الحركات السياسية بين الأيديولوجية والواقعية

تابعنا على:   14:32 2016-10-22

عقل صلاح

الأيديولوجيات العقائدية أو الكلية هي الأيديولوجيات المتكاملة التي تمتلك تصورًا عن الإنسان مثل الشيوعية والإسلامية. فالشيوعية في غرب أوروبا التي قامت أساسًا على مبدأ دكتاتورية البوليتاريا استطاعت أن تكيّف فكرها وأيديولوجيتها مع البيئة السياسية الديمقراطية الجديدة من أجل تحقيق أهدافها المتمثلة بالوصول للحكم عبر الانتخابات البرلمانية، وليس عبر الثورة التي لم تستطع من خلالها تحقيق أهدافها. والحركات الإسلامية أيضًا قامت بتغيير وتكييف مواقفها تمهيدًا للمشاركة السياسية في الحياة السياسية الرسمية، فكيفت النص الديني ليتلاءم مع الواقع الجديد قبيل مشاركتها في الانتخابات وبعد وصولها للحكم. فحزب العدالة والتنمية المغربي الاخواني أكد على لسان رئيسه عبد الإله بنكيران في الرابع من الشهر الحالي بأن حزبه لا علاقة له بجماعة الإخوان المسلمين. وفي تونس، أعلن زعيم حزب النهضة الاخواني راشد الغنوشي في أيار تبرؤ حزبه من حركة الاخوان المسلمين الأم. وهذا بدوره يقودنا لنتيجة مفادها بأن هناك من يتعامل مع الأيديولوجيات على أنها ليست ثابتة وإنما متغيرة، فهي تعتبر وسيلة للحركات باختلاف أيديولوجيتها من أجل تحقيق غاياتها وأهدافها المتمثلة في الوصول للحكم. فبعض الحركات الإسلامية استغلت الأيديولوجيا من أجل الوصول للحكم ولكنها أدركت بعد توليها السلطة أن أيديولوجيتها لا تتساوق مع المطالب المحلية والإقليمية والدولية لذلك قررت التنازل والتخلي عنها من أجل بقائها في الحكم.

إن ثمة فهمًا خاطئًا لدى الكثير من أبناء الحركات المنبثقة من فكر أيديولوجي، تمثل في الخلط بين الاجتهاد في دائرة المسموح والاجتهاد الذي يتناقض مع المبادئ فيسارع الأتباع إلى تبرير كل اجتهاد سياسي حتى ولو كان في حقيقته متناقضًا مع ثوابت أيديولوجية ظلت علامة فارقة لتلك الجماعات. وهذا لا يدعو إلى الجمود الفكري، والإنغلاق، وإنما يدعو للتفريق بين الخروج على الجمود والخروج على الثوابت، وبالنظر إلى مسيرة العديد من الحركات الأيديولوجية نجد أن أغلب هذه الحركات قد وقع في شرك البراغماتية وشهوة الوصول إلى السلطة، مما حدا بالكثير منهم إلى الخروج على ثوابته الفكرية ومنظومته العقائدية تحت غطاء التعاطي مع متطلبات المرحلة، واغتنام الفرص المتاحة أمامها المتمثلة بضعف الحزب الحاكم وزيادة تأييدهها الشعبي.

وثبت بالوجه القاطع أن ما رددته العديد من الحركات الإسلامية على أنه ثوابت لا يمكن المساس بها أو الحياد عنها، أنها لم تعد كذلك، وإنما تم تطويعها وإعادة انتاجها من جديد لتتلاءم مع الواقع السياسي المتغير، بما يكفل لهم تحقيق مصالحهم الحزبية وتسهيل عملية وصولهم إلى سدة الحكم. وهذا ما وقعت به حركة حماس في تعاطيها مع الفرص السياسية المتاحة (الانتخابات التشريعية الثانية) حتى لو كان التعاطي على حساب ثوابت فكرية طالما نادت بها الحركة، وعابت على حركة فتح تنكّرها لها، ومخالفتها لبنودها (مقاطعتها للانتخابات التشريعية الأولى لأنها محكومة بسقف أوسلو).

فالأحزاب الاشتراكية الجديدة في غرب أوروبا كيّفت وتطوعت أيديولوجيتها من أجل مواكبة العصر، ومجاراة التغيرات المحيطة، فقد وجدت هذه الأحزاب (الإسباني والإيطالي والفرنسي) نفسها في ظل بيئة ديمقراطية فرضت عليها التغيير في أيديولوجيتها ورفض فكرة ديكتاتورية البوليتاريا في ظل دول تتبنى الحرية الفكرية والسياسية، فنلاحظ أن البيئة التي وجدت فيها هذه الأحزاب قد فرضت عليها نوعًا من أنواع التكيف حتى تستطيع الاستمرار، والتطور، والتقدم، ومواكبة الأحداث والوصول الى السلطة.

ويمكن تطبيق التحليل السابق على حالة بعض الحركات الإسلامية التي أدركت الفرص المتاحة أمامها والمتمثلة بانهيار الأنظمة السلطوية القائمة، أو انفتاحها للمشاركة السياسية، مما أدى إلى وصولها للحكم. ومن هنا بدأ التناقض الأيديولوجي يظهر في تصريحاتها وممارساتها، فكل ما كانت تحرمه وتعارضه وهي في صفوف المعارضة، أصبح عند وصولها للحكم حلالًا ومتاحًا، وحتى الفتاوى التي أصدرتها، وهي في صفوف المعارضة تناقض فتاويها وهي في السلطة، فقد مارست نفس سياسات الأنظمة السابقة لها، مستخدمة الأيديولوجيا الإسلامية كواجهة. ومن أبرز هذه الحركات حزب العدالة والتنمية في المغرب، وحركة النهضة في تونس، وحركة الإخوان المسلمين في مصر.

ونخلص في النهاية إلى أن الحركات الأيديولوجية باختلافها قد تقدم على التنازل عن أيديولوجيتها والتخلي عنها في سبيل وصولها للحكم في حال لم تنجح هذه الحركات بعد تطويعها وتكييفها لأيديولوجيتها في تحقيق أهدافها. وهذا يقودنا إلى سؤال وهو: هل ستقدم حركة حماس مستقبلًا على التبرؤ من جذورها الإخوانية كما فعل فرعي الإخوان في المغرب وتونس؟ 

اخر الأخبار