سباتٌ بصريّ

تابعنا على:   18:32 2016-05-02

نادين فراس ياغي

أغلق عيناي طرباً على صوت وجعي الصّدّاح..فتتلاشى سطور الماضي في تلاليف الظلام، ويذوي قلبي غريقا في مداد طيف الكلام.. أغلق عيناي ضنكاً فقد جافتني الأحلام وربضت في تجاعيد النجوم التي تدنّس حُرمة سواد الليل..أغلق عيناي هرباً من الأمواج التي ماجت تمرداً لتدمر قصور الأوهام التي شيّدتها على رمال الطّفولة..

أيعقل انّ بصري قد صار مارقاً على دين الحواسّ، أيعقل ان عيناي قد غدرت به وسلّمته الى مشنقة الاعدام؟ ايعقل ان أصبح كالأعمى الذي يذرف دموع الشجن كلّما شهق المحاق متحسّرا على نكبته يوم غاضت الشمس ابتسامتها عنه.. كالشمعة التي وهبت نفسها لشغف النيران، فأحرقتها وسلبت منها شموخها وتركتها وضيعةً تحصحص في ذكرى ما كانت عليه يوما من زهو ورفعة.. كالطفل الذي غصبه رحم الحياة الى الدنيا، فاقتاتت قسوة الايام على نعومة ملامحه البريئة، وكبر ليجد وجهه قد تغضّن وتعفّن.. كالاسير الذي انكفأت عنه الحرّيّة التي قد تلهّف للقائها يوم ما كانت الوطنيّة تأمر أولادها بالبرّ بها وطاعتها..

ايعقل ان سمائي التي كانت ولائم الغيوم عنوانا لكرمها قد اصبحت وهّاجة بعروقي التي تنزف بقايا الروح من هذا الجسد الهامد.. ايعقل ان أوراق شجرة السنديان التي كانت تظلّل مكنونات نفسي المضطربة، وتهفهف منتشيةً بوعد الفرح الذي يتراقص به النسيم حولها قد سقطت بعد أن اغتصبها جفاف العاطفة.. ايعقل ان الجسد قد أوناه خبلُ الروح فما عاد قادرا على مجاراة شرّها، فقرّر ان يحرمها من البصر لعلها تتواني في ضلالها وبطشها له ولو قليلا.. ايعقل اني لا ذاك الجسد العطب ولا تلك الروح المرهقة، وانما فراغٌ وسطيٌّ ما بين كارثتيهما..ضحيّة بلا ارادة.. ايعقل اني لا ظلاما ولا نورا..لا حقيقةً ولا سرابا..لا قلبا ولا عقلا..لا حاضرا ولا غيبا..وان وجودي ليس سوى وهما في عدم الوجود، وان عدم وجودي خرافةً من حكايات الوجود..

ايعقل انّي انعكاس المرآة وان المرآة تخفي سرّ حقيقتي في مكان بعيد لن استطيع فهم خريطته الا اذا توّحدت لغة الجسد بلغة الروح؟ ايعقل باني العنصر المفقود للترياق الذي يخلق من تضادّها انسجاماً.. هل ركعت جفوني للظلام المطلق طوعا وليس قسرا لعلي أبصر..لعلي أرى فعلا.. ايعقل ان الجواب والسؤال كيانا واحدا وبأني انا ذاك الكيان؟ ايعقل ان اكون ولا اكون معا حتى اكون! ان الحياة هي روحا للموت وان الموت جسدا للحياة!

امتطت انفاسي خيل الاعصار..وبدأت افكاري بالعويل وانا اسلّم جثمانها لقبر الصمت..ارتمى الزمان خائفا في احضان المكان..وتوقفت الارض عن الدوران..تجلّت قوانين الطبيعة في واحة العدم..واصطفّت النجوم جيشا لنصرة ثورة القمر على حكم الشمس..نظرت الحياة في عيني التي تترأس مملكة الشرق..وتأمل الموت في عيني التي تزيّن رموشها بصولجان الغرب..ابصرت نفسي نفسها في انعكاس ابتسامتي التي كنت قد مزّقتها وظننت بأني قد شوّهتها للأبد.. وفي تلك اللحظة المعجونة بصلصال المعجزات..وبعد سنين من انحجاب الرؤية..رأيت!

اخر الأخبار