نحو ريادة مصر الثورة خارجياً

تابعنا على:   13:42 2014-08-29

نبيل فهمى

انتُخب الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيساً للبلاد بأغلبية كاسحة تقديراً لدوره ولرغبة البلاد فى طيّ صفحة سيطرة الإخوان المسلمين على الحكم، وسعيهم لتغيير الهوية الاجتماعية و السياسية المصرية، وتعبيراً عن تطلع شعبى واسع لإعادة الاستقرار و الأمن و الأمان.

كان قد تحدث المشير السيسى كمرشح رئاسى عن الخطر الجارف الذى يهدد البلاد من الداخل، ومن الساحة الإقليمية المجاورة، وأعطى مؤشرات متعددة عن قناعاته الاجتماعية خاصةً ضرورة الاهتمام بالمواطن المصرى البسيط، و شرع بعد انتخابه فى بدء مشروعات اقتصادية عملاقة، قناعةً منه بأن التنمية الاقتصادية هى الضمانة الحقيقية لاستقلال الوطن، و حرية المواطن، واحترام حقوقه، و تحرك الرئيس عربياً وإفريقيا، ثم بدأ الاتصالات الدولية بزيارة إلى روسيا، متواصلاً مع الخطة و البرنامج الذى وُضع لدى تشكيل وزارة الدكتور حازم الببلاوى فى يوليو 2013.

أطلق الرئيس بتحركه هذا رسائل محددة و هامة للرأى العام المصري، بأهمية العمل الدءوب والإنتاج المتواصل، بمراعاة ظروف الطبقات الاقتصادية الأضعف، وعن جسامة ما تتعرض له مصر من مخاطر، وأهمية تبنى سياسات خارجية تضمن للبلاد خيارات متعددة و يتطلع للمواطن المصرى لمزيد من الوضوح حول سياساته الاقتصادية طويلة الأجل، لضمان جذب استثمارات وطنية وخارجية كبري، كما يتطلع، وخاصةً جيل الشباب الذى يشكل أكثر من نصف المجتمع إلى الاطمئنان لصياغة عقد اجتماعى مصرى جديد، واستجلاء رؤية الرئيس لمنظومة الحكم المستقر الرشيد، فثورتا 25 يناير و 30 يونيو لم يكن الهدف منهما هدم البلاد أو نظام الدولة، وإنما جاءا انعكاسا لرغبة مصرية حقيقية فى التمتع بمنظومة مستقرة و رشيدة يشارك فيها كل وطنى شريف.

تزاملت ما يقرب من تسعة أشهر والرئيس السيسي، عندما كان نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للدفاع حينما كنت وزيراً للخارجية فى وزارتيّ الدكتور الببلاوى والمهندس محلب و لا أنكر فوجئت أن أجد رجلا عسكريا يدعو إلى ضرورة مخاطبة الرأى العام و شرح الأحداث له، وافترضت أول الأمر أنه مجرد تعليق عابر، إلى أن كرر الطلب بإصرار، وحتى بعد انتخابه رئيساً للدولة، وهى دعوة سعدت بها، وتشكل الدافع الرئيسى لمقالى هذا حول مخاطبة المجتمع الخارجي، رغم أننى تناولت عابراً فى مدخله بعض الجوانب الداخلية.

بعد عقد من الجمود السياسي، عاد هذا البلد العظيم مركزاً للاهتمامات الدولية منذ ثورة 25 يناير 2011، أولاً كمصدر للتفاؤل المبالغ فيه، ثم كعنوان للإحباط والتشاؤم، خشية قيام حرب أهلية ومغبة عدم الاستقرار، قبل أن يصبح، مقارنة بمن حوله فى ليبيا، وغزة، و سوريا، واضطرابات العراق وغيرها، مشروعا وطنيا محوريا يحدد مصير الشرق الأوسط بين الانزلاق نحو الهاوية ، أو استعادة المنطقة مكانتها فى المجتمع الدولى تدريجياً، وانضمامها أخيرا لركاب الحضارة والتقدم، بعد تأخر وتراجع امتد طويلا وتطور طال انتظاره.

