محمود بكر حجازي... قصة يوم الأسير في رجل

تابعنا على:   04:33 2014-04-18

نائلة خليل

ينهمك الرجل السبعيني، محمود بكر حجازي، في معظم فعاليات يوم الأسير الفلسطيني. يحفظ الكثير من الشبان اسمه، سيما الأسرى منهم، إذ نشأ هؤلاء في السجن، وهم يطرحون الأسئلة البديهية، بالنسبة لكل أسير فلسطيني: من هو أول أسير في الثورة؟ ولماذا اعتمدت الثورة السابع عشر من أبريل/ نيسان يوماً للأسير؟

 يأتيهم الجواب أن أول أسير هو محمود بكر حجازي، ويوم 17 أبريل/ نيسان هو تاريخ صراعه مع حكم الإعدام.

لكن وجه هذا الرجل المقدسي غير مستهلك في الإعلام المحلي، وهو لا يمشي مع حرس خاص، على عادة القيادات الفلسطينية حديثة العهد بالسلطة.

وفي فعاليات يوم الأسير، حين يتبارى المسؤولون لحمل المايكرفون والحديث أمام عدسات الكاميرا، يكون حجازي عادة على مقعده في الحفل يشارك مثل بقية الحضور، في ذكرى اليوم السابع عشر من أبريل/ نيسان، الذي كان يصارع فيه حكم الإعدام والمجهول في زنزانة العزل الانفرادي رقم 139، ليبقى الفلسطينيون بعد أربعة عقود يخلدونه، فهو: يوم الأسير الفلسطيني.

لقاء حجازي يُصيب صاحبه بحيرة العاشق؛ يحلو له أن يدندن أغنية وهو يمشي باتجاه ضيفه للقائه في رام الله، ويخطر على باله أن يردّ على بعض الأسئلة شعراً، أو مستشهداً بأغنية ثورية فيروزية، حول أن فلسطين لن تضيع، ما دام أجمل ما فيها ينسج كل فجر، سفر الحرية من بين جدران الزنازين الإسرائيلية.

 \\\"مهما قدمنا لفلسطين، لن نوفيها حق الهواء الذي نتنفسه فيها، ولا حق الماء الذي شربناه من سمائها\\\"، يقول حجازي، الذي مرّغ ذات يوم أنف رئيسة وزراء إسرائيل، غولدمائير، ووزير حربها، موشيه دايان، في التراب، عندما رفض أن يطلب الرحمة منهما، ويستأنف حكم الإعدام ضدّه، مؤكداً على أنه أسير حرب، وليس سجيناّ.

اعتقل حجازي في ثاني عملية للثورة على أرض فلسطين في 17 ديسمبر/ كانون الأول 1965. كان مكلفاً ضمن خلية من الفدائيين في حينه بنسف جسر تستخدمه السيارات العسكرية الإسرائيلية قرب بيت جبرين في محافظة الخليل.

أُلقي القبض عليه بعدما حمى ظهر رفاقه باشتباكه المتواصل مع جنود الاحتلال، ليتمكنوا من تنفيذ العملية وتفجير الجسر والهرب، بينما بقي هو مشتبكاً مع الجنود لتحويل أنظارهم.

في ذلك العام، ظلت المرافق العامة، وتحديداً دور السينما في فلسطين المحتلة تعرض صورة لأول أسير في الثورة الفلسطينية، كُتب عليها: (محمود حجازي رجل حتف الأول)؛ و\\\"حتف\\\" هو الاسم الذي أطلق على الثورة الفلسطينية، قبل أن يغيرها الرئيس الراحل، ياسر عرفات، إلى\\\"فتح\\\".

 \\\"

حجازي: الإعتقال مثل العض على الأصابع، على السجّان أن يتوجع أولاً

\\\"

في أول جلسة تحقيق معه، بعد أيام من التعذيب والإرهاب النفسي والجوع، طلب منه المحقق الإسرائيلي أن يتناول شيئاً من الطاولة المكتظة بالطعام والفواكة والسجائر، لكن حجازي اختار ورود المزهرية، فسأله الضابط: \\\"إذا كنت تحب الورد، لماذا تحمل السلاح؟\\\" أجابه حجازي:\\\" لقد قتلتم الحب بعد المجزرة التي قمتم بها في دير ياسين\\\".

وعن نشأته الأولى، يقول حجازي:\\\" ولدت عام 1936 في القدس، وتربيت هناك على أن جاري المسيحي واليهودي هم أخوتي، كانت أمي تقول لي أن هؤلاء اليهود تحديداً مساكين، فقد قتلهم الغرب وهربوا بحثاً عن الأمان ويجب أن نعاملهم بالحسنى لأننا مسلمون\\\".

