المتمرد الذى فضح العالم السرى لـ«الإخوان» (الحلقة الأخيرة )

تابعنا على:   14:34 2014-04-12

عندما حاولت مواصلة تسجيل ما تبقى من المذكرات الشخصية وأدق الأسرار والتفاصيل الحياتية والشهادات والتحليلات الثاقبة والشاملة والكاشفة والعميقة للمفكر الكبير جمال البنا- وجدت أن الإجهاد قد ظهر عليه وأمراض الشيخوخة قد نالت منه، ووصلت إلى ذروتها فى الشهر الأخير من عمره، الذى كان قد طعن فى الثانى والتسعين، وبالفعل فجأة وجدته قد عجز عن مواصلة جلساتنا وسرد الكثير من تجاربه الشخصية والعملية التى أعتقد أنها كانت أكثر بكثير مما قصصته فى الحلقات السابقة، ولكن فى النهاية تكلم آخر ما تكلم معى عن سفره ورحلاته وتقييمه لدور الأزهر الشريف وآرائه الفقهية التى أثارت الجدل حوله وغيرها، فقال.

 

بالنسبة للسفر والرحلات فلم أتنقل كثيرا فالمرة الأولى كانت من أجل أداء فريضة الحج لبيت الله الحرام بالأراضى السعودية فى عام ١٩٦١، ثم بعد ذلك برزت فى ذهنى وألحت على فكرة، وهى تكوين اتحاد إسلامى دولى للعمل ووجدت أنه من الضرورى لتنمية الفكرة أن أسافر لمؤتمر منظمة العمل الدولية الذى يعقد بشكل سنوى فى جنيف بألمانيا ومن حسن الحظ أن للأسرة فرع استقر فى جنيف منذ عام ١٩٥٤ متمثلا فى الدكتور سعيد رمضان زوج ابنة شقيقى حسن البنا وكان البعض يعتبرونه ابنا لحسن البنا، وبالفعل فى عام ١٩٧٨ زرت جنيف وكانت هذه هى أول مرة لى أخرج فى رحلة إلى أوروبا فكنت طوال الوقت مندهش ومنبهر بكل شىء أشاهده وتمنيت قبل أن أموت أن أشاهد مصر فى يوم من الأيام مثلها، وفى البداية اصطحبتنى ابنة شقيقى لجولة سياحية لاستكشاف جنيف وأدخلتنى أكبر وأضخم ثلاثة محلات هناك ووجدت أن العاملات بجميع تلك المحلات كلهن ملكات جمال وأنهن يعملن فى نظام وإتقان متناه، ولكن رغم كل هذا فعندما كنت أذهب فى زيارة لشواطئ البحيرات ويتغزلون فيما يشاهدونه من مناظر للمياه والسماء فأقول لهم إن مشهد النيل فى الساحل أو روض الفرج أو التحرير أحب إلى ألف مرة من مشاهد الشواطئ فى جنيف التى تتغزلون فيها، وأيضا وجدت فى جنيف أن الإخوان لهم تكتلان الأول لقبيلة آل رمضان فقد أنجب أبناؤه الكثير من الأحفاد، والثانى للعشماوى باشا «وزير المعارف» الذى كان ينتمى للإخوان المسلمين وكان ابنه المستشار حسن العشماوى، وكان منير الدالة زوج ابنة العشماوى وفى بعض الأحيان يكون سائقا خاصا لشقيقى حسن البنا لكونه يحب التقرب منه وكان لمنير الدالة عزبة خاصة وكثيرا ما كان يستضيف الكثير من أعضاء الإخوان بها، وفى مكتب سعيد رمضان تعرفت على الكثير من الشخصيات العربية والإسلامية الذين وجدتهم مداومين وملتزمين بزيارته دائما وكان من ضمن من قابلت الشيخ عمر عبدالرحمن وجلسنا نتناقش حول قضية فقهية وهى تعدد الزوجات وكان هو يدافع بقوة وعنف عن أحقية الرجل فى التعدد دون أى سبب واضح يبيح له التعدد (نسبة لأنه كان يطبق هذا التعدد) وكان استناده ومنطقه الذى رفضته أنه لا يوجد صحابى تزوج واحدة فقط بينما كنت أؤكد له أنه لابد أن يكون التعدد بسبب وعذر ولم يبح دون ضوابط، ولكن تطور النقاش واحتد بيننا واضطر سعيد رمضان للتدخل ليوقف حدة النقاش الذى كاد أن يتحول إلى صدام.

