لماذا القرار الوطني الفلسطيني المستقل

تابعنا على:   00:53 2016-09-26

د. مازن صافي

تأسست حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" كحركة وطنية فلسطينية، في يناير1965، وقادت مسيرة النضال الوطني الفلسطيني طوال نصف قرن، وتسلحت بالتنوع والتعددية في المجتمع الفلسطيني، وابتعدت عن اعتناق أيدلوجيا محددة، وأعلنت أنها حركة وطنية ثورية مستقلة ولم تلتزم بنظرية سياسية محددة، بل كانت التقاء للكل الفلسطيني دون تفريق او تمييز في الديانة او الطوائف او الأيدلوجيا، ومن هنا أوجدت لنفسها كيانية ناجحة، وهذا هو سر البقاء لها بعد أكثر من نصف قرن.

وكانت مسيرة الحركة مليئة بالصعاب والتعقيدات وحتى المواجهة المباشرة، وعَبَرَت الكثير من المحطات والمنعطفات والمتغيرات، لتؤسس الكيان السياسي للكل الفلسطيني، وعالجت تداعيات كثير من هذه المنعطفات والتي أوجدت معارضة داخل الحركة نفسها، وفي كل مرة تثبت قيادة فتح صدق توجهاتها، التي سبقت مراحل التغيير العربي والإقليمي، وحتى الاجتماعي السريع في بنية المجتمع الفلسطيني وخصائص البنيان الاجتماعي للشتات الفلسطيني سواء في كل دول الشتات، وحافظت على توظيف التنظيم الحركي كمرجعية حركية ليكون الجامع لهذه الجاليات في الخارج، بالرغم من اختلاف الأمر عن سنوات الانطلاقة الأولى، وهذا ينطبق أيضاً على الوضع الداخلي لفتح في الداخل.

ومنذ الانطلاقة رفضت حركة فتح ان تُزج في أتون الخلافات العربية العربية/الدولية/الإقليمية أو تناقض النظريات السياسية، واعتبرت ان القضية الفلسطينية هي بوابة الوحدة العربية، وهذا ما أعلن بوضوح في كل مقررات المؤتمرات التي عقدتها فتح منذ انطلاقتها.

وبالرغم من تعقيدات الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي وتنوع الأساليب والأدوات التي واجهت بها قيادة الحركة والجماهير هذا المحتل، أوجدت ولادة حركة فتح داخل الدول العربية حساسية لتلك الدول تجاه المسارات التي دخلت فيها الحركة، لأن الأنظمة العربية رأت في انطلاقة حركة فتح بالكفاح المسلح محاولة لتوريط الأنظمة العربية في حرب مع (إسرائيل) هي غير مستعدة لها، لذلك حدث في بعض الفترات التصادم المباشر والعنيف، والبعض الآخر وجد أن أسهل الطرق أمامه هو طرد قيادة فتح من أراضيه وطال الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني هذا القرار في بعض الدول العربية، مما أوجد تحدي إضافي لقيادة المشروع الوطني، ولكن تم اجتيازه وإعادة ترتيب أوضاع الفلسطينيين ولاحقا ترتيب العلاقة مع بعض هذه الدول لأن فتح تؤمن أن الأمة العربية تتحمل مسؤولية عميقة تجاه الحق الفلسطيني واسترداد أراضيه ومقاومة المحتل الإسرائيلي.

ومن ناحية أخرى استطاعت "فتح" إبراز البعد الوطني في معركة الصراع مع المحتل، والصمود في معركة الدفاع عن استقلالية القرار الفلسطيني، رغم تأكيدها على بعدها الوطني والقومي في مواجهة العدو الإسرائيلي، إلا أن هذه التوجهات الوطنية والـتأكيد على القرار الوطني المستقل، لم يعجب كثير من الأنظمة العربية، التي حاولت الهيمنة والسيطرة على القرار الفلسطيني وكان هذا هو محور الخلاف الجوهري مع بعض الدول العربية، وتعززت مكانة منظمة التحرير الفلسطينية من خلال هذا القرار المستقل، وأصبحت فلسطين فوق خارطة العالم، وأصبحت قيادة "فتح" قادرة أن تعبر بسلام برغم الصعوبات الى محطات أخرى، فكان هذا السلاح هو الذي لا يقبل القسمة على المصالح ولا يمكن أن يرتهن لأي عاصمة مهما كان ثقلها أو موقفها، فان كان هناك ثوابت لم تتغير منذ الانطلاقة يعتبر التمسك بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل، هو عمود الخيمة لكل هذه الثوابت، فالأساليب النضالية تتغير، وحتى الأدوات يمكن أن تتحول وفق المتغيرات والقراءات المحلية والعربية والإقليمية والدولية ووفق عجلة التاريخ، ولكن القرار الفلسطيني هو المعنى الحقيقي للبندقية وللقرار السياسي وهو الروح الفتحاوية التي لا تفارق الجسد، فإن مات القرار مات الجسد ونزعت الروح.

وهذا القرار الوطني المستقل لا يباع او يشترى، لأنه أغلى من كل الأثمان، وهو المعنى الحقيقي للشخصية الفلسطينية المستقلة التي ترفض التبعية والوصاية، ولا يوجد أي تعارض او تقاطع مع الارتباط المصيري مع الدول العربية، بل هو الهوية الوطنية التي يجب أن يفتخر بها كل عربي وتتسلح بها كل العواصم وهي تحمل القضية الفلسطينية في أولويات حل الصراع العربي الإسرائيلي الممتد منذ قرن من الزمان، واحتلال الضفة والقطاع الذي شارف على الخمسين عاما.

لقد حققت حركة فتح للشعب الفلسطيني الانجازات الوطنية الكبيرة، ونقلته من مرحلة التغييب الى مرحلة القرار، ومن مرحلة النسيان الى مرحلة البقاء فوق الخارطة العربية والدولية، ومن مرحلة الضياع والتيه الى مرحلة الاستنهاض والوحدة، ومن مرحلة التشتت الى مرحلة الهوية الفلسطينية، وهذا كله لم يكن كما ذكرنا سهلا وميسورا، ومن أخطر ما واجهته هو التحدي الداخلي حيث الانشقاق 1983م، وكل مرحلة كان الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يدفع ثمنها، وكان دائما ثمن الصمود للقرار الوطني الفلسطيني المستقل باهظا، ولكن قادة الانشقاق ذهبوا الى النسيان وانتهى تأثيرهم بمجرد انشقاقهم، وهذا دليل على أن حركة فتح تبني الانسان وتمنحه الكيانية وليس العكس، فأي كان يفكر في أنه أكبر من الحركة أو قادر على الاستيلاء عليها سواء بقرار عربي او بمال او بنفوذ او باي قوى لن يصمد وسيكتشف أنه مهزوم امام شعبنا ولن يبقى معه الا قلة قليلة منتفعة وغير قادرة على صياغة برنامج وطني او قيادة الشعب الفلسطيني ..

اخر الأخبار