تواجهنا بالفعل مخاطر جمة وتحديات ضخمة على المستوى الإقليمى فى الشرق الأوسط، أهمها أن الهوية الوطنية لدولنا ومن حولنا فى خطر، والهوية الوطنية هى التى تشكل الخريطة الإقليمية، و تعتبر أساس النظام الدولى المعاصر والعلاقات الدولية، وبعد أن تصدعت المؤسسات الوطنية من المشرق للمغرب، وأخفقت فى الاستجابة لتطلعات مجتمعاتنا، و تفشى الاستقطاب فى المنطقة، والطائفية فى تنام مستمر، سريع وخطير، وأصبح استقرار الشرق الأوسط على المحك.

كان صيف 2014 شديد الحرارة سياسياً و أمنياً، فأحداث العراق، ليبيا، وغزة، وسوريا مؤشرات لمستقبل متقلب و مضطرب فى العالم العربى و الشرق الأوسط، وسنشهد اعتباراً من شهر سبتمبر تحركات سياسية إقليمية وأجنبية ودولية، للتعامل مع الأحداث بالمنطقة من زوايا مختلفة، فالبعض يريد تجنب مخاطرها، والبعض الآخر يرمى إلى انتهاز عدم الاستقرار لصالحه، وأثق أن مصر تتحفز لكل ذلك.

لكل هذه الأسباب، و لأهمية مصر، يتطلع العالم للتعرف على الرئيس عبد الفتاح السيسي، و فلسفته فى حكم مصر، وفى الحكم بين المصريين، كل المصريين، يقدر العالم استعداده لاستخدام السلطات المخولة له دون تردد، وشجاعته العسكرية فى التصدى لأى خطر على مصر أو فى استعداده للتضحية ويتطلعون للاطمئنان لحكمته السياسية مع معارضيه مثل مؤيديه، و لتقبله الرأى الآخر مهما امتعض منه، وكرجل سلام فى الشرق الأوسط و إفريقيا، قادر على اتخاذ القرارات الصعبة، يتابعون باهتمام إعادة مركزية سياسة مصر الخارجية عربياً و إقليميا ودولياً، معنيين بالرؤية المصرية لمستقبل العالم العربى وإفريقيا وأسلوب تفاعله مع النظام الدولى المعاصر.

من أفضل سبل التصدى لما نواجهه التخطيط المبكر للتعامل مع المخاطر والتحديات والمبادرة بطرح رؤية مصرية لبناء مستقبل أفضل للبلاد، وللعالم العربي، وأفريقيا، ورؤية ومستقبل يتفاعلان مع المنظومة الدولية حتى نكون طرفا فاعلا فى تشكيل الأجندة الإقليمية والدولية قبل أن نواجه بطموحات الغير، ويوفر بداية موسم العمل السياسى بالجامعة العربية على المستوى الوزاري، والاجتماعات الإفريقية، وعلى المستوى الدولى بالجمعية العامة للأمم المتحدة فرص عديدة مواتية يجب استغلالها لمخاطبة المجتمع الإقليمى والدولى فى هذا الصدد.

ونقطة البداية والرسائل الأولى يجب أن تكون للرأى العام العربي، طالما أكدنا على هويتنا العربية، وريادتنا للعالم العربي، وأقترح كمواطن مصرى أن تركز تلك الرسالة المصرية على مخاطر الحاضر ومتطلبات المستقبل وحتمية العمل المشترك، خاصةً حول ضرورة المحافظة على الهوية العربية، بإطلاق رسالة رئاسية للشعوب العربية، أو ألقاء خطاب للرئيس فى الجلسة الافتتاحية للاجتماع الوزارى العربى فى سبتمبر، باعتباره أول اجتماع يُعقد بعد توليه للرئاسة، أو حتى بعد ذلك بالدعوة إلى انعقاد قمة عربية تشاورية غير رسمية مع بعض القادة العرب، أو بالقيام بجولة عربية يؤكد فيها الرسالة المصرية مراراً وتكراراً، فالظرف خاص والوضع استثنائى يفرض علينا اللجوء إلى سبل غير تقليدية لنقل رسالتنا إقليميا ودولياً.