 

وبعد ذلك انضممت إلى مؤتمر منظمة العمل الدولية وعرفنى سعيد رمضان على شخص يعمل داخل المنظمة نفسها وكان سورى الجنسية وسهل لى الكثير من الأمور والتزمت بعد ذلك ولسنوات طويلة فى حضور هذا المؤتمر الذى كان يستغرق اربعين يوما، وكنت أقضى الوقت فى زيارة المنظمة وفروعها وفى بعض الأحيان أجلس داخل البوفيه إلى نهاية النهار وبالبوفيه أتعرف على أعضاء كثر من دول مختلفة «بنجلادش والأردن وباكستان» وغيرها، ومازال المؤتمر يقام حتى الآن ولكنى تخلفت عنه فى السنوات الأخيرة لأن صحتى لم تصبح كالسابق تتحمل مشقة السفر وأيضا لأن العمل هنا فى مصر أصبح يستغرق كامل وقتى، حتى إننى فى فترة من الفترات انسحبت من الاتحاد الإسلامى الدولى للعمال نظرا لضغوط العمل الشديدة ووليت عبئه لشخص وجدت فيه الهمة والنشاط ولكن الأمر لم يفلح ولم يتحمل ومازلت أنا حتى الآن رئيس الاتحاد..

 

لقد وجدت أن للعمال صفة دولية كبيرة فالعمل فى المجتمع الرأسمالى مثل الدين فيجمع بين الجميع مهما اختلفت دولهم وجنسياتهم فهو الذى يخلق الروابط كما أن شروط العمل فى العالم واحدة، ولذلك عندما خرج شعار «يا عمال العالم اتحدوا» كان شعارا صادقا وحقيقيا، كما أقيم فى فترة من الفترات شىء مهم جدا لم يلتفت إلى أهميته وعمق معانيه الكثير من الباحثين وهو «الدوليات» ويعنى الدولية العمالية وفى لبنان يطلقون على تلك التجربة الفريدة اسما آخر وهو «الأماميات» وأنا أميل إلى اللقب اللبنانى، وكانت طريقة العمل مع هذا الحدث عبارة عن اشتراك كل ممثلى نقابات العمال الموجودة داخل جميع الدول ويقام مؤتمر يحدد فيه ظروف تلك النقابات ومناقشة سياستها والصعاب التى تواجهها، ومن خلال اشتراكى بفعاليات نشاط الأماميات وجدت اتحادا دوليا مسيحيا للعمال ومن هنا فكرت فى أن أنشئ اتحادا دوليا إسلاميا وما شجعنى على ذلك أننى كاتب وباحث وكان لى دائما اهتمام بالقضايا العمالية، وخصصت جزءا كبيرا من كتاباتى للعمال فلم يكتب كاتب فى مصر واعتقد فى العالم مثلى عن العمال مما أهلنى ذلك أن أكون خبيرا فى منظمة العمل الدولية والعربية خاصة العربية، وكنت خبير النقابات فأفسح لى المجال والفرص للاتصال بحركة النقابات العربية، وأيضا فى السابق وبالحديد فى العهد الناصرى تم الاستعانة بخبراتى لإعطاء محاضرات داخل معهد أطلق عليه آن ذاك «معهد الدراسات النقابية» وقد تم إقامته لمنافسة معهد أقامته إسرائيل لجذب العمال الأفارقة، فلاقى معهد الدراسات النقابية اهتماما خاصا فكان من المحاضرين فيه كبار عمداء وأساتذة الجامعات والوزراء، وكان المشاركون بالدورة الواحدة لا يتخطى عددهم العشرين دارسا وكان أغلبهم من دول عربية وأفريقية شقيقة وبعد ذلك تولى الكثير منهم قيادات الاتحادات العمالية العربية بدولهم، ومن هنا كنت قد كونت علاقات قوية جدا بالكثير من هؤلاء فأصبح للاتحاد الذى أقمته فروع فى مختلف دول العالم دون أن أنفق أى مبلغ من المال، لأن المشكلة الدائمة التى كانت تواجة الاتحاد هى عدم وجود مصادر للتمويل ولم نتغلب على تلك المشكلة إلى الآن ولذلك لجئت إلى طريقة للتغلب على تلك المشكلة، وهى التى كنت أتبعها إلى حين توقفت عن السفر كما ذكرت وهو أن أغلب أعضاء الاتحاد يشاركون فى مؤتمر جنيف الدولى فكنا نستغل ذلك ونقيم طوال أربعين يوما اجتماعاتنا وجلساتنا ونتناقش ونحاول أن نخرج البيانات والتصريحات، فمن قلب مؤتمر جنيف عاش الاتحاد الدولى للعمال المسلمين.