يبتسم حجازي بمرارة قبل أن يضيف: \\\" بعد سنوات قليلة أدركت أمي، التي طردت من بيتها قرب القدس، أن هؤلاء المساكين هم قتلة ومجرمون، وأنهم أصبحوا أقوياء كفاية ليفتكوا بنا بمساعدة الغرب الذي قتلهم وشردهم\\\".

هي الأم نفسها، التي زارت حجازي في سجن الرملة المركزي، بعد خمس سنوات على اعتقاله، وطلب منها بإشارة من إصبعه ألا تبكي أمام سجانه الاسرائيلي، فانصاعت الأم لرغبته وتحولت دموعها إلى حبات عرق ساخنة على جبينها.

بعد ست جلسات محكمة، جاء الحكم الإسرائيلي بـ\\\"الإعدام\\\"، وجاء رفض حجازي المطلق للمحكمة وقرارها، الذي واجهه بـ \\\"قراره\\\" الشخصي: أنه أسير حرب. وطالب بمحام من خارج المحكمة والأراضي المحتلة، لكن أربعة من أبرز أعضاء الحكومة الإسرائيلية رفضوا، آنذاك، رفضاً قاطعاً، وهم إلى جانب مائير ودايان، وزيرا العدل والشرطة.

تحدى بإرادته وحدها إرادة دولة الاحتلال، وكان له ما أراد، إذ وافقت المحكمة على أن يختار حجازي محاميه، فطلب من نقابة المحامين العرب توكيل محام له. وبالفعل، جرى توكيل المحامي الفرنسي الشهير، جاك فرجيس، الذي اعتقل في ثاني زيارة له لإسرائيل، إثر قيامه بتوزيع أوراق تثبت أن إسرائيل أكثر حكومة فاشية في العالم.

 \\\"

إرادة الأسير الفلسطيني الأوّل انتصرت على إرادة دولة الاحتلال

\\\"

تعبت الحكومة الإسرائيلية من قضية حجازي، جراء إصراره على رفض حكمها، والإعتراف به كأسير حرب، في ظل تهديد أربعة وزارء بالإستقالة إن تمت الموافقة على طلباته، فكان أن حاولت قتله بالسم أواخر عام 1965.

يقول حجازي مشيراً إلى معدته:\\\" لقد تم قص نحو ثلثيها بعملية جراحية، مكثت أشهراً في المستشفى أتعالج، بعد وجبة عشاء في السجن استفرغت بعدها دماً، وبقيت أصرخ من الألم لكن دون جدوى. وبعدما كان يحرسني أثناء قضاء حاجتي نحو ستة جنود، قضيت ليلة من الصراخ دون أن يمر أي منهم من أمام زنزانتي، إلى أن فقدت الوعي\\\".

قضى حجازي أربعة سنوات وثمانية أشهر في العزل الإنفرادي، ولم تتغير معادلته بعد مرور كل هذه السنوات\\\" الإعتقال مثل العض على الأصابع، على السجّان أن يتوجع أولاً\\\".

لكن حجازي يشعر بمرارة كبيرة من الوضع الحالي، ويقول بنبرة حزن:\\\" لماذا لا تزال قضية عدم الإعتراف بالمحاكم الإسرائيلية، والمطالبة بالإعتراف بالأسرى الفلسطينين أسرى حرب، قضايا تناقش حتى الآن من المستويات الرسمية والحقوقية، ألم أنجح أنا بتجسيدها على أرض الواقع بعدما دفعت ثمنها غالياً، لماذا ما زلنا في المربع الأول؟\\\".

لكن، وفي يوم 28 فبراير/شباط من العام 1971، بدأت المقاومة الفلسطينية بالخروج من المربع الأول، بإستحقاق صنعه صمود حجازي؛ وبعدما صرحت غولدا مائير، وهي وزيرة في الحكومة، برفضها قرار حجازي قائلة:\\\" لن أجعل مخرباً فلسطينياً يملي علي ما يريد\\\" في العام 1965، عادت لتوافق، عام 1971، على أول عملية تبادل أسرى مع منظمة التحرير الفلسطنية، بعدما أصبحت رئيسة للوزراء، ليطلق سراح حجازي مقابل الضابط الإسرائيلي، شموئيل روزنفايزر؛ كل منهما كان يمشي خطوة للأمام، أحدهما بإتجاه نجمة داود، والآخر بإتجاه الهلال الأحمر الفلسطيني.

اخر الأخبار