تونس.. «النهضة» في قفص الاتهام؟

تابعنا على:   15:43 2018-12-12

فؤاد محجوب

مراقبون: الاتهامات الموجهة للنهضة والمدعومة بالوثائق والأدلة الواضحة، دفعتها إلى حالة من الارتباك والتخبط تجلّت بوضوح في تصريحات قادتها الاستفزازية!
باتت حركة النهضة (الإسلامية) في وضع صعب، بعد تعدّد التقارير بشأن جهازها السري الذي يهدّد وجوده التجربة الديمقراطية برمّتها في تونس، فضلاً عن خصومها السياسيين. وقد أكدت هيئة الدفاع عن المعارضين الراحلين شكري بلعيد ومحمد البراهمي (1/12)، أنها لن تقف عند كشف الوثائق الخاصة بالجهاز السري فحسب، بل سترفع دعوى للقضاء تطالب بحلّ حركة النهضة استناداً إلى قانون «مكافحة الإرهاب»، الذي يخول حلّ أي حزب أو جمعية يثبت ارتباطها بالإرهاب.
وتزامن هذا الإعلان مع تصريحات أطلقتها القيادية بالحزب الدستوري، عبير موسى، تدعو أيضاً إلى حلّ حركة النهضة، والقبض على من كشفهم التقرير الأخير الذي قدمته «هيئة بلعيد والبراهمي» في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي إلى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وأعلنت فيه أنها تملك أدلة عن «إدارة حركة النهضة لتنظيم سري متورط في اختراق أجهزة الدولة والتجسّس على المؤسسة العسكرية، واستهداف خصومها، وخاصة في فترة حكومة «الترويكا» التي كانت تقودها».
وتصاعدت الضغوط على «النهضة» خاصة بعد التوتر الحاصل بينها وبين الرئيس التونسي، على خلفية لقائه مع هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي، والبيان الذي أصدرته النهضة عقب ذلك، والذي اعتبر الرئيس السبسي أنّ فيه «تهديداً له ملوّحاً باللجوء إلى القضاء».
وكانت «النهضة» أصدرت بياناً وصفت فيه ما نشرته الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية، على لسان محامي الهيئة بشأن التنظيم السري بأنه «نقل لتهجمات باطلة وتهم زائفة تجاه حركة النهضة». وحذرت من «خطورة إقحام مؤسسة الرئاسة بأساليب ملتوية بنيّة ضرب استقلالية القضاء وإقحامه في التجاذبات السياسية».
وجاء ذلك بعد أن استقبل السبسي (26/11)، وفداً عن هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد، والبراهمي، برئاسة المحامي رضا الرداوي، حيث كشف الأخير عن «مشروع مُخطط إرهابي كان سيستهدف في العام 2013 اغتيال الرئيس السبسي، عندما كان رئيساً لحركة «النداء»، ومعه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال زيارته إلى تونس».
وقبل ذلك، تحدث سليم الرياحي، الأمين العام لحركة نداء تونس، عن «شبهة تورط الحركة في انقلاب على الرئيس السبسي». وأكدت مصادر قضائية أن عدداً من مسؤولي منظمات حقوقية وجمعيات مدنية «يعتزمون التقدم بمذكرة إلى رئاسة الحكومة يُطالبونها فيها باتخاذ الإجراءات اللازمة لحلّ حركة النهضة، لمخالفتها قانون الأحزاب بسبب «امتلاكها جهازاً سرياً متورطا في الاغتيالات، وتسفير أبناء الوطن إلى بؤر التوتر».
«النهضة» تنحني للعاصفة!
عقب ذلك، وبعد تصريحات الرئيس السبسي التي اتهمها فيها بتهديده وتلويحه باللجوء إلى القضاء، اختارت «النهضة» الانحناء للعاصفة وخفض سقف موقفها السياسي، في محاولة منها للخروج من مأزقها الذي تحول إلى «هاجس بات يؤرق خياراتها»، في ظلّ «معركة مفتوحة ضدها لا تبدو بعناوينها المُتشابكة سياسياً وقانونياً، أنها تتجه نحو انفراج قريب».
وعليه، فقد شدّدت في بيان حمل توقيع رئيسها راشد الغنوشي (30/11)، على «ضرورة الحفاظ على حيادية مؤسسات الجمهورية، والنأي بها عن التجاذبات الحزبية والسياسية والانتخابية». وجدّدت فيه «ثقتها في حرص رئيس الجمهورية على السهر على احترام الدستور، وضمان علوية القانون والتصدي لكل الممارسات التي من شأنها إقحام مؤسسات الدولة في التجاذبات».
ورأت أوساط سياسية تونسية أنّ موقفها هذا «لا يخرج عن سياق المناورة وازدواجية الخطاب الذي برعت فيه الحركة»، ولكن الذي بات مكشوفاً للجميع، ولم يعد ينطلي على أحد، سيما وأنه يأتي فيما «لم يتوقف التصعيد الإعلامي لعدد من قادتها، وسط صراخ لا يخلو من تهديد ووعيد»!.
فمنهم من اتهم الرئيس السبسي بـ«إقحام المؤسستين الأمنية والعسكرية في التجاذبات السياسية»، ومنهم من اعتبر أنّ السبسي «ينخرط في حملة مسعورة ضد النهضة، دون مراعاة رمزيته كرئيس جامع لكل الأطياف السياسية»، معتبراً أنه سيكون لذلك «تأثيرات خطيرة جداً على مستقبل البلاد».
وذهب أحدهم حدّ القول: إن حركة النهضة «تعطي انطباعاً ظاهرياً بأنها حركة عاقلة، لكنها في الحقيقة غير ذلك»، مضيفاً قوله: «نُريد تنبيه شركاءنا أننا لسنا عاقلين، نحن عفاريت، ونعرف الشيطان أين يضع صغاره»!!.
وعلى وقع هذه التصريحات المُلغزة، اعتبر قياديون في حركة «نداء تونس»، أن الاتهامات الموجهة للنهضة والمدعومة بالوثائق والأدلة الواضحة، دفعتها إلى «حالة من الارتباك والتخبط تجلّت على نحو واضح في تصريحات قادتها الاستفزازية»!. وربط أحد القياديين في حركة «تونس إلى الأمام»، الخطاب المُتشنج لمسؤولي النهضة بأنّ «مسألة التوافق (بين الشيخين) تحولت إلى صراع مُعلن بين مؤسسة الرئاسة وحركة النهضة، وهو صراع خطير لأنه ارتبط بمسائل أمنية لا تخص الرئيس السبسي فقط، وإنما كامل أمن تونس».
وكان الرئيس السبسي لم يتردد خلال افتتاحه اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي التونسي (29/11)، في اتهام حركة النهضة الإسلامية بتهديده، مؤكداً في نفس الوقت على أنه لن يسمح بذلك. وترافق هذا الاتهام المباشر، مع رسالة «رسمت المساحة المتاحة أمام حركة النهضة للتحرك فيها»، عندما قال السبسي: «.. إذا خلا لك الجو فبيضِي وفرخي»!، وذلك في استحضار لقصيدة «يا لك من قُبّرة»، للشاعر الجاهلي طرفة بن العبد، التي قال فيها أيضاً: «… لا بد يوماً أن تُصادي»!!.

اخر الأخبار