 

وهنا تدخلت وقطعت سياق الحديث أو ربما انقطع هذا السياق دون تدخلى ولكنى سألت المفكر الكبير جمال البنا أين دور الدولة من كل هذا المجهود الذى تبذله؟، فضحك قائلا... الدولة وما أدراك ما الدولة فبالنسبة لها جمال البنا هو أستاذ المادة وخبير بالنقابات العمالية فقط ليس إلا، ووزير العمل وأحد رؤساء الاتحاد فى فترة من الفترات سعد محمد أحمد كان يقول «إن جمال البنا من الناحية النقابية هو أستاذنا جميعا أم غير ذلك فهذه أشياء تحتاج لإعادة نظر» وكان يعنى بذلك أنه كممثل لأحد منظمات الدولة ليس له شأن بتمويل اتحاد إسلامى أقامه جمال البنا، ولكننى لم يعرف اليأس أبدا طريقا إلى، فحاولت كثيرا إلى أن قابلت «دبور» رئيس نقابات البنوك التى كانت من أفضل وأنظف النقابات وأعجب بفكرة الاتحاد وعرضها على مجلس الإدراة وعلى الجمعية العمومية ووافقوا بالإجماع على أن انضم لهم بالاتحاد ولكن هنا ظهرت الدولة وطلبنى سعد محمد أحمد لمقابلته وقابلته فقال لى «موقفنا عدم الانضمام للشمال أو اليمين ولا يجوز الانضمام لأى نقابات أو تيارات» ولكنه كان رجلا كاذبا وكان يرغب فى تعجيزنا، ولأننى كما ذكرت لم أكن فى يوم من الأيام من الأشخاص الصداميين مع الدولة ولخشية أن يتم تصفية الاتحاد انسحبت وشكرت الأستاذ دبور على سعية وقلت له «لن تستطيع أن تصمد فى وجه المضايقات التى ستحدث» ولم نهنأ بالانضمام والتمويل الذى تم على الورق وانتهى على الورق..

 

وأتذكر أننى فى عام ١٩٨٣ تلقيت اتصالا من السفارة الأمريكية لدعوتى لرحلة بأمريكا الهدف منها كان أن تتعرف القيادات النقابية العمالية فى مصر على مظاهر الحياة العمالية الأمريكية وأخبرونى أننى سأكون ممثل مصر فى تلك الرحلة ووافقت على دعوتهم، وبالفعل اصطحبونا فى جولة شاهدنا فيها أمريكا كاملة فى مدة حوالى شهر، وكنت أنا طوال هذه الرحلة حريصا على جمع أكبر كمية ممكنة من الكتب لدرجة أننى لم أستطع حملهم معى عند العودة للقاهرة وتركتهم بعد أن وعدنى أحد القائمين على إدارة الرحلة بإرسالهم إلى مكتبى بالقاهرة وبالفعل بعد عودتى بمدة بسيطة أرسلوها، وكان ما يشغل بالى أيضا فى هذه الرحلة، دراسة المجتمع الأمريكى من ناحية، ودراسة الحركات العمالية من ناحية أخرى ووجدت أن الحركة العمالية بأمريكا حركة عظيمة وأن الشركات والمصانع هناك لها جيوش من العمال، وبالفعل اكتسبت معارف ومصادر جديدة ومتنوعة وأفادتنى كثيرا مطالعتى للكتب التى جمعتها فساعدتنى فيما بعد فى تأليف كتاب عن الحركة العمالية فى الولايات المتحدة من خمسمائة صفحة وضحت بداخلة حرب الحركة العمالية مع أصحاب الأعمال..

