لماذا يجري "خلط الحابل بالنابل" ...؟؟

تابعنا على:   22:53 2016-07-23

راسم عبيدات

ما يجري من عمليات "خلط للحابل بالنابل" على رأي المأثور الشعبي،  في القضايا العربية والفلسطينية، لا يتم ولا يجري بصورة عبثية، بل يجري وفق خطط ومخططات ومشاريع تقودها جهات عربية واقليمية ودولية، وكل هذا المشاريع هدفها الأول تصفية القضية الفلسطينية، وفك وإعادة تركيب الجغرافيا العربية على تخوم المذهبية والطائفية وشيطنة قوى المقاومة نهجاً وثقافة وخياراً وتسفيه هذا الخيار، واعتبار من يقولون به او يعملون على تدعيمه او تسيده في المجتمع العربي مجموعة من المغامرين، او الذين يريدون خدمة اهداف واجندات تتعارض مع الأمن القومي العربي..؟؟، وكذلك خلق وعي عربي جديد، على غرار ما قام به الجنرال الأمريكي "دايتون" مع اجهزة الأمن الفلسطينية، بحيث يجري النظر الى اسرائيل كدولة صديقة في المنطقة، وبحيث تصبح مهمة تلك الأجهزة محاربة قوى المقاومة لأن ذلك يتعارض مع المصلحة وأمن الشعب الفلسطيني..؟؟.

ما يجري اليوم خطير جداً وليس فقط يهدف الى شرعنة التطبيع واعتبار القائمين على مناهضته، أناس يفتقدون لبعض النظر أو انهم يعملون لأهداف واجندات ومصالح خاصة او غير وطنية، والشيء الأخطر هنا عملية تطويع الوعي العربي عبر تشويهه من خلال مراكز بحث ودراسات عربية واوروبية وامريكية وإسرائيلية ، بالاضافة الى حملات موجهة اعلامياً وسياسيا ومخابراتياً، يضخ من خلالها مئات المليارات من الدولارات لهذه الغاية ولشراء الذمم بالجملة مؤسسات وجمعيات وقيادات دينية وحزبية وسياسية وثقافية , واكاديمية، وما يسمى بالنخب عزمي بشارة ومصطفى البكري وبرهان غليون وهيثم مناع وغيرهم نموذجاً..

ومن هنا نجد ان خيار المقاومة يتعرض لحالة من الذبح غير المسبوق، من خلال القول بعبثيته، وتشويه القوى والدول التي تتمسك به كخيار ونهج من اجل تحرير الأوطان العربية المحتلة، أو اعتباره الدعامة الرئيسية في الدفاع عن المصالح العربية وعن السيادة والأمن القومي العربي، والإستعاضة عن ذلك بإستدخال ثقافة الهزائم و"الإستنعاج" والترجي والإستجداء على عتبات المؤسسات الدولية والبيت الأبيض والعواصم الأوروبية الغربية، وحتى دولة الإحتلال الصهيوني، التي وجدنا العديد من الدول العربية وبالذات المشيخات النفطية والبترولية، أصبحت تجاهر بعلاقاتها العلنية معها، وتنقل تلك العلاقة من الجانب السري الى العلني، وما يترتب على ذلك من تنسيق وتعاون امني وعسكري واستخباري وسياسي،  يضاف لذلك التطبيع والتبادل التجاري والإقتصادي والدبلوماسي، وما يستتبع ذلك من حرف وتشويه لأسس وقواعد الصراع والمخاطر، بحيث تصبح اسرائيل ليست عدوة للعرب او هي التي تشكل مصدر خطر على وجودهم وامنهم القومي وخيراتهم وثرواتهم، بل وجدنا بأن دول المشيخات النفطية كجزء من دورها في المشاريع الإستعمارية للمنطقة، مشروع الفوضى الخلاقة وسايكس – بيكو الجديد، وظفت الفتن المذهبية والطائفية (سني- شيعي و مسلم- مسيحي) ونقلتها من المستوى الرسمي الى المستوى الشعبي، بحيث تصبح ايران هي "العدو المركزي للأمة العربية، وكل ما يتصل بها من محور مقاومة عربي او إسلامي، ولذلك وجدنا الإتهامات لإيران بانها فارسية ومجوسية ورافضية وطامعة في الوطن العربي، وحزب الله المقاوم أصبح حزب الشيطان وزعيمه المقاوم ليس بحسن نصر الله بل حسن اللات، وكذكل الرئيس الأسد اتهم بالعلوية والخضوع لإيران وبانه يذبح شعبه في إشارة الى تصديه ومقاومته للمشاريع المستهدفة الدولة والسلطة والجغرافيا والموقف وبنية الدولة السورية ومؤسساتها، وما طال الأسد طال جماعة انصار الله "الحوثيين" في اليمن، وأية قوة مقاومة عربية، تقول لاء للمشاريع الإستعمارية في المنطقة، او تدعو الى إحياء المشروع القومي العربي، وعدم التطبيع مع دولة الإحتلال الصهيوني.

