الوعي العربي على كرسي متحرك....!

تابعنا على:   21:11 2014-04-20

أكرم عطا الله

الصورة أبلغ تعبير عن كل ما يقال، لو كتبنا آلاف المقالات ولو اجتهد كل علماء الاجتماع العرب في تشخيص ووصف حالة الكساح العربية لن يتمكنوا من إيصال الفكرة بمستوى الوضوح الذي جسدته الصورة التي تناقلتها الفضائيات مع نهاية الأسبوع الماضي للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وهو يدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية التي أعاد ترشيح نفسه فيها جالسا على كرسي متحرك مصطحبا كل الأمراض التي أنهكت جسده والتي تشابه حجم الأمراض التي تجتاح المجتمعات العربية وتعشش فيها وتبقيها قعيدة فيما المجتمعات والشعوب الأخرى تقف على أقدامها تسابق الزمن وتسير بسرعة كبيرة نحو المستقبل.

ليس مصادفة أننا في ذيل الأمم، وليس مصادفة أن التخلف جزء من مجتمعاتنا العربية \\\"التخلف بمعنى التأخر\\\" وليس مصادفة أن مجتمعاتنا تصنف ضمن المجتمعات النامية، وليس مصادفة أننا أمة مستهلكة لكل المنتجات الغربية، وليس مصادفة أن المجتمعات العربية لم تدخل عصر الإنتاج الصناعي والتكنولوجي، وليس مصادفة أيضاً أن لا أحد يخشى العرب وهم خارج حسابات القوة في العالم.

لماذا يحلم المواطن العربي بالهجرة من بلده؟ حيث تمتلئ أرصفة المدن الأوروبية بأبناء هذا الوطن الباحثين عن لقمة عيش وكرامة مفقودة، وكم من مركب تهريب محمل ببعض الحالمين غرق في البحر الذي يفصل بين قارتين تعيشان فرقاً هائلاً في مستوى وجودة الحياة والأمن فيما لم يشهد العالم هجرة من دول أخرى نحو المنطقة العربية، فمن حق كل مواطن عربي أن يسأل هذا السؤال وأسئلة أخرى ريما تقدم إجاباتها حلولاً لمجتمعات أصبحت طاردة لأبنائها حين نشهد نزيفاً دائماً للعقول والكفاءات التي لم تجد لها متسعا تمارس فيه مواهبها وقدراتها.

ليس لدينا مع هذا الواقع المتردي ما نفخر به سوى تراث قديم توقف منذ أن رفضنا أن نكون جزءا من الحضارة الإنسانية فنهرب من الحاضر نحو الماضي نستدعي صلاح الدين للتغلب على هزائمنا ونستنجد بابن خلدون والرازي وابن حيان لتغطية انكشافنا العلمي في عصرنا الحديث، نستدعي الدين للتعمية على فشلنا في الحياة، حتى العرب فشلوا في دينهم فالمجتمعات غير العربية التي تبنت الإسلام وتقدمت وقدمت نماذج باهرة مثل تركيا وإيران وماليزيا مقابل النماذج العربية الفاشلة من السودان للصومال وصولاً إلى غزة.. لماذا؟؟.

ليس لدينا من ممكنات القوة ما نواجه به العالم أو ما نصاحب به العالم والقوة المقصودة ليست فقط قوة عسكرية بالرغم من فقدان العرب لها على الأقل في مواجهة دولة صغيرة مثل إسرائيل، قد يقول قائل إن العالم يمنعنا من التزود بالسلاح بينما إسرائيل تحصل على أحدث أجيال الأسلحة من الولايات المتحدة، هذا صحيح، ولكن في السؤال عن كيف تمكنت إيران التي يحاصرها العالم من بناء ترسانة عسكرية يجرد العرب من مبررات عجزهم، فالاختراعات والاكتشافات العلمية هي جزء من القوة وهذه توقف العرب منذ القدم عن أن يكونوا جزءا منها.

