الدبلوماسية الفلسطينية بين الحاضر والماضي!

تابعنا على:   21:17 2016-09-25

م.زهير الشاعر

 في حوار خاص مع دنيا الوطن قال فاروق القدومي " أبو اللطف " وهو أحد القيادات التاريخية من الجيل المؤسس للثورة الفلسطينية في سياق حديثه عن الوضع الدبلوماسي الفلسطيني بأن جميع السفارات الفلسطينية بالخارج تحتاج لإصلاح شامل واحلال قيادات وطنية ثورية لاستلام هذه السفارات تتم عبر الكفاءة العلمية والوطنية والثورية وليس على أساس الواسطة والمحسوبية والشللية ، وأن يتم دراسة عمل هذه السفارات ومتابعتها بطريقة واعية ومراقبة إنجازاتها واتصالاتها وتأثيرها على الدول المقيمة فيها لا العكس، وان يكون هناك جهاز رقابة عامة على هذه السفارات لمحاسبتها في حال لم تفلح في أداء مهمتها أو مارست الفساد!.

كما بين أنه يجب ضرورة وضع ألية تعيين السفراء حيث أنه لابد من ان يمر بمراحل قبل أن يتبوأ هذه المكانة وليس مباشرةً!، لان هذا يخل بعمل السفير ومكانته الاعتبارية وقدرته على تنفيذ مهامه الوطنية والعملية المكلف بها!، معبراً بذلك عن عدم رضاه عن عمل وأداء وزير الخارجية الحالي د. رياض المالكي واتهمه بعدم السعي الى إصلاح السفارات.

المثير هنا بأنه أوضح بأن السفارات الفلسطينية في عهده كانت مختلفة تماما عن عهد وزير الخارجية الحالي د. رياض المالكي، حيث كانت السفارات والسفراء آنذاك من المؤمنين بالثورة!، متسائلا إن كان هذا الأمر يسري على السفارات الفلسطينية الان ام لا؟!.

وأعرب عن رؤيته بخصوص إصلاح هذه السفارات وذلك من خلال العمل على إنشاء مرجعيات كمعاهد دبلوماسية تكون مهمتها تأهيل الدبلوماسيين واختيار السفراء منها!، وكذلك تحديد استراتيجيات ودراسات ومهام السفارات والسفراء من خلال هذه المعاهد التي وصفها بالمدارس!، وذلك لاختيار كفاءات معينة لهذه السفارات!، وأوضح ان صورة الدبلوماسية الفلسطينية باتت امام العالم مشوهة مما أدى إلى تراجع الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية.

أتفق مع السيد فاروق القدومي ببعض ما تفضل به خلال حواره هذا وأختلف معه في جوانب أخرى كثيرة ، حيث أنني أعد من الذين عايشوا عن قرب فترة ما يقارب العشرين عاماً هذه الدبلوماسية ومكوناتها منذ أن كان هو يتولى مسؤولية الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تعج بالمحسوبيات ومبنية بكادرها على أسس غير مهنية ولا علمية ولا حتى انتماءات وطنية أو تمتع بمهارات ثورية، حيث أنها كانت تمثل بالنسبة للفلسطينيين بمثابة وزارة الخارجية لدولة فلسطين.

لذلك فإنني أجد أنه من غير المنصف أن أحمل وزير الخارجية الحالي د. رياض المالكي وزر هذا الوباء المستفحل من فساد غير مسبوق يجتاح الدبلوماسية الفلسطينية وجعلها تعاني هذا الوهن وهذا الضعف، بالرغم من اختلافي الجوهري معه حول طريقة أدائه المهنية التي اعتمدت صبغة الخصومة الفاجرة حتى يتمكن من فرض شخصيته في ورث موبوء وثقيل جداً عليه وأكبر من إمكانياته، بالرغم من أنه يملك طاقة هائلة للعمل!، وهذا في تقديري هو سبب تخبطه وعدم نضوجه في التعاطي مع المشكلات الداخلية لوزارته بما يليق مع مكانته الاعتبارية كونه يشغل واحد من أرفع المناصب الحكومية وأكثرها تأثيراً في أي حكومة فلسطينية!.

لا شك بأنني أتفق مع السيد القدومي حول مطالبته بضرورة توفير الضوابط والأليات الضرورية في اختيار السفراء وطريقة تأهيلهم مهنياً وثقافياً للتعاطي مع المتطلبات والتحديات التي تواجه القضية الوطنية.

