تشريع البؤر الاستيطانية

تابعنا على:   01:15 2016-12-07

عمر حلمي الغول

موضوع الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي ليس جديدا، وقد لا يكون مثيرا للإستغراب في الأوساط الفلسطينية، رغم أنه ينهش اللحم الحي من الأرض والمصالح والأهداف الوطنية. وحتى لايساء الفهم هنا المقصود، ان الشارع الفلسطيني بقدر ما يحس بضغط وثقل حجم الإستيطان الإستعماري الإسرائيلي على حياته اليومية والمعيشية وعلى مستقبل مشروعه السياسي، بقدر ما يتعامل معه كورم سرطاني ويحاول البحث عن افضل السبل لإجتثاثه وتصفية أخطاره دون الخشية من تبعاته، وكأن إيمان الفلسطيني بالإنتصار على هذا الوباء السرطاني، هو ما يلهمه بالتعامل بمسؤولية عالية وبهدوء أعصاب. غير ان هذا الهدوء، هو الهدوء، الذي يسبق العاصفة.

وعطفا على ما تقدم، تم قبل يومين تمرير مشروع قانون تشريع البؤر الإستيطانية بالقراءة التمهيدية ب60 صوتا مقابل إعتراض 49 صوتا، واليوم الأربعاء سيتم التصويت عليه بالقراءة الاولى بعد ان تم تسوية الامر مع موشي كحلون، وزير المالية بحذف النقطة السابعة من مشروع القانون، المتعلقة بالتشريع بأثر رجعي على كل البؤر الإستعمارية بما فيها بؤرة "عمونة". وكأن هذه هي المشكلة، اي تنفيذ او عدم تنفيذ قرار المحكمة العليا؟

بعيدا عن النقاش الدائر في الساحة السياسية والقانونية الإسرائيلية حول القانون وتداعياته على إسرائيل على المستويين الاقليمي والدولي، والأخطار، التي قد يحملها مستقبل عملية السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعلاقة التشريع بتطبيق إتفاقية جنيف لعام 1949، وتصنيف الدولة الإسرائيلية كدولة تطهير عرقي وتمييز عنصري. وعلى اهمية ما يجري داخل الساحة الإسرائيلية، فإن اليمين المتطرف الحاكم بقيادة نتنياهو وليبرمان (رغم إدعاءاتهما بانهما ضد تمرير القانون) وبقية الجوقة بنت واريئيل وشاكيد وريغف وكحلون، جميعهم مع تشريع البؤر الإستعمارية، لإن هذا خيارهم، وهو احد ركائز بقاءهم وإستمرارهم في الساحة السياسية وخاصة في مركز قرار الحكم. كما انهم جميعا يعملون وفق الإستراتيجية الإسرائيلية، القائمة على قواعد الايديولوجيا الصهيونية الرجعية، المتمسكة ببناء دولة إسرائيل الكاملة على كل الأرض الفلسطينية، دون إعتبار لمصالح الفلسطينيين السياسية والحقوقية القانونية والتاريخية، وكل ما يمكن عمله لهم، هو منحهم حكما ذاتيا لتسيير مصالحهم الاجتماعية والاقتصادية.

إذا التشريع للبؤر الإستعمارية ليس عملا متسرعا او نتاج ردة فعل آنية او توجها غير مدروس ومحسوب النتائج والسيناريوهات الملازمة له، العكس صحيح. ورغم إندفاع اليمين المتطرف الصهيوني، الذي أعماه الغرور العنصري والإستعلاء، إلآ انه يعمل وفق خطة عمل معدة مسبقا، وبالتالي تسريعها او تأجيلها مرتبط بالتطورات المحيطة بالقرار الإسرائيلي داخليا وخارجيا. ووفق المعطيات الماثلة فإن إسرائيل لا تواجه في اللحظة السياسية الراهنة اية عقبات تحول دون مضيها قدما في مشروعها الإستعماري، فأميركا تقف بصمت مريب تجاه السياسات الاستعمارية الإسرائيلية، ولذر الرماد في العيون تصدر تصريحا من هنا او هناك "يشجب" او "يستنكر" هذه الجريمة الإستعمارية الإسرائيلية او تلك، وباقي دول العالم واقطابها ليسوا أفضل حالا بما في ذلك الدول الصديقة، وكأنه حتى اللحظة السياسية الراهنة مازال العالم مسلما بالدور الاميركي الكلي في إدارة ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومازال خجولا في تعاطيه مع ملف الصراع الأطول والأعقد في تاريخ الصراعات العالمية. والعرب للإسف الشديد ليسوا  في حال أفضل من دول العالم، لا بل انهم يمارسوا ضغوطا على القيادة الفلسطينية لثنيها عن التوجه للامم المتحدة وخاصة مجلس الأمن لإستصدار قرار من مجلس الأمن، فضلا عن الحروب البينية بينها، وحالة الصراع التي تعيشها بعضها. وبالتالي الشرط الذاتي الإسرائيلي والعربي والعالمي يتوافق مع الإندفاع الإسرائيلي لتشريع الإستيطان الإستعماري. الأمر الذي يتطلب من القيادة الفلسطينية البحث الجدي في مواجهة هذا التحدي الخطير، الذي يهدد مستقبل الشعب والقضية والمشروع الوطني وعملية السلام على حد سواء. ويحتم وضع أسس واضحة ومحددة للموجهة في عام 2017.

اخر الأخبار