"الصوفي والقصر" تروي السيرة الممكنة للسيد البدوي"

تابعنا على:   21:55 2018-01-15

مرفت أبو جامع

"شي لله يا سيدي البدوي"، "الله.. الله.. يا بدوي جاب اليسرى" جزء من موشَّح صوفي دَرَج استخدامُه في الدراما المصرية القديمة، ولم نكُنْ نعرف حقيقة السيد البدوي، كما أن كلمة اليُسرى تبيَّن بعد زمن أنها مُحرَّفة عن كلمة "الأسرى"، وهم الأسرى المصريون الذين حرَّرَهم السيد البدوي من الصليبيين.

رواية "الصوفي والقصر" تفكّ طلاسم هذه المقولة الشعبية، ذاهبةً إلى أبعد من ذلك في رحلتها عبر عالم الصوفية، العالم الذي ظلَّ في وعينا مرتبطًا بالخرافات التي سوَّقَتْها الدراما وأظهرت الصوفيين "دراويش"، واستخدمتهم "للتندر أو لأعمال الشعوذة والاكتساب".

ارتبطت صورة الصوفي بالشخص الذي يعيش معزولًا عن الناس يتوافد عليه البسطاء طلبًا للبركة والرزق والدعاء لقضاء الحاجة، بوصفه عندهم وسيطًا بين الله والناس، خافهم السلاطين والحكام، بسبب شعبيتهم الكبيرة وحبِّ الناس لهم، واشتهرت أماكن إقامة هؤلاء الصوفيين بعد وفاتهم، لتصبح مقامات ومزارات للتبرُّك بها في المغرب العربي ومصر والسودان والعراق وفلسطين والشام، من هؤلاء النفر بطلُ الرواية الذي له عدة مقامات.

"الصوفي والقصر" رواية تاريخية ترصد سيرة ممكنة - كما سمَّاها كاتبها الدكتور والأكاديمي أحمد رفيق عوض - للسيد البدوي، وهو متصوِّف عربي أثرَتْ حياته فِكرَ الدكتور عوض، أحبه، ثم كتب روايَتَه في 304 صفحات، رصد عبر تخومها رحلة الشيخ الدرويش في دروب مدينة فاس المغربية، متتبعًا إقامته في مدينة طنطا غرب مصر، معرجًا على زيارته لمكة والعراق وبلاد الشام (الكرك)، وصولًا إلى فلسطين (مدينة القدس).

وفي مناقشة للرواية ضمت لفيفًا من النقاد والأدباء والمهتمين في مؤسسة "إيثار" الثقافية وسط العاصمة المصرية القاهرة عُرِضَت مقاطع صاغها عوض في مقدمة روايته، وقال فيها: "قِيلَ عن السيد البدوى كل المتناقضات؛ فقد ذُكر أنه شيعي، وأنه سُنِّي، وقيل إنه متصوف، وقيل إنه تستَّر بالتصوف، وقيل إنه من آل البيت، وقيل إنه ليس كذلك، وقيل إنه داعية، وقيل إنه صاحب دعوة سياسية، وقيل إنه رجل ، وقيل إنه امرأة (...). هنا حكاية أخرى تجاور وتحاور الحكايات السابقة.. لا أحد يكتفي أو يقنع بالتاريخ كما وقع على وجه الحقيقة. الواقع ذاته لا يكفي".

يقول الناقد المصري أيمن الحكيم إن الرواية قدَّمَت الحقيقة التي يجهلها الكثيرون بلغة إيجاز وبلاغة، لافتًا إلى أن "تاريخ الصوفية في مصر شوَّهَتْه الأعمال التي تناولت صورته وربطته بالخرافة والأساطير"، مضيفًا: "الرواية تنقِّي هذا العالم من الخرافة وتتناوَلُه بشكل علمي موضوعي، الروايةُ وضعَتْ يدها على فكرة حقيقية مغيَّبةٍ عن الجميع، وهي أن الوليَّ مقاتِل وليس سطحيًّا، يواصل: "الرواية أعادت اكتشاف السيد البدوي من جديد".

وينقل الناقد الأدبي المصري الدكتور حسام عقل بعضًا من مقولات السيد بدوي التي تطرق لها عوض في الرواية: "إنني زيتُ مَنْ لا زيتَ له"، و"الإسلام لم يأتِ ليعيشَ في الجبال، وإنما بين الناس"، وقوله: "للكونِ لسان واحد ولغات متعددة يُسّبح بها خالقه»، وأشاد عقل بلغة الرواية القوية التي تعكس ثقافة عوض وقراءاتِهِ الكثيرة وفي مجالات متعددة.

وأضاف عقل أن الرواية رغم أنها تتحدث عن حقبة تاريخية (القرن السابع الهجري) فإن بها إسقاطاتٍ حولَ الصراع العربي - العربي اليوم، وكذلك الخيانات التي حدثت في تلك الحقبة. ويضيف عقل: (الصوفي والقصر) بشَّرَتْ بالحرية حين قال السيد البدوي: (لن ينجح العالم العربي في أن يكون له موطئ تحت الشمس، إلا أن يكون هناك حرية). وأيضًا: "لا محبة إلا بالحرية، ولا محبة مع الذل". وأضاف أن الرواية توحي بأن التاريخ يعيد نفسه، وقد تطرَّقَتْ إلى علاقة المثقف أو النخبة بالناس علّها تعيد التفكير في وقتنا الحاضر حيث الفجوة الكبيرة بينهما، وذلك بالاسترشاد بسيرة السيد النبوي التي تستنهض هذه الطاقات التي أصابها الفتور".

وقال عقل إن "(الصوفي والقصر) فوق ذلك أعادَتْ الاعتبار للرواية العربية ووضعتها في قمة السرد القصصي، في الوقت الذي تتجه الكتابات نحو الاختصار والوجبات الأدبية ذات الإيقاع السريع".

ويلخص عوض حياة السيد أحمد بن علي بن يحيى البدوي ثالث أقطاب الولاية الأربعة لدى المتصوفين من صبي مهاجر مع أسرته من مدينة فاس المغربية إلى ناسك متعبِّد فى مغارة معتمة بجبل أبى قبيس على أطراف مكة المكرمة، يهرب منها بسبب الفتنة، إلى الشام فيقاتل فى جيش الملك الناصر، ويدخل معه القدس فاتحًا ومحررًا وظافرًا، ثم إلى بغداد (العراق)، فيصبح الولي المقاتل، وينتهي به المقام فوق سطح داره بقرية صغيرة مجهولة فى قلب دلتا مصر، حوَّلَها إلى مدينة عامرة وقبلة لمحبيه وزواره، وأحد أشهر المراكز الروحية فى العالم، سمّاها المصريون "طنطا" ومن هناك ينضم إلى جيش مصر ويحارب الفرنجة في المنصورة ودمياط ويعود بالأسرى، الذي أسرهم جيش ملك فرنسا لويس التاسع، لتعلو الهتافات فى معسكر الجيش المصرى : "البدوى جاب الأسرى".

رواية "الصوفي والقصر- سيرة ممكنة للسّيّد البدويّ" للروائي الدكتور أحمد رفيق عوض صدرت عام 2017 عن دار الشروق للنشر والتوزيع في عمان ورام الله. 

اخر الأخبار