" أّظْلكُم شهرُ رمضان فيهِ الرحمة والغفران والقرآن "

تابعنا على:   02:04 2017-05-29

د.جمال عبدالناصر أبونحل

قال الله تعالي: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، إن الله عز وجل من رحمته بعبادهِ أنه أكرمهم بشهر كريم عظيم تشهر رمضان تهُب فيه نسمات الرحمة وظلال الجنان، ولقد اقتضت حكمة الله جل جلاله تفضيل بعض الأنبياء علي بعض، وبعض الأماكن على بعض، وبعض الشهور على بعض، ومن هذه الأشهر التي فضلها التي تبارك وتعالى شهر رمضان شهر القرآن والنصر والفوز بنسمات الرحمان، وهو شهر عظيم كريم، له فضائل وخصائص تميزه عن غيره من الشهور، فشهر رمضان تفتح فيه أبواب الجنان، ولقد ورد عن النبي صل الله عليه وسلم العديد من الأحاديث النبوية الصحيحة عن فضل شهر رمضان ومن تلك الأحاديث النبوية الشريفة ما جاء عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هذا شهر رمضان جاءكم، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتسلسل فيه الشياطين"، وأما عن  فضل أول ليلة في صيام رمضان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادى مُنادٍ كل ليلة : يا باغي الخير أقبل و يا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أتاكم شهر رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنة ،وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين ، وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرم خيرها فقد حُرم "، ومن فضائل شهر رمضان المبارك، وخصائصه نزول القرآن الكريم فيه : قال الله تعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، قال الإمام ابن كثير رحمه الله : يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه. وعن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: " أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لْسِتٍ مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان"، ومن فضائل هذا الشهر الفضيل العظيم صلاة التراويح، فلقد أجمع المسلمون على سنية قيام ليالي رمضان، وقد ذكر النووي أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح يعني أنه يحصل المقصود من القيام بصلاة التراويح؛؛ وعن أبي هريرة أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : " من قام رمضان إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه؛ وفي قوله صل الله عليه وسلم :(من قام رمضان إيمانا): أي تصديقاً بأنه حق معتقداً فضيلته، واحتساباً يريد به الله وحده لا رؤية الناس، (أي الرياء)، ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص غفر له ما تقدم من ذنبه؛ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "غزونا مع رسول الله صل الله عليه وسلم لست عشرة مضت من رمضان، فمنا من صام ومنا من أفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم"؛ وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر)، ومن فضائل شهر رمضان فيه ليلة القدر والتي هي خير من 83 سنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه)، عن أبي أمامه رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: مرني بأمر آخذه عنك، فقال: (عليك بالصوم، فإنه لا مثل له)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: كل عمل بن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه) رواه البخاري ومسلم، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، تكّفرها الصلاة، والصوم، والصدقة، والأمر والنهي)، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الصيام جُنّة من النار، كجنّة أحدكم من القتال) رواه ابن ماجه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: (الصيام جنّة وحصن حصين من النار) رواه أحمد، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: (ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر) رواه البيهقي في "السنن"، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: (من صام يوماً في سبيل الله، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً) متفق عليه، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: (في الجنّة ثمانية أبواب، فيها باب يُسمى الريّان، لا يدخله إلا الصائمون) رواه البخاري، وزاد النسائي: (فإذا دخل آخرهم أُغلق، من دخل فيه شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً)، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: (إن في الجنة غرفاً تُرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها)، فقام أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال: (لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى لله بالليل والناس نيام) رواه الترمذي؛ وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، فيشفعان) رواه أحمد،، عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل أمر يحيى بن زكريا عليه السلام بخمس كلمات أن يعمل بهنّ، وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنّ، فكاد أن يبطئ، فقال له عيسى: إنك قدُ أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهنّ، وأن تأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنّ، فإما أن تبلغهنّ، وإما أبلغهنّ. فقال له: يا أخي! إني أخشى إن سبقتني أن أُعذّب أو يُخسف بي، قال: فجمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس، حتى امتلأ المسجد، وقعد على