هذا وينتظر المجتمع الدولى بترقب شديد حضور الرئيس السيسى الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، وأتذكر شخصياً حضور كلمتيّ الرئيس الروسى جورباتشوف وزعيم جنوب أفريقيا مانديلا عندما ألقى كل منهما خطاباً تاريخياً، وشرحا فيهما رؤيتهما بوضوح، و ثقة فى النفس، وأجابا بشجاعة، وصراحة، وإيجابية على الأسئلة التى فى أذهان المجتمع الدولى و الشكوك التى كانت تتردد حول قدرة بلادهما على التخطى للظروف التى تتعرض لها واستعدادهما للانغماس فى المنظومة الدولية المتطورة بالنسبة لدول شيوعية، وأخرى خارجة من ويلات نظام الأبرتايد، وأتذكر صورة كليهما أمام محفل الجمعية العامة، فخورا بمشواره و إنجازه، رافعا رأسه بعزة نفس، ووطنية القائد، وحكمة الزعيم.

وكمتابع للعمل العام خاصةً على المستوى الدولي، أدعو الرئيس عبد الفتاح السيسى لإلقاء خطاب تاريخى مماثل أمام الجمعية العامة، يرتقى إلى حجم التحديات والمناسبة و مكانة مصر، يتناول فيه بطبيعة الحال الظرف المصرى وصعابه بثقة وعزيمة، وإنما لا يتوقف فقط عند ذلك، فيشرح بكل صراحة ووضوح المبادئ الحاكمة لفلسفته السياسية، لإقامة نظام حكم فى مصر، كدولة جامعة لشعبها الوطني، فهذه من أهم الأسئلة التى تدور فى أذهان المجتمع الدولي.

وأمامنا كذلك فرصة لإطلاع المجتمع الدولى على رؤيته للمبادئ التى يجب أن تنظم العالم العربى و الإفريقى و تطلعاته وأهدافه واقتراحاته بشأنها لجذب اهتمام المجتمع الدولى و ضمان تفهمه و تعاونه فى بناء مستقبل أفضل على أسس سليمة، وذلك بعد استعراض مخاطر الاستقطاب الطائفى والتطرف المذهبى الذى يهدد عالمنا العربي، و الفقر والحكم غير الرشيد المنتشر فى إفريقيا، ومن المفيد أن يكون لدينا أفكار حول كيفية التوفيق بين التمسك بالهوية الوطنية للدول العربية و احترام شخصية الأقليات وثقافتها وأصولها العرقية ، ومن ضمن الاقتراحات التى قد تحقق ذلك:

1- دعوة رؤساء كل الدول العربية المستقرة إلى عقد حوارات وطنية منفردة فيما بين شعوبها.

2- تقديم الدول لنتائج هذه الحوارات إلى الجامعة العربية لرصدها و تسجيلها و تنسيقها كلما أمكن.

3- إصدار الجامعة العربية لوثيقة أو إعلان للمواطنة العربية، تؤكد من جانبها على احترام الدولة الوطنية ووحدة وسيادة أراضيها، وتتضمن مبادئ توافقية لحماية الشخصية الثقافية و الاجتماعية للأقليات فى سياق الدولة الوطنية.

4- دعوة العالم العربى لمراجعة هذه الوثيقة كل عشر سنوات باعتبار أن التقدم المجتمعى لا يتوقف و لا ينقطع.

