إسرائيل.. ولادة من رحم الخديعة!

تابعنا على:   10:20 2014-08-29

د. عادل الصفتي

في مؤتمر «بالتيمور» بأميركا، اجتمع مندوبو المنظمات الصهيونية في عام 1942 من أجل التأكيد على النقل الرسمي لمقرهم من لندن إلى أميركا؛ ومن خلال قيامهم بذلك، أظهروا قدراً كبيراً من الدهاء والمكر وبُعد النظر الاستراتيجي؛ ذلك أن الدافع وراء القرار كان الإدراك المتزايد بأن بريطانيا ستخرج ضعيفة ومنهكة من الحرب العالمية الثانية إلى درجة لا تقوى معها على الحفاظ على مستعمراتها السابقة.

وعلاوة على ذلك، فإن المنتصر البديهي في تلك الحرب كان الولايات المتحدة، التي كانت تعمل على مراكمة الأموال من خلال قانون 1941 القاضي بمساعدة الحلفاء الذين كانوا يقاتلون ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، والتي شددت على قابلية صرف الجنيه الإسترليني في تكتلات تجارية كانت تتعامل بالجنيه فقط في السابق.

وضمن القرارات الختامية الصادرة عن المؤتمر، أكد المندوبون المجتمعون على أن «النظام العالمي الجديد الذي سيعقب الانتصار في الحرب لا يمكن أن يبنى على أسس السلام والعدالة والمساواة إلا إذا تم إيجاد حل لمشكلة التشرد اليهودي بشكل نهائي». ولعل الأهم من ذلك هو أن مؤتمر «بالتيمور» اعتمد قراراً يدعو إلى تأسيس دولة يهودية وليس وطناً لليهود، مثلما جاء في وعد إعلان بلفور 1917. ثم مُنحت هذه الفكرة زخماً جديداً مع اكتشاف معسكرات الاعتقال في ألمانيا المحرَّرة؛ حيث اكتسبت ادعاءات زعماء الصهيونية بأنهم يسعون إلى إنقاذ اليهود مصداقية وطابعاً ملحاً واستعجالياً لدى الغرب.

وفي هذه الأثناء، كان الرئيس الأميركي هاري ترومان يشتكي من الضغوط القوية التي يتعرض لها من قبل الزعماء الصهاينة من أجل الحصول على دعمه لقرار تقسيم فلسطين. وكان شريكه التجاري السابق إدوارد جاكبسون قد نجح في أن يحصل منه على وعد باستقبال وفد صهيوني. كما يبدو أن جاكبسون نجح أيضاً في التغلب على تحفظ ترومان على مبدأ صهيوني أساسي يتعلق بالطابع الديني لإسرائيل باعتبارها وطناً جديداً لليهود: فهل تستطيع دولة دينية حديثة التوفيق بين سياستها القائمة على التمييز العنصري والالتزام باحترام الحقوق السياسية والمدنية والثقافية لمواطنيها في الوقت نفسه؟

والمخطط بخصوص مستقبل فلسطين تبلور في سياق مكالمة هاتفية. فقد كان الموقف معلقاً وغير معروف؛ ولكن مكالمة هاتفية غيّرت التاريخ حيث قال الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان، وكان دبلوماسياً محنكاً، للرئيس ترومان: «أمامك فرصة تاريخية. وإذا بقيت قوياً الآن، فإن التاريخ سيظل يذكرك إلى الأبد». فتأثر ترومان بهذه الكلمات على ما يبدو واتصل بسفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة وارين أوستين ليخبره بالسياسة الخارجية الأميركية الجديدة ويشرح له سبب تغيير أميركا لسياستها السابقة، حيث تراجعت عن دعم فكرة «الوصاية». ومن الجدير بالذكر هنا أن «الوصاية على فلسطين» كانت تنص على تدابير مؤقتة حيث كانت تقترح تشكيل حكومة انتقالية، في انتظار الاتفاق على إجراء دائم.

غير أن إل. هندرسون، مدير شؤون الشرق الأدنى وأفريقيا في وزارة الخارجية الأميركية حينذاك، حذر وزير الخارجية جورج مارشال من أن تقسيم فلسطين ليس قابلاً للتطبيق، وبأنه سيفضي إلى نزاع دائم، مضيفاً أن هذا الرأي يتقاسمه كل من سبق له أن عمل على المشروع. كما أخبر مارشال بأن تقرير المصير وحكم الأغلبية غائبان من التقرير بشكل واضح.

وعندما طلب عدد من السفراء والدبلوماسيين الأميركيين المعتمدين في بلدان في الشرق الأوسط اجتماعاً مع ترومان بهدف حثه على عدم الاستجابة لطلب المنظمات الصهيونية، لفت أحد السفراء انتباهه خلال الاجتماع إلى الإجحاف الذي يتضمنه قرار دعمه لإقامة دولة يهودية في فلسطين، فقال ترومان ما معناه أن لديه مئات الآلاف من الناخبين اليهود الذين عليه أن يصغي إليهم وسيحاسبونه، وأنه ليس لديه أي ناخب عربي. وقد تصرف بتسرع كبير، حيث لم ينتظر سوى 20 دقيقة قبل أن يلقي بوزنه وراء «دولة إسرائيل» التي كان قد أُعلن عن قيامها حديثاً.

والواقع أن حسابات الحرب الباردة لم تكن بعيدة عن تفكير ترومان؛ حيث يعتقد كثيرون أن الخطاب الشهير الذي ألقاه رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل في مدينة فولتون بولاية ميسوري الأميركية عام 1946، والذي قال فيه عبارته الشهيرة «إن ستاراً حديدياً قد أُسدل»، هو الذي ألهمه وكان وراء تعجله وسعيه للحصول قبل الكريملن على ميناء في المياه الدافئة بفلسطين.

ومن جهة ثانية، يبدو أن جوزيف ستالين، الزعيم السوفييتي، ربما بالغ في تقدير الطابع المخرب للعناصر الاشتراكية اليهودية في حزب العمل وعلاقاتها بمنظمة «الهستدروت» النقابية. وعندما توفي ستالين وخلفه نيكيتا خروتشوف، طبق هذا الأخير سياسة خارجية جديدة تروج لتعايش سلمي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى.

ثم ما لبث أن تراجع الدعم السوفييتي لإسرائيل عندما تأكدت مشاركتها في العدوان الثلاثي (إسرائيل، فرنسا، بريطانيا) على مصر في 1956، وقد انكشفت أخطاء تفكير وحسابات ستالين الاستراتيجية المهادنة تجاه إسرائيل.

عن الاتحاد الاماراتية

اخر الأخبار