ميلاد (د. إيهاب بسيسو)

تابعنا على:   21:38 2016-05-27

 انا ابن موتي في صباح غائم شقت فيه القذيفة جدار الببت

فولدت من دم على فراش ازرق

وصرخت جرحا خرجت منه الاف اللعنات

كمقاتلين انطلقوا في الأزقة

مدججبن ببنادق عتيقة ...

وغضب ...

 

حبوت نحو النافذة

علني أرى الضوء ملاكا الهيا يمد إلي يدا من حياة

فأنهض على قدمين

كطفل اعتاد أبواه على اصطحابه كل صباح الى المدرسة

حيث معلمة الرياضيات الأنيقة تبدا حصتها الأولى بسؤال عن عدد التفاحات في سلة قروية جاءت الى السوق فباعت رجلا بشاربين رطلا من سلتها

وجلست تغني ...

كم عدد التفاحات المتبقيات في السلة؟

تسأل ...

وأسأل عن مصير الرجل ذو الشاربين

هل كان فلسطينيا مثلنا ...

هل عاد الى البيت؟ ...

 

أنهض من جرح

أترنح ...

أتبع خطوات شاب في الطريق نحو الجامعة ...

أدقق في صورة الطالب الباحث عن هوية البلاد في التاريخ والعمارة، الطالب الذي سرقته حكاية الوقت إلى حيلة الأمكنة فذهب في تأويل حكايات البحر والبئر حيث الوقت قصائد تتشكل وجوها تطل من صور الماء ...

كوجوه تعيد سرد الحكايات من المرايا ...

والذاكرة ...

 

انا ابن موتي

أجمع جسدي على طرف أريكة ككهل وقع من سنواته السبعين على صمت غامض ...

أذكر أمي ...

فتاة في مقتبل العمر تطل من الأمس بوجه يضحك للغد ...

تحمل رضيعا وتقف أمام البحر، تناجي السماء أن يحفظه من شرور الصخب والدم ...

وأذكر ابناء لم يولدوا من حلمي بالعائلة والبيت ...

 

اغفو ...

انام ...

اهذي قليلا ...

اصرخ باسم سيليفيا بلاث

لا تجعلي العزلة سما في عروق الوقت ...

 

أهذي ...

أرى كتبي تحترق ...

ونساء الروايات يخرجن من بقايا الصفحات شبه عرايا ...

كما المدن في الحروب ...

أتعثر بين الجثث ...

وانا أجمع بقايا الأجساد المحترقة ...

تلك اليد

يدي

من ألقاها هناك بالقرب من سيرفانتس؟ ...

 

وجع يعوي

كذئب يلتهمني على مهل ...

اهذي ...

يتراجع وجع الجرح في صدري ...

تتلاشى الذاكرة رويدا رويدا

كوجه فتاة غجرية يبتلعها ضباب كثيف في الشتاء ...

يتسلل الأبيض

كدخان قنبلة غاز أطلقها الجنود في قرية النبي صالح

أو بلعين ...

ذلك الأبيض الوحشي

الخانق ...

المتفجر صراخا ودموع ...

لم أعد أرى شيئا ...

كأن يدا تدفعني مجددا إلى النوم، كطفل منسي في الحريق أعياه الصراخ

والجوع ...

وصخب العتمة ...

 

اغفو ...

انام ...

في النوم ...

ارى الميلاد، ميلادي وقتا ينبت من دم وقذيفة

مرتبكا كموج يحمل قارب مهاجرين الى احتمال يابسة

وغرق ...

اشعر بعطش مفاجئ، رغبة حادة في الصراخ ...

غير أن فمي لم يعد لي ...

كأنه ذاب في بقايا دمع ودم ابتلعه البحر مع قصص المهاجرين ...

 

هناك في الدقيقة الخارجة من سيرة مهاجر ترك وراءه زقاقا ونافذة وغرفة في بيت في مدينة بعيدة ...

وطاولة للكتابة، وكتبا عتيقة ...

اعيد اكتشاف ميلادي مرة أخرى من صورة مهملة في جيب سترته الداخلي لعائلة كانت ذات صباح غائم قبل القذيفة تبتسم لميلاد جديد ...

كانها صورة مقتطعة من مشهد مألوف ...

صوت قارئ يمر على الأسماء كما تمر الترجمة في فيلم وثائقي عن حرب بعيدة ...

أسمع اسمي يردده المذيع مع آخرين

ولا اعرف ان كنت انا من أنجبته الحرب في صباح غائم ...

لاولد من موتي ...

أم كنت غيري في ميلاد عابر .

اخر الأخبار