القيادة بلا سياسة

تابعنا على:   11:24 2016-05-26

كريمة كمال

صرح محافظ الإسكندرية منذ عدة أيام قائلا «مصر فى بداية الإصلاح، وهتبقى أعظم دولة غصب عن الكل».

مثل هذا التصريح يكشف عن العقلية التى تدير مصر الآن سواء بطريقة «كايدة العزال أنا من يومى» التى ينتهجها محافظ الإسكندرية وغيره من المسؤولين والإعلاميين المحسوبين على الدولة أو التى تنتهجها المواقع الإلكترونية والصفحات التى تروّج لنفس المنطق والتى تسعى من ناحية أخرى لتشويه أى ناقد أو مختلف فى الرأى بسلسلة من الاتهامات تبدأ بالخيانة والعمالة ولا تنتهى بالتمويل أو بقصص المؤامرات الخفية.

أتعجب بشدة ممن يستجيبون لمحاولات تشويه بعض الرموز بواسطة اللجان الإلكترونية على الإنترنت ليس لأن العديد من هؤلاء ينتمون للمتعلمين، بل إن البعض منهم ينتمى لما يمكن أن يعتبروا المثقفين ومع ذلك يقبلون بشدة الانصياع لمحاولات تشويه البعض من باب إحساسهم المفرط بالوطنية، وتصنيف هؤلاء الرموز بالخيانة والعمالة يلقى هوى فى نفوسهم لتمرير كل ما لا يجب أن يمر مما يرتكب الآن باسم الوطنية والدفاع عن الدولة.

من يتعامل مع مواقع التواصل يتعلم تدريجيا أن يشك فى صحة أى شىء حتى يتأكد منه بإرجاعه إلى مصدره والتأكد من مصداقية هذا المصدر وموضوعيته.. بينما نجد أنفسنا أمام صفحات تنتحل لنفسها أسماء وطنية سواء بالانتماء لمؤسسات الدولة الوطنية من شرطة أو جيش أو بانتحال صفة المدافع عن الدولة بأسماء مختلقة، المهم أنها كلها سواء كانت تنتمى لهذه المؤسسات أو لا تنتمى وسواء كانت تستعمل اسمها بعلم منها أو بدون علم إلا أننا أمام حالة من الإفراط فى مثل هذه المواقع التى مهمتها الأولى والأخيرة تشويه أى من المختلفين مع الدولة فى وجهة النظر أو المنتقدين للعديد من التجاوزات التى تحدث، والغريب أن هذه المواقع والصفحات تستهدف بالتشويه ليس فقط رموز يناير بل كل من تسول له نفسه الاعتراض، وتدافع عن وجهة نظر الدولة بقصص مفبركة يمكن لأى طفل عاقل كشفها، بينما هؤلاء الذين يصدقونها لا يُعمِلون العقل ولو قليلا ليس لأنهم غير عاقلين ولكن لأنهم يريدون أن يصدقوا مثل هذا الهراء وهذا التشويه.

المشكلة ليست فقط فيمن يصدق التزييف ولكن المشكلة الكبرى هى فيمن يستمر فى هذا التزييف، فالتاريخ يدلل دائما على أن التزييف يأتى يوم ما ويتم فضحه وكشفه، والأهم أنك لا تستطيع أن تعتمد على الكذب والتزييف لقيادة شعب وإقناعه بسياسات ما، فالحقائق تكشف عن نفسها مهما تم إخفاؤها وصدمة معرفة الحقيقة متأخرا أكبر كثيرا من مواجهة الحقيقة وقت حدوثها.

الاعتماد على شحن المشاعر الوطنية وتقسيم الوطن إلى فسطاطين فسطاط الوطنيين وفسطاط الخونة لا يبنى دولة بل لا يجعل دولة فى وضع مصر تواجه تحدياتها الخطيرة، خاصة إذا ما كانت هذه التحديات فى سبيلها للازدياد، خاصة مع تفاقم الوضع الاقتصادى.. الاعتماد على بعض الأبواق المكارثية فى الإعلام إلى جانب اللجان الإلكترونية لن يفعل شيئا سوى ترحيل الحقيقة للحظة مواجهة تالية لكنها قادمة لا محالة.. كسب الوقت لا يجدى بل إنه يجعل اكتشاف الحقيقة أكثر مرارة بل أكثر خطورة.

التزييف والتشويه لا يفعلان شيئا سوى خداع الناس، والمشكلة هنا أن كثيرا من هؤلاء الناس يقبلون هذا الخداع بل يسعون إليه خوفا من المجهول.. لكن كل هذه مجرد حلول وقتية لا تستطيع أن تصمد طويلا، فما هو العمل عندما تنهار كل هذه الحلول عندما تتضح الحقائق الواحدة تلو الأخرى؟

الصراخ والاتهامات بالعمالة والخيانة والتلويح بالانتقام كل ذلك لا يخفى الحقيقة، وهى أنه لا توجد وسيلة سياسية لقيادة هذه الأمة وأن كل هذه وسائل مقضىّ عليها بالفشل، ببساطة لأنها مفتعلة ولأنها لا تسعى سوى لنشر الخوف، والخوف لا يصنع أمة، ما بالك أن يقيم أمة من عثرتها.

عن المصري اليوم

اخر الأخبار