اليوم نحن امام نقلة غير مسبوقة من السقوط والإنهيار والدفاع عن ذلك تحت حجج وذرائع واهية، لرتق ثوب العجز او لبقاء ورقة التوت ساترة للعورات، بان اللقاءات مع الإسرائيليين تستهدف شرح الموقف والرؤيا الفلسطينية لهم، وبأن ذلك شكل من أشكال النضال والإشتباك السياسي، بحيث يكون الطرف الفلسطيني هو العراب في التطبيع، ويعطي للواقفين على الدور من العرب الحجة والذريعة لشرعية وعلنية التطبيع مع المحتل، ولسان حالهم يقول ما دمتم قد ذهبتم كأعلى سلطة في المنظمة، اللجنة التنفيذية، لكي تشتبكوا "سياسياً" مع اسرائيل في مؤتمر هرتسيليا، هذا المؤتمر الذي يرسم الإستراتيجيات حول المخاطر المحدقة بدولة الإحتلال، والذي حضوره يشكل نوعاً من انواع العمى السياسي بإمتياز، فإن من حق اللواء السعودي المتقاعد انور عشقي مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية زيارة اسرائيل والإلتقاء بعدد من اعضاء " الكنيست" الصهيوني وبحضور ممثل عن السلطة اللواء جبريل الرجوب، تلك الزيارة التي أتت في ذكري ثورة 23 يوليو المصرية بقيادة عبد الناصر، لكي تقول بنهاية حقبة المقاومة ورفض الإعتراف بوجود اسرائيل، وكذلك من اجل نقاش المبادرة العربية، التي ترى اسرائيل ونتنياهو، ان الإيجابي فيها هو التطبيع العربي مع اسرائيل كأولوية على الإنسحاب من أية أراضي فلسطينية محتلة.

ما يجري من عملية "خلط للحابل بالنابل" في قضايا جوهرية واستراتيجية تمس جوهر الوجود والأمن القومي العربي والقضية الفلسطينية، أسس وقواعد الصراع، التطبيع مع دولة الإحتلال والإعتراف بها، المخاطر المحدقة بالأمة العربية وامنها، تصفية القضية الفلسطينية وجوهرها قضية اللاجئين، الهجوم الشرس على قوى المقاومة وغيرها، كلها قضايا تدار من قبل نخب سياسية امري – صهيونية وبمشاركة قوى عربية وإقليمية ودولية، تهدف الى شرعنة دولة الإحتلال في المنطقة، واعتبارها القوة المركزية المتحكمة بأمن الدويلات العربية المجزأة والمنشطرة والمسيطرة على ثروتها وخيراتها، مترافق ذلك مع ضمان إحتجاز تطور كامل المنطقة العربية لمئة عام قادمة مقسمة ومفتتة على تخوم المذهبية والطائفية، مع خضوع تام لأمريكا والقوى الإستعمارية الغربية، عبر سايكس- بيكو جديد.

اخر الأخبار