القضية الفلسطينية.. والربيع العربي

تابعنا على:   10:18 2014-07-29

طيب تيزيني

ثمة ملاحظة ذات أهمية راهنة، وهي أن اندلاع مقدمات جديدة لانتفاضة فلسطينية تكمن في الأحداث الأخيرة في فلسطين من جانب، وفي عودة المشروع القديم المتقدم الخاص بالشرق الأوسط الجديد من جانب آخر. فأحداث ما سمي «الربيع العربي» المنطلقة منذ ثلاثة أعوام ونصف العام في عدة بلدان عربية، بما فيها سوريا، تحولت إلى وقائع على الأرض يمكن أن نستنبط منها الفكرة المركزية التالية، كما مرَّ معنا، وهي أن «الربيع العربي» إنما هو حدث عربي بامتياز، وقد أتى رداً على مظالم النظم العربية القائمة على الاستبداد والفساد والإفساد، متجلّياً ذلك بالركائز الأربع: الاستئثار بالسلطة والثروة والإعلام والمرجعية المجتمعية السياسية المتمثلة بالقول الشهير: الحزب يقود الدولة والمجتمع ومن موقع رئيس أبدي، فالخلود يأخذ هنا صيغة جيلية متأصلة في البداية، كما في المسار.

كانت توقعات مسار «الربيع العربي» يُراد لها أن تتشابك مع المشروع الاستعماري المتجدد، مشروع الشرق الأوسط الجديد. وقد أُريد للحدث الفلسطيني الراهن أن يأتي متمماً لذلك المسار الربيعي بالاعتبار الوظيفي، بحيث يتعين على ما انطلق في تونس أن يُضمّ من قِبل ذلك المشروع، ويتحول من ثم إلى نمط من الاختلاط بين تيارات متعددة تؤدي إلى فوضى عارمة. ولم ينجح ذلك! ولكنه نجح في ليبيا وراح يُعلن عن نفسه في اليمن وسوريا. لقد أُريد للقضية الفلسطينية أن تعود إلى مواقع متممة للمشروع الشرق أوسطي الجديد، مع مراعاة الظروف المستجدة. وعلى رغم إشعال النار في فلسطين من قبل إسرائيل المحتلة، فقد أعلنوا أن المسؤول عن ذلك إنما هم الفلسطينيون، وهذا ماعبّر عنه وزير الخارجية الأميركي كيري، حين قال: إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها!

وكان الأمر طبيعياً، حين راحت العنصرية الإسرائيلية تدعّم عدوانها العسكري على الفلسطينيين، وتعود لتنظيراتها المستمدة من القول بضرورة إكمال الجهود المتجهة إلى تحويل فلسطين إلى دولة يهودية صافية. ونقول، بدا الأمر طبيعياً أن ذلك يأخذ موقعه الطبيعي من مشروع الشرق الأوسط الجديد، كما يمكن إدراجه في استحقاقات هذا المشروع بالنسبة إلى العالم العربي، ومنه ليبيا وسوريا. وهذا ما يؤكده ما أُنتج مُكمّلاً لتلك الجهود: بروز القوى الظلامية مثل «داعش»، التي أنتجت تحولات خطيرة في سوريا والأردن وليبيا ومصر، لتظهر كما لو أنها نتائج لـ«الربيع العربي»، الذي راح البعض يطلق عليه مصطلح «الخريف العربي».

لقد ظهر الوهم الكبير، والخطير، الذي قام عليه الزعم بحق يهود العالم أن يضعوا أيديهم ظلماً وباطلاً وإجراماً على بلد يعيش فيه أصحابه وساكنوه. وقد كان ذلك مطلباً فاحشاً اكتسب مكاناً واسعاً في الترسانة الإعلامية لمن أخذوا يسوّقون «وعد بلفور»، وما زال قائماً حتى الآن، وظهر في المعركة الحالية بين «االعنصريين الذين هم الإسرائيليون المحتلون لوطن الشعب الفلسطيني، وبين هذا الشعب المكافح».

إن ما تفعله إسرائيل حالياً بالشعب الفلسطيني لا تنطلق فيه من أن هنالك شعباً أو شعوباً عملت على إخراج اليهود من ديارهم، وإنما من استراتيجية استعمارية تقوم على إعادة تقسيم العالم وتغييره. وفي هذا الموقع بالذات نكتشف موقع إسرائيل ودورها الآن في مشروع الشرق الأوسط الكبير والتمكين له من خلال تعميق التصدع الذي يحصل الآن في عدد من البلدان العربية. وفي الرد على هذا الموقف، يكفي أن نشير إلى أن بعض من يعمل في سوريا على تقسيمها وفق الطوائف، كان ينادي بالوحدة العربية من طرف، وبالنظر إلى القضية الفلسطينية على أنها «القضية المركزية» من طرف آخر.

ها هنا إذن وفي الوضع المعقد في العالم العربي، وضمن مسار الصراع العربي- العربي، يدرك المرء أن التحول الذي يقع الآن على شعار «الربيع العربي» وعلى تجلياته هنا وهناك عربياً، إنما هو تراجع في حق المشروع العربي في الوحدة والنهضة والتنوير. ومن أجل إدراك ذلك، يتعين على الجميع ألا ينظروا إلى الربيع هكذا ببساطة، اعتقاداً بأن ذلك يحافظ على الوطن: الآن يُراد تجزئة ما هو مجزأ، وتدمير ما يمثل شكلاً من أشكال الكفاح من أجل التحرر والعدالة والحرية والحداثة وكل ما يسهم في التأسيس لذلك الربيع.
عن الاتحاد الاماراتية

اخر الأخبار