هنا لابد من الإشارة إلى أنه يحسب لوزير الخارجية الفلسطيني الحالي د. رياض المالكي توفير عدد هائل من المنح التدريبية للكادر الديبلوماسي الفلسطيني سواء على مستوى دورات تدريبية أو دراسات عليا، وإنشاء مبنى عصري لوزارة الخارجية الفلسطينية يحاكي ما هو موجود في أرقى دول العالم، وذلك لإتاحة الفرصة أمام تأهيل الكادر الديبلوماسي الفلسطيني مهنياً وعلمياً في هذا المجال ، والذي لا شك أنه ينقص هذا التوجه تفاعل هذا الكادر وفهم الواجبات المنوطة به، بدلاً من حصرها في اللهاث وراء الدرجات الوظيفية والمكتسبات المادية!.

كما أنه أتاح الفرصة أمام تأهيل العديد من الشباب من أصحاب الفكر الجديد الذي يتلاءم مع متطلبات المرحلة علمياً بغض النظر عن قصده المهني الأمين أو غير ذلك!، وذلك لإحلالهم مكان أصحاب الخبرات الثورية المكتسبة الذين يعيب كثير منهم أنهم سخروا مناصبهم للاغتناء وجمع الثروات وتكديس الأموال على حساب واجباتهم بالاهتمام بالقضية الفلسطينية ومتطلباتها، والاعتماد فقط على شبكة علاقاتهم وصلاحياتهم المهنية وفطرتهم بالانتماء للوطن من خلال المفاهيم الثورية ، حيث أنه مما لا شك فيه بأن فكرهم هذا وأدائهم المهني الذي اعتمد على مهاراتهم في الفهلوة والتدليس بات لا يتناسب مع طبيعة المرحلة، مما خلق خللاً عميقاً بين مفاهيم الماضي في مجال الدبلوماسية الفلسطينية ومتطلبات حاضرها!.

من هنا لابد من طرح عدة أمثلة فاسدة أساءت للعمل الدبلوماسي الفلسطيني في الماضي وكانت نهجاً لما هو في الحاضر ولا يمكن إغفالها، حيث أنها تمت في زمن رئيس الدائرة السياسية أبو اللطف، وفي تقديري أنها تمثل النواة الحقيقية لهذا العفن المتراكم ومن ثم توريثه لوزراء الخارجية الفلسطينيين بالتتابع حتى الوصول لوزير الخارجية الحالي د. رياض المالكي الذين عابهم الفشل في معالجة هذا الأمر جذرياً لا بل غرقوا في وحله، ومنها سفير كان يعمل في إحدى الدول الأسيوية الصديقة تاريخياً للشعب الفلسطيني تم ضبطه وهو يهرب الذهب من خلال مطاراتها، كما أن ديبلوماسيين أخرين كانوا يهربون المخدرات والسجائر والمعسل ويعملون في مجالات مشبوهة كثيرة وصلت للحد الذي لا يطاق مهنياً ولا إنسانياً ولا وطنياً ولا اجتماعيا !، وهناك سفراء خدموا في دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية، تاجروا في الماس والذهب وغيرها الكثير الذي أسس لهذا الفساد الموروث!، أيضا هناك سفير عمل في أعظم دول العالم كان يستخدم سفارته للاسترزاق الأسري ويرفض أي موظفين أخرين معه لكتمان فشله وعدم كشف ضعفه المهني ، وذلك لضمان المحافظة على مصالحه الذاتية بعيداً عن المحاسبة، بطريقة مخجلة لا تمت للمهنية الدبلوماسية بصلة!، كما أن هناك سفراء سرقوا التبرعات التي قدمت للشعب الفلسطيني وغيرهم الكثير كأمثلة يندى لها الجبين!.

إن الواقع الدبلوماسي القائم حالياً يقول أن مفاهيم فترة الثورة قد انتهت، وبالتالي هناك حاجة مَلِحَة للاقتناع بأنه لابد من إتباع سياسة التدوير بمعايير تطال الكل بدون استثناءات، لكي لا يبقى السفراء أصحاب الفكرة الثورية جامدين في فكرهم ومتقوقعين على أنفسهم ومغلقين على ثقافتهم وفاقدي الثقة أمام متطلبات الانفتاح على الأخرين وإحجامهم عن التركيز في مهامهم وانشغالهم ببناء إمبراطوريات مالية تخصهم !، وبالتالي إغلاق الأبواب أمام إبداع وتقدم جيل الشباب المؤهلين علمياً وبحاجة للتأهيل مهنيا، بحجة أنهم قادمين من مدرسة ثورية ورثوها ولا يجوز الحياد، عنها وكأن شعبنا عاق يعاني قلة الرجال بدونهم! ، لذلك يكون هذا هو الفشل الحقيقي والفساد الذي أدى إلى هذا الحجم الكارثي الذي ورثه المالكي والذي يبدو بأنه استسلم امامه ولم يستطع تغييره وبالتالي استمر على نفس نهجه لا بل زاد تعمقاً في السير في طريقه لأنه لربما جاء بهدف ترسيخ عفنه وتعميقه!.