 

وهناك أمر آخر أرغب فى توضيحه وهو عندما وجهت إلى الدعوة للمشاركة فى الرحلة الأمريكية قالوا لى إنه سيكون ضمن المشاركين بالرحلة عضو ممثل عن إسرائيل فلم أرفض المشاركة وقبلت لأننى ضد الوطنية الملحدة الشيفونزم المتعصبة..

 

وهنا سألت المفكر جمال البنا هل أنت مع التطبيع الشعبى والاقتصادى مع إسرائيل، فقال... عندما اشترك الإخوان المسلمون فى ميدان الحرب ضد الإسرائيليين فكان على أساس قاعدة قالها لهم سيد أمين الحسين «فلسطين ليست فى حاجة إلى رجال فعندها رجال ولكن فلسطين فى حاجة إلى سلاح» وللأسف الشديد الحكومات لم تطبق هذا المبدأ وأرادت أن تقحم نفسها من أول مايو عام ١٩٤٨ عندما أعلنت دولة إسرائيل وأعلنت كامل الدول العربية مقاطعتها لإسرائيل وكونوا حركة الجيوش العربية بقيادة الملك عبدالله الثانى وكان هذا خطأ، فكان يجب على أى قرار قبل أن يتم اتخاذه أن يكون له قاعدة شعبية وألا يفرض على الشعوب وأنا أعتقد أن عملية التطبيع مع إسرائيل ليس لها قاعدة شعبية فى مصر أو بعض الدول العربية، ولم أحاول أن أرصد حركة الاقتصاد الإسرائيلى وتنميته، لأن مثل هذا العمل إذا كنت أقدمت عليه كان سيفهم خطأ وسأهاجم بعنف.

 