المجتمعات العربية ليست مجتمعات صناعية، وهذه لها مدلولاتها وانعكاساتها الحضارية، ووفقاً لتقرير التنمية العربية فإن مجموع الدخل القومي للدول العربية مجتمعة أقل من الدخل القومي لإسبانيا وهذه تعد من أفقر دول القارة الأوروبية، أما عن مستوى التعليم في العالم العربي فوفقاً لتصنيف شنغهاي فلا جامعة عربية ضمن أفضل ثلاثمائة جامعة على مستوى العالم إذ إن هناك جامعة سعودية تحظى بترتيب 319 أي أن العالم العربي بلا تعليم، ومن حيث المستوى الصحي فليس هناك مقارنة ويكفي القول إن أي زعيم عربي إذا ما تعرض لأزمة صحية فهو يذهب للمستشفيات خارج الوطن العربي فإذا لم نستطع بناء جيش ولا مصنع ولا جامعة ولا مستشفى هل نجحنا في بناء الإنسان العربي، هنا الأزمة الكبرى، وما هي مكانتنا بين الأمم؟.

ربما أن هناك الكثير من الأسئلة الجارحة والمؤلمة لواقع أكثر إيلاماً انكشف في السنوات الأخيرة وهو يأكل نفسه كالنار التي لم تجد ما تأكله ويعود سنوات للوراء مسجلاً فشله الذريع في بناء أنظمة سياسية تليق بالقرن الحادي والعشرين، قد يقول قائل إن الاستعمار هو السبب في تخلف المجتمعات العربية ولكن قد ينسى الكثير أن كل دول العالم باستثناء بريطانيا المشهورة بأنها لا تحتفل بيوم استقلال، كل الدول تعرضت للاستعمار ولكن ما أن انتهى الاستعمار نهضت وتقدمت وانتصرت على تاريخها، وقد يقول آخر إن الغرب يتآمر علينا لكن من يقول ذلك ينسى أن المؤامرة هي جزء من التراث السياسي العالمي فالجميع يتآمر ضد الجميع ولكن المؤامرة لم تنجح إلا على الشعوب والدول الهشة والمتخلفة ولكنها انكسرت لدى مجتمعات تثق بنفسها فلم تتوقف المؤامرة في السنوات الأخيرة على روسيا وخصوصاً بعد قضية القرم والكثير من الدول تتعرض للمؤامرات لكنها لم تسقط أو تسلم أمرها وقدرها للعجز والاستسلام مثلنا.

البعض يقول إن ما تمر به المجتمعات العربية من فقر وبؤس هو نتاج حكم الزعماء العرب وفي هذا استسهال وتسطيح لأزمة أكثر عمقاً وأكثر استفحالاً لأن هؤلاء الزعماء الذين تقلبوا على حكم هذه المنطقة هم جزء من هذا التراث المأزوم والأكثر عصياً على أن تنشله قدرة عبقرية فردية حتى لو توفرت بالرغم من معرفتنا أن هذه المنطقة طاردة للعباقرة وقد تداول على حكم الدول العربية كثير من الزعماء مختلفي الثقافة والسن والاتجاهات الدينية، حكمها علمانيون ووطنيون وحملة شعار \\\"الإسلام هو الحل\\\" ولم تتقدم الدول، إذاً، هناك ما هو أكبر من تشخيص سطحي عابر.

المسألة أننا نسكن في الماضي ونعادي القادم، ولا نثق بالحاضر، نحن مجتمعات تفقد ثقتها بأنفسها وتخاف من كل شيء، نتمسك بالقديم حد القداسة، ونخشى كل ما هو جديد حد العداء، نخاف الانفتاح على العالم، ونتقوقع وسط ثقافتنا الماضوية خوفا من الثقافات الأخرى يفعل كما القنفذ ولسنا منفتحين على العالم وغير قادرين على الاستفادة من تجاربه الإنسانية، نأخذ منه كل منجزات العلوم ونعادي كل منجزات المعرفة والحداثة الديمقراطية والشراكة السياسية وقد عجزنا عن الربط بين منجزات العلم وبين المعرفة حيث نقدس الأسطورة ونعادي العلم.

نحن أقرب لعالم الخرافة بتجلياتها حين نحاول البحث عن إجابات واقعنا مبهورين بماض لم نجر عليه أي عملية مراجعة أو تدقيق ولا زال بعضنا يسأل مندهشاً لماذا نبدو كأننا على كرسي متحرك قياساً بالأمم، والأكثر بؤساً يسألون باستغراب ساذج لماذا يرشح الرئيس المريض نفسه للرئاسة... ببساطة لأن الحالة العربية حالة مشلولة تسير على كرسي متحرك....!

اخر الأخبار