واقترب موسم الحصاد (7)

تابعنا على:   21:51 2017-05-28

ايمان الناطور

ردد محمد:

- السلام عليكم .

فرد كل من أمه وخالته وزوجها التحية وصافحهم ثم جلس بجوار أمه وهو يخلع الحقيبة المدرسية وسمع خالته "سمية " تهمس لأمه:

- ألم تملي من لبس هذا الأسود يا أمينة ؟..مضى على استشهاده سبعة أعوام فهل سيستمر حزنك هذا الى الأبد؟

فتنهدت أمينة وكان جوابها هو الصمت فلا أحد يمكنه تقدير ما تشعر به مهما حاولت اقناعهم وقد التمست لهم عذرا فلا أحد منهم عرف الشهيد عبدالله كما عرفته هي ...ولا أحد عايشه عن قرب كما فعلت هي ووجدت صورته تعاودها ووجدت نفسها تردد بغير وعي:

- الشهيد عبدالله لم يمت يا سمية بل هو حي يرزق وهو افضل حالا منا ...نحن الاموات يا سمية وليس هو..

فلم تدر اختها الوحيدة ماذا تقول عبر سوء الاوضاع من حولها لتواسي قلبها الذي أعيته الهموم وجعلت الشيب يظهر به باكرا وقد بدأت خطوط الشقاء تشق وجهها وتساءلت سمية أي شيء يمكنه أن يفعل هذا بامرأة في أواسط العمر؟؟فد كانت منذ سبع سنوات فقط من أجمل الشابات وأكثرهن مرحا وطموحا في الحياة كانت طالبة جامعية وثورية مفعمة بالوطنية والايمان وهذا ما جعل الشهيد يحبها ويتزوج بها فقد كانا متفقان تماما وأفكارهما دوما على التقاء بالغم من أنه كان يكبرها بعشر سنوات وكانت علاقتهما المنسجمة الى أبعد الحدود هي مضرب مثل لمن حولهما لولا أن فجعت أمينة باستشهاده وعلى الرغم من أنها كانت تعرف هاية طريقه جيدا فقد غرقت في كل هذا الحزن وعادت سمية تتساءل من جديد ترى ما الذي يمكنه ان يفعل هذا بامرأة مثل أمينة ولم تجد جوابا غير أن دقات قلب أمينة كانت تجيب " حب الشهيد يا سمية "

وجعلت سمية تفكر مرار بحياة أختها الارملة مع طفل يتيم على ذكرى رجل راحل...هذه الحياة الميئوس منها....

وانتبهت للطفل وهي تتعجب من الشبه الكبير بينه وبين والده الشهيد وانتبهت انه يتأملها بدوره وشعرت بنظراته تخترق اعماقها بطريقة ادهشتها قبل ان يسير مبتعدا وهي تتأمل اثاره متسائلة عن مدى ذكاء هذا الطفل الذي بدا وكأنه يكشف أعماقها وودعتهما أمينة ليغادرا بهدوء وزوج سمية يحدثها قائلا:

- اعجبت كثيرا بالصغير ...انه ذكي ومهذب.

وشردت سمية محاولة فهم شخصية محمد المميزة من بين كل الاطفال الذين عرفتهم في حياتها فهي تعمل مدرسة للمرحلة الابتدائية ولكن لم يجعها طفل تفكر فيه بنفس الطريقة التي فكرت فيها بمحمد ابن امينة ودلفت الى بيتها وهي تتأمل امها قائلة:

- أمينة يا أمي لا يمكن لاحد اقناعها بمبارحة بيت الشهيد وهي مصممة الا تترك أي شيء يحمل ذكراه ورائحته..

فأطرقت أمها في يأس فهذه المحاولة رقم مليون لاخراج ابنتها من حالتها هذه منذ سنوات وسارت مغادرة وموعها تلمع في عينيها عندما ردد زوج سمية في حزن :

- فلتبقي يا خالة .

- لا يا بني ...ابني باسل ينتظرني فقد تأخرت ولا بد أنهم قلقون علي الان.

فعاد يستوقفها هامسا :

- فقط دعيني اوصلك !

وهتفت سمية :

-        دعيه يوصلك يا أماه .-

-        لا تتعب نفسك يا ولدي أعرف طريقي جيدا .

وخرجت أم باسل بثوبها الفلاحي الى الشارع والدموع في عينيها ولا أحد يمكنه تخل مدى الهم الساكن في أعماق هذه الام العريقة وتذكرت ابنها باسل أكبر اولادها الخمسة والذين لم تعد تسمع اصواتهم الا عبر الهاتف بين الحين والاخر باسل الذي ناهز السادسة والخمسين من عمره الان و ....غابت أفكارها نحو الشيخوخة والكبر وجعلت تفكر في نفسها كم بلغت من العمر الان وكم تبقى من عمرها وقد هرمت وأصبح الشيء الوحيد الي تفكر فيه هو يوم رحيلها عن هذه الدنيا وفجأة سمعت صوت اطلاق نار متبادل فأيبت بالذعر وهي تن انه قادم من ناحية المستوطنة القريبة فأدارت وجهها تجاه ""مستوطنة نتساريم" وعاودتها ذكرى التهجير والنكبة في صباها...

يتبع...

 

اخر الأخبار