واشنطن .... \\\"وكرزاي\\\" ليبيا الجديد

تابعنا على:   13:39 2014-04-24

باسل ترجمان

 يعرف عن العقل الأمريكي إمتلاكه لإصرار عجيب لتحقيق ما يعتقد أنه \\\" الحق \\\" من وجهة نظره للوصول لإهدافه، وفي ليبيا كان الموقف الأمريكي منذ بداية عملية إسقاط نظام العقيد القذافي واضحا، فالتركة بين الطرفين ثقيلة، ولم تنفع سنوات الود في اخر مرحلة من عمر النظام بمسح ما علق بها من أحقاد.

لم تفكر واشنطن بأن إنتصارها العسكري لا يتحقق دون ترجمة سياسية على الأرض، فدخلت المعركة متعجلة نتائج الحسم، ومنتظرة أن ينجح الليبيون بعد أربعين عاما من حكم العقيد القذافي في تحقيق مافشل فيه العراقيون بعد صدام ، والأفغان بعد طالبان .

لم تفهم واشنطن، أو ربما عجزت عن فهم طبيعة التركيبة القبلية والإجتماعية الليبية فوجدت ساحة تتحول بسرعة إلى إنفلات سياسي وأمني أطاح برأس سفيرها الذي تحول لبنغازي لمحاولة جمع بعض مربعات الصورة الناقصة، لكن النتيجة كانت مأساوية لدرجة مخيفة .

مر مقتل السفيرالأمريكي، وانتقل قادة الإرهاب بهدوء إلى ليبيا، وتحملت جماعة الإخوان المسلمين مسؤولية نقل المقاتلين من مختلف دول المغرب العربي إلى تركيا ولبنان للمشاركة في تحرير سوريا من نظامها، وتحولت ليبيا في غمار تلك الفترة إلى ساحة للإرهاب يتواجد فيها الجميع ويملكون ما يتجاوز أحلامهم، مال وسلاح ومقاتلين، في غياب أي وجود حقيقي لدولة فشلت في أن تعرف بنفسها أمام مواطنيها بدء من مصطفى عبد الجليل إلى الأن .

واشنطن وجدت نفسها في نفس المأزق الذي سقطت فيه في افغانستان والعراق، فمن راهنت عليهم لم يمتلكوا سوى أفكارهم المميزة، لكن ليس لديهم مليشيات أو قبائل تفرض وجودهم، في مجتمع إنقسم بين مؤيدي النظام السابق ومعارضية، وزاد من صعوبة الأوضاع حالة الفلتان الأمني وهستيريا السلاح في بلد تميز بالأمان وبالتقاليد الإجتماعية المحافظة.

الفوضى ونجاح تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة معه بفرض وجودهم أمرا واقعا على الأرض، وبدء تطبيق إقامة الإمارات في بعض المناطق، وخروج عمل هذه المجموعات من النطاق المحلي الضيق إلى تهديد عديد الدول وخطف الدبلوماسيين والإعتداء على السفراء والسفارات، كل ذلك دفع بواشنطن للبحث عن حلفاء جدد في ليبيا التي تشكل ساحة مهمة في السياسة الأمريكية .

خيارات واشنطن لم تكن كبيرة وواسعة، وأصدقائها الليبرالين معزولين وضعفاء، وتنظيم الأخوان المسلمين في ليبيا وقيادته المكروهة شعبيا والغير قادرة على الحسم على الأرض لإن التنظيم لايؤمن بالمنهج التقليدي لطبيعة العلاقات المعتمدة على الترابط العائلي والقبلي، وانحسر الخيار في مواجهة القوى الكبيرة المناهضة لواشنطن في الساحة الليبية، بين انصار النظام السابق والذي لم تقتنع واشنطن بضرورة تحالفها معهم وبدء صفحة جديدة لصياغة المستقبل الليبي، أو عناصر تنظيم القاعدة المعادية بالمطلق لواشنطن والذين دخلت معهم في حرب مكشوفة بعد اختطاف أبو أنس الليبي .

في ظل الصورة القاتمة، لم تجد واشنطن سوى بقايا من جماعة بن لادن ورفاق دربه أيام حربهم على الوجود السوفيتي في أفغانستان ليشكلوا فرس رهانها القادم.

السجناء السابقين لدى نظام العقيد القذافي الذين تبرأو من فكر القاعدة التكفيري، ونجحوا بدعم قطري واضح بقيادة مجموعات مسلحة ساهمت بفعالية في إسقاط نظام القذافي، وجدوا أنفسهم أمام خيارين، العودة للكهوف والصحاري وفكر الجهاد الذي تقاسموه مرة أخرى في حربهم ضد كتائب العقيد مع رفاق الامس، أو البحث عن دور جديد يبقي بين أيديهم متعة الحكم وممارسته .

خيار التقرب من واشنطن عبر قنواتها المتعددة في ليبيا نجح في إيجاد موطئ قدم للمساجين السابقين بتهم الإرهاب في البيت الأمريكي، ولهذا التقارب انعكاسات كبيرة، أخطرها ما يعتبره أخوتهم في الجهاد ضد الكفار بنقض البيعة والتحالف مع الشيطان، وأقلها سوء أن ليس لديهم إمتدادات قبلية تحميهم وتدافع عنهم، ولكن ميليشيات مسلحة تدار بالمال ليست مضمونة الولاءات بالمطلق .

في انتظار أن تصعد واشنطن \\\" كرزاي\\\" ليبيا لقيادة المواجهتين العسكرية والأمنية مع مجموعات الإرهاب المنتشرة في ليبيا، أو مع القوى الرافضة لما وصلت إليه الأوضاع هناك، سيجعل من إمكانيات \\\"كرزاي\\\" الجديد بطرابلس ضئيلة ومحدودة، وربما الهدف منه جر اخوة الأمس لحرب تطيح بهم، لكن نتائجها ستكون سيئة، أو لجعل الحفاظ على حكم \\\" كرازي\\\" أداة للتدخل العسكري المباشر على الأرض في ساحة جديدة للحرب على الأرهاب، ستبدأ هناك وتمتد لتشمل دول الجوار وحوض المتوسط.

المخاوف كبيرة وأكثرها إثارة للقلق أن تجد واشنطن نفسها ملزمة بتكرار تجربة افغانستان بحيث يكون هدفها الوحيد بدل القضاء على إرهاب القاعدة وطالبان، حماية \\\"كرزاي\\\" ليبيا الجديد ومنع سقوطها بيد تحالف الإرهاب الجديد.

اخر الأخبار