أثر الانقلاب على الاسلام السياسي

تابعنا على:   02:17 2016-07-31

عمر حلمي الغول

الانقلاب التركي الفاشل على الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، طرح سؤالا هاما على المراقبين السياسيين: هل يعني الدعم الاميركي لقادة الانقلاب على النظام الاسلامي القائم في تركيا سقوط دور الاسلام السياسي في المخطط الاميركي ام هو تغيير في الاداة الاسلامية بما يتوافق ومصالح الولايات المتحدة الاميركية؟

مما لا شك فيه، ان الولايات المتحدة كانت تعلم بانقلاب الجيش على الرئيس اردوغان. ومن تابع من اللحظة الاولى تصريح رئيس الديبلوماسية الاميركية مساء الجمعة الموافق 15 تموز الحالي للصحفيين في موسكو وبعد الاعلان عن الانقلاب رسميا في وسائل الاعلام، شعر وأيقن ان أميركا على علاقة ما بالانقلابيين. لان جون كيري لم يفاجأ بالخبر اولا، وطلب من الانقلابيين حماية السلم الاهلي، وعدم ارتكاب اعمال غير إيجابية ثانيا. وهذا في علم السياسة، يعني الدعم غير المباشر للانقلابيين. أضف إلى ان مهاجمة الرئيس اردوغان ورئيس وزرائه، بن علي يلدريم للولايات المتحدة بشكل مباشر وغير مباشر عبر توجيه الاتهام للداعية الاسلامي، فتح الله غولن، ثم قطع الكهرباء واغلاق بوابات قاعدة انجيرليك، ولاحقا إقتحامها وتفتيش الطائرات فيها، ورد اردوغان على تصريح احد قادة الجيش الاميركي بشكل قاس اول امس، انما يشير بشكل واضح إلى ان القيادة السياسية التركية، تعتقد ان اميركا عميقة الصلة بالانقلاب، والتصعيد في حدة التصريحات بين الطرفين، والاعتقاد المؤكد، الذي اعلن عنه انصار غولن، من ان الادارة الاميركية لن تسلم زعيمهم الديني لاردوغان، رغم مطالبات القيادة التركية المتواتر لذلك، انما يكشف عن الشعور بالخيبة الاردوغانية من الموقف الاميركي, والاعتقاد بان اميركا تقف على مسافة ما من الانقلاب. ولعل التحسن الملحوظ في العلاقات الروسية التركية، والايرانية التركية وحتى السورية التركية (زيارة وفد تركي لسوريا) في الاونة الاخيرة، يعطي المراقب الحق في الاجتهاد، بأن النظام السياسي التركي، يريد إعادة ترتيب اوراقه بما يتناسب ومصالحه في اعقاب وضوح المشهد على مستوى العلاقات مع الحلفاء والاصدقاء في دول الاقليم وعلى المستوى الدولي بعد الانقلاب. والمعيار الاساس في إقتراب او ابتعاد تركيا من هذا القطب او تلك الدولة يعود لمدى إقترابه او ابتعاده من الانقلاب قبل اسبوعين.

نعود لجادة السؤال، من حيث المبدأ يمكن للمرء الافتراض، ان اميركا لم تسقط كليا من حسابها الاسلام السياسي، اي لم تسقط ورقة التنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين. لانها دعمت إنقلابا ذات وجهة إسلاموية. إنقلابا يقف خلفه فتح اله غولن. وهو الاسلامي الاكثر تشددا، ولكنه الاكثر إرتباطا بمصالح الولايات المتحدة. وبالتالي القراءة الموضوعية، تشير إلى ان الادارة الاميركية تلعب على تيارات الاسلام السياسي الاخواني بما يستجيب لمصالحها. خاصة وان نظام اردوغان شرع قبل الانقلاب بتجسير علاقاته مع الدول، التي تعطلت علاقاته معها في الشهور والسنوات الاخيرة، وخاصة روسيا الاتحادية وإيران وسوريا ومصر فضلا عن إسرائيل. وباستثناء دولة الاحتلال الاسرائيلية، فإن الخطوات الاردوغانية لم تكن تجد الرضى والقبول الاميركي، بل كانت محل ارتياب وإمتعاض. لان ذلك يؤثر على المخطط الاميركي الاسرائيلي الهادف لاعادة صياغة خارطة المنطقة في الدول العربية، التي تشهد منذ إندلاع شرارات الربيع العربي عام 2011 حراكا الهدف منه، تقسيم الدول العربية إلى دويلات دينية وطائفية ومذهبية واثنية.

ولكن في ضوء التطور الجاري في الساحات العربية وخاصة سوريا والعراق وليبيا، فإن إمكانية تخلي أميركا عن الاسلام السياسي الاخواني، هي إمكانية كبيرة. وهذا مرتبط بمدى نجاح او فشل الاسلام السياسي في تحقيق المشروع الاستراتيجي الاميركي الاسرائيلي. وبالتالي بقاء الدور او إنتفائه مرهون باستجابة تنظيم الاخوان المسلمين ومشتقاته من الجماعات التكفيرية المختلفة لتحقيق المخطط المذكور. وحتى العلاقات الروسية الاميركية بقاءها وصعودها وهبوطها مرتبط بنجاح المخطط الاميركي الاسرائيلي. فإن توافقت روسيا مع عملية التقسيم لسوريا وغيرها من الدول مقابل حصة معينة، فإن اميركا ستبقى على العلاقة معها. وان حصل تراجع كما تشهد الساحة السورية الان، فإن القيادة الاميركية ستنفض يدها من التعاون مع روسيا، وتبحث عن سيناريوهات اخرى تستجيب لاهدافها. 

اخر الأخبار