وبعيدا عن العمال والحركات العمالية انتقلت بالحديث لموضوع مختلف فسألت المفكر جمال البنا عن رؤيته لدور الأزهر الشريف، ولماذا هو ضد الأزهر على طول الخط؟، فقال... خلافى مع الأزهر لم يكن فى يوم من الأيام خلافا فرديا بل كان دائما خلاف أسرة كاملة فالتقليد كان داخل الأسرة بكاملها أن نتجاهل الأزهر ولا ندخل معه فى نقاش، ولكن هذا لا يمنع من أن نرد على اتهاماته ولكن لا نتقلد زمام المبادئة فنحن لسنا أزهريين فلا أنا ولا والدى أو أشقائى درسنا فى الأزهر، كما أننى مقتنع أن دور الأزهر انتهى عام ١٨٠٥ عندما عين محمد على واليا على مصر «فالأزهر هو الذى اختاره وتحدى به الخلافة والسلطنة العثمانية» وما كان من محمد على بعد أن تولى إلا أنه فرق بين مشايخ وأئمة الأزهر فنفى عمر مكرم بعد أن خلق الوحشة بينه وبين المشايخ واستولى على أوقاف الأزهر وأدمجها فى الدولة وبالتالى أصبح الأزهر لا قيمة له بالمعنى الحقيقى، وهذا كان غريبا من رجال الأزهر أن يولوا رجلا لا ينتمى لمصر ولا يتكلم لغتها وبالفعل تسبب الأزهر فى أن تحتل مصر أسرة عقيمة «الأسرة العلوية».. ولكن الأزهر هو الأزهر فهو جامعة من ألف عام ولكن دوره الآن ليس كبدايته، وهنا يكمن السؤال لماذا أهان محمد على من أكرموه؟ والإجابة بسيطة وهى أنه عرف قوة الأزهر فى عملية توليته حاكما وأيضا أنه الوحيد القادر على عزله فقضى عليه ليكون له وحدة السلطة الأقوى فى مصر، وأيضا مما ساهم فى القضاء على دور الأزهر هى مذاهبه «السلفية والأشعرية» التى ليست لها شعبية فى مصر، كما أنه ليس للأزهر وقفات تذكر باستثناء بعض الحالات البسيطة ومن بينها وقفة الشيخ المراغى للقصر فى عهد فاروق ولكن باستثاء هذه الحالات ليس له دور، ومن أكثر الشخصيات الأزهرية التى أحببتها وهى نادرة مثل «محمد عبده» الذى كان يعد دليلا على قوة الدين الإسلامى وبساطته، وكان يحارب بشدة من مشايخ الأزهر، لكونه مجتهدا ومبسطا وليس عقيما ومنفرا وأيضا الشيخ حمروش، والشيخ «محمد الغزالى» وجمعتنى بالغزالى علاقة طيبة إلى حد ما وعندما اعتقلت معه فى سجن الطور ومع من اعتقلوا من الإخوان فى عام ١٩٤٩ اخترته مع من اختاروه أن يكون رئيسنا داخل السجن، وكان معنا الشيخ «سيد سابق» وكان أيضا من أصدقائى المقربين وأتذكر أننا جلسنا سويا ذات ليلة نتحدث فقال لى «قلبى منقبض ونفسى تحدثنى بمكروه سيحدث لى» وعندما استيقظت فى اليوم التالى فلم أجده فسألت عنه فقالوا لى إنهم أخذوه من أجل التحقيقات واتضح أن عبدالمجيد حسن الذى قتل النقراشى قال «إن الشيخ سيد هو الذى أباح له عملية اغتيال النقراشى» والجرائد كتبت بالمنشتات العريضة «مفتى الدماء» وما كان أحد يظن أنه سينجو من حكم الإعدام ولكنه خرج براءة بعد ذلك، وأيضا خالد محمد خالد وسعاد ثريا، فالقصد من حديثى هذا هو أن أوضح أن هناك مجموعة خرجت من الأزهر مستقلين عنه وعن فكره العقيم، وفكر هؤلاء المنشقين جميعا كان دائما قريبا لى، ولكن كان اتجاهى مختلفا عنهم.

 

ووهن الأزهر وضعف بشدة فى فترة حكم الرئيس السابق مبارك وتواطأ مع السلطة ضد الشعب المصرى وكان شيخه الحالى أحمد الطيب عضو لجنة سياسات بالحزب الوطنى، وساهم فى قضية مليشيات الإخوان فكان منصبة مكافئة له على الولاء والطاعة للسلطة وأرى أن الذى كان أجدر بمشيخة الأزهر هو على جمعة والحل الذى أطرحه ليعود الأزهر إلى مكانته أن ينزه عن الشبهات بالاستقلال عن الدولة ويكون جامعة لا تحتكر الدين الإسلامى لأنه ليس فى ديننا كهنوت ويكون للأزهر أوقاف تكفى احتياجاتها ليكون له رأى حر ومؤثر.

 

وفى الفترة الأخيرة ظهرت دعاوى تكفيرية كثيرة جدا ضدى وخرج من قال يجب أن يعاقب هو والمخرجة إيناس الدغيدى «وهنا ضحك المفكر الكبير جمال البنا قائلا» فقلت لا يوجد لدى أى مانع لأنه سيكون أجمل عقاب بجوار امرأة جميلة، ولكن كان السبب فى خروج أكثر دعاوى الزندقة والتكفير التى خرجت ضدى موضعان هامان جدا القبلات والتدخين فى نهار رمضان، فبالنسبة لاجتهادى فى موضوع القبلات أنا لم ولن أتراجع عما قلته فى هذا الموضوع فمن الضرورى أن أكون أمينا مع الحقائق فكنت أتحدث حينها فى قناة فضائية وتطرق الحديث والنقاش لانفلات شباب الجامعة وأسبابه، وهنا قلت إن هناك أنواعا من الفساد مثل الزنى والمداعبات والقبلات ويذكره القرآن فى أحد نصوصه «الذين يجتنون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم» ويتضح من الآية أن هناك كبائر إثم وفواحش يجب ألا يقع فيها الإنسان وهناك شىء آخر يسمى «اللمم» وعندما راجعت كل تفاسير القرآن للقرطبى وابن كثير والطبرى والرازى قالوا جميعا إنه «الضمة أو القبلة» وكل ما هو دون الزنى يقع تحت «اللمم» وتكفره التوبة والعمل الصالح «إن الحسنات يذهبن السيئات» فبمجرد أن طرحت نتيجة بحثى واجتهادى خرجت دعاوى التكفير الكبرى ضدى.

