إنقلاب القصر على حلفائه

تابعنا على:   03:05 2016-05-25

عمر حلمي الغول

عقد المؤتمر الاستثنائي الثاني لحزب العدالة والتنمية الاحد الموافق ال22 من أيار الحالي بسلاسة، وتم انتخاب بن علي يلدرم رئيسا للحزب وفق رغبة وتوجهات القائد الاوحد لتركيا اليوم، رجب طيب اردوغان. وهو ما يعني، اولا التخلص من آخر الشركاء او آخر العنقود من بين حلفاء الامس، احمد داود اوغلو؛ ثانيا التمهيد الفعلي للانتقال للنظام الرئاسي، وفق مشيئة الخليفة العثماني الجديد، الذي اعلن في اعقاب انتخابات حزيران/يونيو 2015، التي حالت دون تمكن الحزب من تشكيل حكومة لوحده، وتحديدا في 15 آب/اغسطس الماضي ردا على رئيس وزرائه السابق داود اوغلو، الذي اعتبر ان الشعب لم يمنح حزبه "الحق في تغيير الدستور. فقال " الرئيس التركي التزم بالدستور الحالي، ولكن عليه عمل التغييرات، التي تلبي رغبات الشعب (اي رغباته) الذي منحه اصواته."

لم يبق الرئيس الخليفة أحدا من حلفاء الامس المؤسسين للحزب. ازاح من طريق زعامته كل الحلفاء دون ان ترف له جفن. ووفق قراءات بعض اصحاب الرأي الاتراك، فإن اردوغان عمل وفق منطق السلطان محمد الفاتح، الذي قتل إخوته حتى لا تكون فتنة الزعامة. ذات العقلية انتهجها الخليفة العثماني الجديد بتصفية رفاق دربه، وهم: اورنيتش، فتح الله كولن، عبد الله غول .. إلخ من القائمة الطويلة. وباخراج منظر العثمانية الجديدة من رئاسة الحزب والحكومة، احمد داود اوغلو، يكون الضحية الاخيرة، لانه الاخير من فريق المؤسسين. ولم يبق إلآ الزعيم الاوحد، الذي يختزل في شخصه مكونات تركيا المعاصرة، الحزب والحكومة والنظام السياسي والوطن، ليس هذا فحسب، بل يمتد خياله لكل الشعوب الاسلامية.

لكن السؤال الاهم لداود اوغلو، هل يملك الجرأة والشجاعة ليطرح على نفسه أين شعاراته ومبادئه وأبرزها "تصفير المشاكل"؟ وألم تذهب تنظيراته إلى "تصفير وشطب العلاقات الداخلية بين من نظر له وبينه وبين حلفائهما السابقين؟ والم يكن شريكا مع من ادار له الظهر في "الانقلاب" على اصدقاء واعمدة الامس؟ والم يدرك، ان تغول النزعات السلطوية عند زعيم العدالة والتنمية، ستطيح به؟

من راقب الطريقة، التي صفى بها اردوغان حليفه الاوثق عبدالله غول وقبله فتح الله كولن، الذي شكل الرافعة الاهم للحزب، يدرك انه لن يوفر احدا يمكن ان يرفض له رأيا. فبعد انتخابه مباشرة في موقع الرئاسة في العاشر من آب 2014، اخذ قرارا باخراج غول من الحياة السياسية كلها، وتمثل ذلك بعقد مؤتمر الحزب يوم 27 آب 2014، اي قبل يوم واحد فقط من إنتهاء ولاية غول الرئاسية، فاحال قانونيا دون مشاركته في المؤتمر، وبالتالي قطع الطريق على عودته للحزب او الحكومة. وسلم الراية آنذاك لاحمد داود اوغلو بقيادة المرحلة التي انتهت قبل ثلاثة ايام.

ستة عشر شهرا قضاها آخر حلفاء الامس في رئاسة الحزب والحكومة، كانت كافية لتعمق التناقضات بين الرجلين، والحؤول دون بقائه في مركز القرار. ستة محطات ضاعفت من حدة الخلافات بين اردوغان واوغلو، الاولى كانت ترشيح هاكان فيدان، رئيس جهاز الاستخبارات للانتخابات البرلمانية، التي رفضها الرئيس الخليفة؛ الثانية عملية السلام بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، التي رفضها ايضا زعيم البلاد؛ الثالثة رفضه تشكيل اي حكومة إئتلافية بعكس اوغلو، الذي تبنى الخيار، وحسمها اردوغان بالدعوة للانتخابات المبكرة مطلع نوفمبر الماضي؛ الرابعة الاختلاف في فهم النظام الرئاسي، وإعتراض اوغلو على خيار الرئيس اردوغان؛ الخامسة سحب صلاحيات زعيم الحزب رئيس الحكومة من تعيين مسؤولي الحزب في الاقاليم؛ السادسة اعتقال الاكاديميين، التي رفضها رئيس الحكومة السابق واصر عليها الرئيس الزعيم. بالاضافة للتناقض حول حرية الرأي والتعبير، التي حرص اوغلو على حمايتها، لكن الخليفة رفضها، وايضا رفع الحصانة عن النواب المؤيدين للاكراد.

لم يبق مع اردوغان سوى مجموعة من رجال الاعمال والموظفين، لانه انقلب على حلفاء الامس جميعا. ولم يتسع صدره لاي مساحة من التباين او الاختلاف مع اصقائه. والنتيجة ذهاب تركيا الى السلطة المطلقة وتسييد منطق الرجل النظام، وهي من علائم الديكتاتورية، التي بالضرور ستطيح بحكم العدالة والتنمية في قادم الايام.

[email protected]

[email protected]      

اخر الأخبار