النقاط سالفة الذكر, ما هو المطلوب الآن؟ يمكن طرح بعض النقاط ذات الصلة التي يجب على السلطة الوطنية الفلسطينية وحكومة الوحدة الوطنية أن تتحرك من خلالها, للاستفادة منها على الصعيد الداخلي والخارجي, وهي كالتالي:

أولاً: في ضوء كافة المواقف والتحركات والتطورات التي شهدتها وتبلورت فترة الحرب, يجب على السلطة الوطنية الفلسطينية استثمارها كافة فيما يخدم المرحلة الحالية من تعزيز وتثبيت اتفاق وقف اطلاق النار, وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الوقت الحالي, مع التأكيد والتمسك والإصرار على تنفيذ كل ما تم طرحه في الورقة الفلسطينية دون انتقاص أو تنازل عن أي مطلب, وعدم الرضوخ لأي مطلب أو أي مشروع قرار يقدم لمجلس الأمن لا يخدم القضية الفلسطينية, وأن يتم التحرك بشكل سريع تجاه المحافل الدولية وفقاً للمبادرة التي طرحها الرئيس محمود عباس, من أجل التوصل لحل شامل وعادل للقضية الفلسطينية, وذلك بتوجه القيادة الفلسطينية إلى مجلس الأمن لتحديد موعد نهائي لانسحاب \"إسرائيل\" من الأراضي المحتلة عام 1967 وترسيم حدود الدولة الفلسطينية وتبدأ مفاوضات فورية محكومة بسقف زمني. والتحرك أيضاً للانضمام للمزيد من المعاهدات والاتفاقات والمؤسسات الدولية بما فيها محكمة الجنايات الدولية من خلال التوقيع على ميثاق روما. وهذا التحرك لن يتم إلا من خلال صياغة برنامج وطني شامل بتوافق وإجماع كافة الفصائل الفلسطينية مبني على ما تم تحقيقه فترة الحرب من وحدة وطنية وما تم انجازه من تحقيق المطالب الفلسطينية, ومدعوم من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية, إلى جانب ذلك كله, ضرورة اشراك كافة الفصائل الفلسطينية في اتخاذ وصياغة القرار السياسي الفلسطيني وعدم التفرد به من قبل جهة بعينها سواء من قبل القيادة أو من قبل الفصائل, أخذاً بالمصلحة الوطنية الفلسطينية, لحساسية الوضع الراهن بعد الحرب على قطاع غزة, وما تواجهه القضية الفلسطينية من تحديات جمة, والابتعاد عن كل التجاذبات الإقليمية والدولية.

ثانياً: الإسراع في تعزيز صمود حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية والإسراع في إنجاز كافة الملفات العالقة ومحل الخلاف, وتفعيل عمل اللجان المكلفة بالنظر في تلك الملفات, وأن يتم توسيع عمل الحكومة, إلى جانب تواجد أعضاء الحكومة في الوقت الحالي في قطاع غزة لمتابعة كافة احتياجات القطاع, ووضع الخطط والآليات للبدء في إعادة إعمار قطاع غزة, وأن تقوم الحكومة بتقديم كافة المساعدات العاجلة لسكان قطاع غزة لمن هدم منزله ولحق به وبممتلكاته ومنشئته أضرار.

ثالثاً: على القيادة السياسية والفصائل الفلسطينية كافة إعادة صياغة الخطاب السياسي والإعلامي خدمة للقضية الفلسطينية, وسن قانون يُحرم التراشق الإعلامي والتشكيك, وأن يتم توجيه وحث كافة وسائل الإعلام الفلسطينية على ضرورة نشر وتعزيز الروح الوطنية بين مكونات الشعب الفلسطيني على امتداد الجغرافيا.

رابعاً: لقد بات من المُلح والضروري السعي قُدماً نحو تجديد الشرعية السياسية الفلسطينية, وذلك من خلال عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمجلس الوطني, وفقاً لما تم الاتفاق والتوقيع عليه في اتفاق القاهرة 2009, وضرورة تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطيني الممثل الشرعي والوحيد الفلسطيني, من خلال تفعيل دور ومهام كافة دوائر المنظمة. وهذا الأمر لن يكون بمعزل عن حتمية إعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني وتحديد طبيعته إما رئاسياً أو برلمانياً, فمن واقع النظام السياسي المختلط (رئاسي/برلماني) كان هناك العديد من محطات التجاذب والتناحر والإخفاق, وإن تطلب الأمر البقاء على النظام السياسي المختلط, يجب تحديد صلاحيات ومهام كل من الرئيس ورئيس الوزراء, تجنياً للوقع في خطيئة السابق.

إن الحرب على قطاع غزة أفرزت واقع جديد لا يمكن إغفاله والتقليل من شأنه, فالتحديات التي تواجه قطاع غزة كبير, والتحديات التي تواجه القضية الفلسطينية كبيرة وفي غاية الخطورة والصعوبة في هذه المرحلة من مراحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي, لما تشهده المنطقة من تحالفات واستقطاب بين الدول الإقليمية والدولية, وما تشهده المنطقة من صراعات دموية, فبات من الضروري أن يتم تحديد الأولويات والتحرك بناءً عليها, ورص الصفوف, وعدم التقليل من أي انجاز تم تحقيقه سواء سياسياً أو عسكرياً أو اجتماعياً, والتعالي على جراح الماضي الذي نتج عن الانقسام, والمضي نحو بناء الدولة الفلسطينية وتحقيق طموحات وآمال الشعب الفلسطيني كافة.

اخر الأخبار