التهدئة انهارت.. ماذا عن المبادرة المصرية؟

تابعنا على:   12:42 2014-08-21

محمد خروب

رغم ضبابية الموقف وذهاب «الثنائي» نتنياهو-يعلون، الى خيارات «قصوى» ظناً منهما انهما قادران على قلب المشهد وتحويل الانظار عن الموقف المرتبك الذي باتت عليه حكومتهما وخصوصاً داخلياً، وارتفاع الاصوات الى تشكيل لجنة تحقيق في «إخفاقات» عملية «الجرف الصامد» التي يقول كثيرون في النخبة الحزبية والسياسية ومتقاعدي الجيش والمؤسسة الأمنية، انها (الاخفاقات) تفوق ما ارتكبته حكومة اولمرت، أو قل الثلاثي الذي قاد الحرب اولمرت، بيرتس وحالوتس في حرب لبنان الثانية (تموز 2006).

نقول: رغم ذلك، خسر نتنياهو ويعلون وغانتس، الفرصة «الذهبية» التي ظنوا أنها قد سنحت عندما اوعزوا بتخريب مفاوضات القاهرة وافتعال حكاية الصواريخ الثلاثة التي قيل انها أطلقت من غزة على عسقلان، ثم مَنْح الضوء الاخضر لعملية اغتيال القائد العام للجناح العسكري لحركة حماس محمد الضيف، لكن المحاولة فشلت، على ما قيل حتى الان ولم يعرف ما اذا كان قد نجا فعلاً ام ان الجثة «الثالثة» التي وجدت تعود له. المحاولة هذه رأت فيها حماس، اشارة واضحة من الجيش الاسرائيلي، بأن لا حصانة لأحد، وان اسرائيل لن تتراجع عن سياستها القائمة على اصطياد الاهداف القيادية ومطاردتها «سياسة الإحباط المركّز»، الأمر الذي يشير في الان ذاته، بأن نتنياهو ووزير دفاعه ورئيس اركانه، يبحثون عن «فرقعة اعلامية» يمكن ان تُرضي قطاعات واسعة من اليمين الاسرائيلي وقطعان مستوطني غلاف غزة، وهم الذين يقودون حراك اليمين ومظاهراته ويدعون الى مواصلة العملية العسكرية بما في ذلك إعادة احتلال القطاع واجتثاث المقاومة ولاحقاً تسليمه الى السلطة الفلسطينية، وفق تفاهمات تضمنها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي «وربما» مصر.

هل قلنا مصر؟

تبدو مصر الان في موقف لا تُحسد عليه، بعد ان قلبت اسرائيل الطاولة، وأعادت الأمور الى نقطة الصفر ولم تعد المسألة محصورة في الاتهامات التي لا تتورع حكومة اسرائيل والناطقون باسمها، توجيهها الى حركة حماس بأنها هي التي خرقت الهدنة، وهو أمر إذا ما تبلور في النهاية الى مواقف مُعلنة، فإن القاهرة ستكون غير قادرة (او غير راغبة) على تحميل أحد من الطرفين المسؤولية، لأنها بذلك الموقف (إن تم اعلانه) سيدفع الطرف المشار اليه بالمقاطعة وربما الانسحاب كخطوة اخيرة للخروج من الازمة.

فهل ادرك نتنياهو أبعاد خطوته؟ أم ان واشنطن - كعادتها - ستقوم بدور «المُنقِذ» لاسرائيل، واطلاق بعض البيانات «الكلامية»، على نحو يمنح الطرف الفلسطيني بعض «الامل» بامكانية لعب واشنطن دوراً ما، بعد أن عادت مباحثات القاهرة (غير المباشرة) الى المربع الاول, ولم يعد احد من الطرفين راغباً (أو قادراً) على النزول عن الشجرة التي صعدها في غمرة الحرب، وما رافق «المفاوضات» من مناورات وعرض عضلات ورفع مقصود ومبرمج لسقف المطالب.

ماذا لو عاد كيري؟

الاوساط الاسرائيلية لا تخفي اخباراً كهذه, لكنها ولأسباب قد تبدو مبررة، لا تراهن على نجاح اي وساطة اميركية بعد أن «تسمّمت» العلاقات بين تل ابيب وواشنطن وأخذ التدهور في العلاقات بالظهور في وسائل الاعلام وخضع لتعليقات ومتابعات وتحليلات تحذر كلها من مغبة «خسارة» اسرائيل لصديقتها الوحيدة في العالم وهي الولايات المتحدة, حيث بدأت الصحافة (الاميركية) تتحدث عن تأخير اوباما توقيعه على كتب ارساليات الاسلحة وابداء عدم التسامح معها ازاء «الفظائع» التي ارتكبتها قواتها في القطاع والتي ما تزال تتوالى فصولاً دموية حتى في ظل الوساطة المصرية وأحاديث التهدئة المبتذلة ودائماً في حكاية التهدئة التي تمتد لأيام خمسة ثم تتقلص الى اربع وعشرين ساعة فقط.

فَمَنْ الذي انهار في واقع الحال: التهدئة؟ أم المبادرة المصرية؟ التي بات على القاهرة ان تُعيد مراجعتها وتحديد موقفها منها، ودائماً في الاختيار بين المُضي قدماً كوسيط يمكنه تجاوز ما يحاوله نتنياهو وليبرمان مؤخراً، كشفته تسريبات الصحافة الاميركية التي تقول ان «اتفاقاً» قد حصل بين نتنياهو واوباما، يترك الاخير للاول، خيار تحديد مواعيد حضور رئيس الدبلوماسية الاميركية كيري، وايضاً في التعاطي «الحرّ» وغير المقيّد ببرنامج زمني, مع مطالب الوفد الفلسطيني (اقرأ حماس) باعتبار قرارات نتنياهو فتح المعابر أو زيادة عدد الشاحنات التي تحمل المواد الغذائية او توسيع منطقة الصيد البحري على شاطئ غزة, خطوات اسرائيلية ترقى الى مرتبة «الكرم» الاسرائيلي المعروف, ما يحرم حماس من اي انجاز سياسي، ويُظهر قوة وصلابة نتنياهو وأن الفلسطينيين غير قادرين على ادارة شؤونهم في حال أعادوا حماس الى السلطة (اذا ما جرت الانتخابات بعد ستة اشهر على ما نص اتفاق الشاطئ).

الموقف معقّد وأقرب الى التدهور والانفتاح على المجهول، أما حرب «استنزاف» جديدة بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، تبدو الان خياراً غير عملي لا تحتمله «الساحات» ولا تنظمه موازين قوى وخصوصاً في ظل انقسام عربي افقي وعامودي، غير مرشح للتغيير في الامدين القريب والمتوسط.

عن الرأي الأردنية

اخر الأخبار