 

أما التدخين فهى قضية مهمة جدا لأنها تتعلق بفلسفة التشريع والتحريم والتحليل ففقهاء الإسلام أنفسهم تبينوا أن الإسلام به جانبان «علاجى ودنيوى» فالعلاجى أصلة التوقيف والوحى والنصوص فالصلاة فقط ملزمة لما عليها ولا يجوز الزيادة فى الفروض والله وحده هو المشرع فيها لأنها أصول عبادية فلا يوجد شخص يشرع من أجل العبادة أو يصدر فتاوى تحليل وتحريم لعبادات وإن ظهر من يدعى ذلك فستكون العبادة لمن يشرع وهذا شرك بالله فكل هذه مبادئ متفق عليها.. وفى رمضان ما ينتهك الصيام معروف كما نزل «الأكل والشراب والمخالطة الجنسية» ولم يكن هناك أشياء اسمها السجائر، وبعد أن ظهرت السجائر أصبح ليس عليها تحريم نصى لأنها لم تكن موجودة وقت نزول القرآن، وهنا حدث النقاش حول تقصى ذلك الأمر وأجمع المجتهدون على أن التدخين فى نهار رمضان من المفطرات، وهذا كلام مناقض للواقع لأن المجتهدين يجتهدون فى تفسير النص ولكن ليس الإضافة على النص، ومن المفترض أن أمر المجتهدين قد انتهى من القرن الخامس والتدخين ظهر فى العاشر والحادى عشر، وابن عابدين من كبار علماء الحنفية «ذلك المذهب الذى عرف بالتشدد» قال «إن السجائر ليست من ضمن مبطلات الصيام» وفى عام ١٩٨٥ كتب الشيخ عبد اللطيف حمزة المفتى آنذاك فى الأهرام فقال أشياء كثيرة مبطلات للصيام، ومن بينها قبلة الزوجة إذا كانت لشهوة ولم يأت ضمن ما قال السجائر وهو مفتى الديار، وعندما تحدثت فى تلك القضية قلت إننى لا أفتى، وذلك لأننى أكره عملية الفتوى والمفتى والمستفتى وأقول للمستفتى استفتى قلبك واقرأ واطلع لكى تعرف، وقدمت بحثا يؤكد أنه لا يوجد نص لعملية إفطار السجائر للصائم وأكدت أن عملية التحريم يجب أن تكون مستندة على نص شرعى سواء كان قرآنيا أو حديثا نبويا قويا مثبتا ولا يشوبه الضعف أم أن المفتى أو أى شخص يحلل ويحرم فهذا «وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا.....» فالذى حكم فى عملية تحريم السجائر ليس الدين ولكن التقاليد والعادات والأعراف الاجتماعية، وقلت إن المدخن إذا منع عن التدخين فى شهر رمضان لن يستطيع أن ينتج إلا بعد الإفطار وهذا لنوعية خاصة، «الشرهون» جدا فى التدخين فلا مانع أن يتناول اثنين أو ثلاثة من السجائر حتى تستطيع تلك النوعية من العمل فى نهار رمضان وأيضا كنت فى مؤتمر بالخارج وسألنى أحد الشباب الذين دخلوا الإسلام حديثا عن عملية التحليل والتحريم لتناول السجائر فى نهار رمضان وشرح لى أنه قبل دخوله الإسلام كان مدمنا لشرب الخمر والمخدرات والسجائر، ولكنه تاب عن كل تلك الموبقات ولكنه لم يستطيع التوقف عن تناول السجائر خاصة أثناء الصيام فقلت له نتيجة اجتهادى وبحثى ولكنى لم أفتى له، ولكن ليس معنى هذا أن السجائر حلال بشكل مطلق فهى مضرة للصحة وبالتأكيد شىء كريه وعادة سيئة.