إنني على يقين بأن عدم القدرة على التمييز بين الفكر الثوري الموروث ومتطلبات بناء الدولة ، هو سبب الهزيمة المهنية للعمل الديبلوماسي لأنه لا زال يمثل فكر عنتريات غير مؤهل علمياً ولا يتمتع بالقدرة على التحول والتجديد والانخراط مع المحيط الثقافي مهما كانت تعقيداته، لذلك استمر في العيش أسيراً لفكرة لم تعد موجودة إلا في مخيلته وفي عقله الباطن!.

إن حقيقة صورة المشهد باتت تتحدث عن نفسها بوضوح ، حيث أنه بدواعي حرص أصحاب هذا الفكر على مكتسباتهم ومصالحهم ومنافعهم الذاتية، صبغوا هذا العمل بالشللية وبدأوا تطعيمه بالواسطة والمحسوبية وفرض أشخاص موالين وغير مؤهلين في نفس السياق، كما بدأوا منذ البداية حيث كان التعيين للسفراء حسب الانتماءات والولاءات ، جله للفاشلين في الجامعات وفاقدي القدرة على التمييز بين العمل الوطني الصحي والمفيد وبين العمل الأسير لرغبات عاطفية بحاجة لإثبات الذات بعد الفشل في مجال التعليم!، وكانت الكارثة التي تمثلت بالعمل على إقصاء المؤهلين علمياً أو دفعهم للإحجام عن العمل في هذا المجال لضمان إفساح الطريق أمام الغير مؤهلين ليحلوا مكانهم بالتزوير وممارسة العربدة والسلوك الهمجي الذي لا علاقة له بالانتماء الوطني!.

إن المشكلة الحقيقية التي تواجه هذا العمل الوطني تكمن في عدم الاستعداد للإيمان بالمتغيرات المحيطة ومتطلباتها والانفتاح على مواجهة تحدياتها وعدم الاستعداد للارتقاء بالوسائل الفكرية والعلمية والمهنية التي تتلاءم مع الأوساط المجتمعية التي تتعاطى معه، لا بل عدم القدرة على التحرر من العقد الموروثة والبقاء بدلاً من ذلك في محور الجمود الفكري ، وعدم الرغبة بالانفصال عن الماضي، والعجز عن محاولة التمييز بين المرحلة الثورية ومرحلة المشاركة في بناء الدولة!.

لذلك أجد أنه لكل مرحلة كبوتها والأساس هو أن لا نعفي أحد من تحمل مسؤولياته عن هذا الخلل، حيث أن السيد أبو اللطف الذي فاجئنا أخيراً بأنه ليس لديه مانع بأن يعود للوطن إن عرض عليه منصب الرئاسة بعد أن بلغ من العمر عتيا!، ورفاقه، هم جزء ممن يتحملون مسؤولية مساوئها منذ البداية بالرغم من أنني لا أعفي هنا د. رياض المالكي كوزير للخارجية في هذه المرحلة واقرانه الذين سبقوه في هذا المنصب، وذلك من تحمل المسؤولية الأخلاقية والمهنية، وهو الذي جاء من مدرسة تكنوقراطية كان بإمكانه التحرر من هذه العقد الموروثة وتحييدها أو الارتقاء بسلوك أصحابها للتحرر منها، وذلك بسلاسة بدلاً من العمل على تعميقها والغرق في وحلها والاستمرار في مستنقع نهجها والتورط في العمل على تفريغ مؤسساتها لحساب لون واحد من أبناء الشعب الفلسطيني بطريقة جغرافية مقيتة وغير وطنية ، مما جعل الدبلوماسي الفلسطيني يسير في الحاضر في طريق استكمال نهج الماضي إن لم يكن أسوأ منه وبدون أي فروقات جوهرية!.

تنويه : في تقديري أنه في ظل توارد الأخبار عن تزايد إقامة علاقات دبلوماسية بين دولة فلسطين والمزيد من دول العالم خاصة المجهولة منها!، لابد من الاستفادة من هذه المهارات النوعية في الاكتشافات واغتنام الفرصة بعد التقارير الإخبارية حول حقيقة الأطباق الطائرة والتي أشارت تلك الأخبار بأنها تتعلق بالحكومة السرية التي تحكم العالم، والذي يقال بأنها مقيمة في مثلث برمودا، وبالتالي من المفيد أن يتوجه د. رياض المالكي بطلب لزيارة هذا المثلث لكي يقيم علاقات دبلوماسية مع الحكومة السرية هناك! ، لربما أنه يجد لديهم دواء لعلاج الخرف المستفحل في المشهد الفلسطيني ، حيث أنه يقال بأنهم متقدمين علمياً عن الحكومات المعلنة بمائة عام!.

اخر الأخبار