الشُرَف، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله عز وجل أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ -وذكر منهنّ- وآمركم بالصيام، فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرّة من مسك في عصابة، كلهم يجد ريح المسك، وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، عن أبي أمامه الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: (بينما أنا نائم، إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعيّ، فأتيا بي جبلاً وعراً، فقالا: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهّله لك، فصعدتُ، حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار. ثم انطلق بي، فإذا أنا بقوم معلّقين بعراقيّبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلّة صومهم) رواه ابن خزيمة؛ وعن أبي هريرة رضي الله عنهُ قال- أن النبي صل الله عليه وسلم قال: (لا يزال الدين ظاهراً ما عجّل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخّرون) رواه أبو داود، أما عن فضل السحور في رمضان فقد جاء عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السَّحَر) رواه مسلم،، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: (السحور أكله بركة؛ فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء؛ فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحّرين) رواه أحمد وابن حبان، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته يصلّون على المتسحّرين) رواه ابن حبّان، وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: (عليكم بغداء السحور؛ فإنه هو الغداء المبارك) رواه النسائي؛ وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من أخلاق النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة) رواه الطبراني، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسحّروا ولو بجرعة من ماء) رواه ابن حبّان، ومن فضائل رمضان وخصائصه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر: قال تعالي: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)، وفضائل شهر الخير والرحمة كثيرة والنافلة تصبح في رمضان بأجر فريضة ويزداد أجر الصدقات ومن يطعم الفقراء ويؤدي الزكاة، ويعطف علي المساكين والأرامل، فله أجر كبير من يمشي في قضاء حوائج الناس، فقد روى الشيخان في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صل الله عليه وسلم- أنه قال: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صل الله عليه وسلم- أنه قال: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)؛ ونحن نستقبل موسم التقوى نؤكد على هذه الصلة الوطيدة بين الصيام والإنفاق والصدقة والجود، ولقد كان المثل الأعلى في الصدقة هو سيد الخلق صل الله عليه وسلم، فهو الذي يكشف لنا عن حقيقة هذا التلازم وهذا الترابط الوثيق بين رمضان والصيام وبين الإنفاق والصدقة، ففيما روى ابن عباس رضي الله عنهما، (كان رسول الله صل الله عليه وسلم أجود الناس) ، فهل هناك تعبير أبلغ من هذا؟ هو أجود الناس، أي: بلغ الرتبة العليا في الكرم والجود والسخاء، ما قال لا قط إلا في تشهده، ولولا التشهد لكانت لأؤوه نعم، كان  صل الله عليه وسلم أجود الناس، قيل: (وكان أجود ما يكون في رمضان) أي: يزداد جوداً إلى جود، وكرماً إلى كرم، وعطاءً إلى عطاء، وسخاءً إلى سخاء، فكان رسول الله صل الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة أي المُطلقة، ومع كل الفضل للصدقة إلا أن فضلها أعظم وأثرها أكبر إذا كانت في رمضان؛ لأنه أشرف الشهور والأجر فيه مضاعف أضعافاً كثيرة. كان رسول الله صل الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ،كان أجود بالخير من الريح المرسلة, وقد قال صل الله عليه وسلم : ( أفضل الصدقة صدقة في رمضان).أخرجه الترمذي عن أنس،  وللصدقة في رمضان فوائد كثيرة على المتصدق وعلى الفقير وعلى المجتمع كله فمنها:  يجود الله تعالى في شهر رمضان على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، فمن جاد على عباد الله الفقراء والمساكين جاد الله عليه بالرحمة والعطاء وسعة الرزق، وأن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة، فقد روي عن النبي – صل الله عليه وسلم- أنه قال "إن في الجنة غرفاً يُرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها، قالوا لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام، الصيام، وصل والناس نيام"، وأن الصيام، والصدقة أبلغ وأعظم في تكفير الخطايا، واتقاء جهنم، لقول النبي- صل الله عليه وسلم-"الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار”. والصيام مطهرة للذنوب ومحرقة لها، إذ أن من معاني اسم رمضان، أنه يرمُض الذنوب والخطايا أي يحرقها، وفي الصدقة في رمضان زيادة بالتكافل الاجتماعي والتضامن بين أفراد المجتمع الإسلامي، وتزكية لنفس الغني من الشح والبخل ونجاة من العذاب، كما فيها نقاء لنفس الفقير من الحقد على الغني؛ لأنه يعلم أن له حقاً في ماله؛ نسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال والطاعات والصيام والقيام، وأن يحرر أسرانا من سجون الاجرام الصهيوني، وأن يحرر أقصانا، وأن يعود علينا رمضان القادم وقد تحررت المقدسات والأمة العربية والإسلامية بكل خير، وكل عام وأنتم جميعاً بألف خير، رمضان كريم..

الكاتب الصحفي المحلل السياسي والمفكر الإسلامي

 الدكتور /جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل

اخر الأخبار