ولن يخلو الحديث عن الشرق الأوسط من التفكير فى النزاع العربى الإسرائيلي، خاصةً مع أحداث غزة وانهيار جهود وزير الخارجية الأمريكى كيري، وهى فرصة جديدة لاستعادة الصدارة والمبادرة المصرية بما فى ذلك الريادة فى جهود الحل الشامل للنزاع، استكمالاً لما يُبذل من جهد لوقف إطلاق النار فى غزة، بطرح أفكار مختلفة وبرنامج محدد لتغيير منهجية التعامل مع القضية، فكيف نشهد قتلى تجاوزوا الألف وضحايا دون حساب وعقاب، وكيف نستند على عدالة القانون ويُطبق القانون بالمنطقة بمكيالين، أو نتحدث عن عملية سلام والحل السلمى ونشهد إفراطا فى استخدام القوة ومهاترات عابثة ومسرحية تفاوضية لا جدية فيها ولا مصداقية لها. علينا مصارحة العالم أن الروح العربى غالِ، والحق الوطنى مشروع، وواجب التحقيق، وقد آن الأوان للمصارحة، والمحاسبة، والحسم، والإصرار على اتخاذ المجتمع الدولى للقرارات الصعبة الشجاعة، حفاظاً على الأمل الضعيف المتبقى لحل النزاع نهائياً وسلمياً بما يضمن للشعوب العربية استعادة أراضيها، وإقامة الدولة الفلسطينية مقابل ضمان إسرائيل لأمنها. وذلك من خلال مواصلة جهود وقف إطلاق النار بالعمل مع السلطة الفلسطينية على المستوى الدولي، ومطالبة منظومة الأمم المتحدة بتوفير الحماية للشعب الفلسطينى تحت الاحتلال، والضغط على المجتمع الدولى لوضع برنامج زمنى محدد لعقد مفاوضات فلسطينية إسرائيلية مباشرة حول الحدود، يليها بعد شهرين حد أقصى جهداً تحت رعاية الرباعية الدولية لطرح صفقة متكاملة لحل النزاع نهائياً أمام الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى وعرض نتائج كل ذلك على مجلس الأمن فى بداية فبراير كحد أقصى للتنفيذ أو لتسجيل مواقف الأطراف.

وأخيراً، بقدر اهتمام المجتمع الدولى بالاستماع لرؤية الرئيس الوطنية، و أهدافه الإقليمية، فهناك شغف دولى أيضاً للاستماع إلى رؤيته الدولية والمبادئ التى يرى أنها يجب أن تحكم سياسة مصر خارجياً فى المستقبل، ومن أهم تلك المبادئ:

- أن مصر دولة وطنية عصرية لا تفرق بين مواطنيها.

- دولة تتمسك بالقانون الدولى كعنصر حاكم لها، دون تمييز أو استثناء.

- دولة مستقلة تؤمّن لنفسها احتياجاتها بعلاقات متعددة مع مختلف دول العالم، تصادق الكل بقدر احترامهم لحقوقنا و مصالحنا.

- دولة فاعلة و متفاعلة مع النظام الدولى و معنية بتطويره ليصبح أكثر عدالة وإنصافا وعلى رأسها مجلس الأمن والمنظمات الاقتصادية، ضمانا لحقوق الدول النامية.

- دولة حكيمة رشيدة تحافظ على مصادر الطبيعة لعالمنا المعاصر، ولها مواقف ومبادرات حول الطاقة، والمياه، والمناخ.

- دولة إنسانية تحترم حقوق الأقليات، والمرأة، والشباب.

- دولة ذات سيادة لن تتأخر فى الدفاع عن النفس، أو ضمان أمنها القومي، وفى نفس الوقت دولة مؤمنة بالأمن الجماعى وخطورة انتشار أسلحة الدمار الشامل عالمياً وفى منطقة الشرق الأوسط، وتطرح تحدى أمام المجتمع الدولى لإخلاء منطقتنا من كل هذه الأسلحة قبل عام 2020.

.........

>> رسائل هامة من مصر للأذن الصاغية فى العالم العربى والمجتمع الدولي، وفرصة ثمينة لاستعادة الريادة السياسية المصرية فى الخارج.

* وزير خارجية مصر السابق

عن الاهرام

اخر الأخبار