 

وأيضا كان آخر ما أثار الجدل حول اجتهاداتى قضية «جواز إمامة المرأة للرجال فى الصلاة» حيث كانت هناك سيدة اسمها حبيبة خطبت الجمعة وقامت بإمامة مجموعة من الشباب والبنات فى أمريكا ومنعت من قبل كل الأماكن الإسلامية لتفعل هذا، فاضطرت لأن تأخذ قاعة خارجية، وهنا كتبت عن هذا فقلت إن الرسول وضع مؤهل الإمامة وهو العلم والقرآن فمن كان أعلم بالقرآن فهو أكثر استحقاقا للإمامة وعلى هذا الأساس عين الرسول صبيا إماما على مجموعة كبيرة من الناس وعين سالم ابن حذيفة على إمامة الصحابة جميعا، بمن فيهم أبو بكر وعمر لأنه كان أكثرهم علم بالقرآن فاذا كانت هناك امرأة عالمة بالقرآن، ورجل جاهل بالقرآن فأيهما يتولى الإمامة فهل نستبعد المرأة لمجرد أنها امرأة فهنا الإمامة للأعلم والأكثر إلماما بالقرآن فكون تطبيقه أو عدم تطبيقه فهذا ليس ذنب الرسول بل ذنب المسلمين فى كل زمان ومكان.

 

لقد سألت المفكر الكبير جمال البنا فى أول جلسة جمعت بيننا لتسجيل المذكرات عن رأيه فيما يجرى فى مصر الآن بعد الثورة فقال كلمات قصيرة وبسيطة وكان قد أجل الحديث فيما يحدث لنهاية المذكرات حتى يأتى الحديث فى سياقه ولكن قضاء الله وأجله حالا دون تسجيل ذلك وها هى بعض الكلمات التى سجلها عن الوضع ما بعد الثور فقال... ما يحدث حتى الآن غير مفهوم والمجلس العسكرى بقراراته غير فى مسار الثورة واتجاهاتها فإذا كانت الثورة خلعت مبارك وبناء عليه انحلت كل الهيئات الدستورية ثم اختاروا اللجنة التى لا تمثل العناصر المؤثرة فى المجتمع وأجروا الاستفتاء وبناء عليه خلق الجدل على الدستور أولا، ولكن لم يطبق هذا المبدأ الصحيح الذى اتفقت عليه جميع دول العالم، فدائما الدستور هو الأساس الذى تبنى عليه الانتخابات البرلمانية ولكن ما أجمعت عليه مصر كان خطأ، وترتب علية أخطاء أخرى فمجلس شعب بنى على دستور قديم وبعد وضع دستور سيتم حل المجلس وانتخابه على دستور جديد، وهكذا ثم تأتى انتخابات الرئاسة وكل هذه العملية ستشغل الدولة المصرية عن الإنتاج والعمل وعن الاهتمام بالشؤون الحقيقة، ثم جاءت المحاكمات المضحكة والتهم الهزلية التى لا تليق بما قدموه من فى السجون فى حق مصر وشعبها، ومعارضة مفتته لم تتعلم من الدروس فى السابق فلو أنها تعاونت من البداية ما كنا وصلنا لما نحن فيه الآن ففقدنا الإرادة الشعبية الثورية التى تمثل إرادة الشعب من ناحية والشرعية المبنية على إرادة الشعب التى هى أعظم إرادة وأعظم من أى شرعية أخرى وبعد كل هذا فالشعب لا يهمه انتخابات أو أى شىء آخر فهو يهمه أن يعيش حياة كريمة.

 

المصرى اليوم

اخر الأخبار