محمد عمر يوسف القراعين قراءة في رواية برج اللقلق

تابعنا على:   13:35 2016-04-29

صدرت رواية برج اللقلق للأديبة المقدسية ديمة السمان عن مكتبة كل شيء الحيفاوية هذا العام 2016، وتقع الرواية التي صمّم غلافها شربل الياس في 466 صفحة من الحجم المتوسط.

هناك من يقول " إن الرواية أسلوب حديث، مركبة سهلة القيادة، تتحرك في كل مكان وتصل مختلف أطياف القراء، وهي أداة مثالية للتثقيف والتسلية". فإذا خلت الرواية من التشويق، فإنها لا تشد القارئ لمتابعة ما يزيد على أربعمائة وخمسين صفحة.

هذا ما فعلته الأديبة ديمة السمان في روايتها برج اللقلق، حيث ربطت بشكل مشوق بين موهبة الروائي بالمؤرخ، والعقلاني بالخرافات، بادئة بمجموعة من الخراريف عن الجن، وبَرَكة الأولياء الصالحين، متمثلة بالشيخ علي الذي وفد مع جند صلاح الدين، واستشهد واعتبر وليا أو شفيعا للحي، يُدخله الناس في أمور حياتهم، بمحض إرادتهم وتخيلاتهم، التي تمثل عجزهم وضعفهم أمام الأحداث وقلة حيلتهم؛ يُنار مقامه بقنديل من الزيت ليكسب الناس بركته، ويتجنبون عقابه، والويل إذا هبت نسمة من الريح لتطفئ السراج. هذا بالإضافة إلى التعويل على الملائكة في الدفاع عن المدينة، وسلبية الناس والتسليم لظلم السلطة التركية، حيث يتركون الأرض وزراعتها لأنهم لا يريدون تسليم منتوجاتهم للأتراك القساة. كان ذلك واقع الحال في حارة برج اللقلق، إحدى حارات البلدة القديمة الهامة، التي تمثل الوضع في مدينة القدس، وخاصة للعامة من الشعب، الذين يكسبون رزقهم بعرق جبينهم.

قصة الرواية تشمل قرنا من الزمن منذ نهاية العهد التركي الذي شهد ضعف الخلافة العثمانية، التي أصبحت رجل أوربا المريض، وقد أظهرت الرواية ذلك بضعف الأمن في أطراف الدولة، والقدس جزء من هذه الأطراف. فترك خارج السور ساحة لعصابة الشبح الأبيض، التي سيطرت على الهيدمية خارج باب الساهرة، وسرحت الضباع تنبش قبور الموتى. لم تكن معيشة الناس أفضل حالا من أمنها، إذ عمت المجاعة، فلم يجد الناس ما يقتاتون به، والمحظوظ من التقط قشرة برتقالة سقطت من يد أحد جنود السلطنة، الذين عانوا من المجاعة أيضا.

تستمر الرواية في سرد الأحداث، التي تصف حالة البلاد والعباد، مارة بالثورة العربية الكبرى وترحيب الناس بها، ومقارعة الانتداب البريطاني على فلسطين، في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي منتهية باحداث مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، مركزة على نضال الشباب، ودورهم في كشف العملاء الذين يغريهم الاحتلال بالمال لتسريب الأراضي والعقارات. لذلك فإنني أعتبر الرواية شاهدة على فترة تاريخية في فلسطين، شدتني بأسلوبها الغني بالتناقضات بين الأبطال؛ وتتشابه مع اختلاف التفاصيل مع روايتين تاريخيتين قرأتهما للروائي اللبناني أمين معلوف مترجمة عن الفرنسية،الأولى تتحدث عن الوضع في المغرب العربي بعد سقوط الأندلس، والثانية عن الحال في المشرق أيام السلاجقة.

البطل الرئيسي للرواية عبد الجبار حفيد الشيخ علي، وهو شيخ شباب برج اللقلق، قبضاي يهابه ويحترمه الجميع، أبي النفس مهما ضاقت الدنيا التي طوحت به، لا يقبل المهانة أو أن يأخذ من أهل الخير، ولا يبيع مصاغ زوجته، أو أن يقبل حصة من جماعته كزعيم لهم كما تشير زوجته، يركب المهالك للحصول على لقمة عيش كريم، يوجه الناس عن وعي أيام المجاعة للذهاب إلى بيوت الأسياد والأغنياء، المملوءة بالطعام، فتبدأ ثورة الجياع؛ لا يهتم بالخرافات مع أن أهل الحي يحاولون إلصاق بعض الكرامات به، مثل شفاء المرضى التي ينفيها، ولا يشجع إشاعة أن الملائكة ستحارب وتدافع عن المدينة. في المهمات يحمل السلاح للدفاع عن الوطن هو وابنه، ويضرب المثل الطيب لأحفاده، فيكونون خير خلف لخير سلف، يشاركون في النضال السياسي الذي تطور في زمانهم.

زوجته نفيسة من عائلة عريقة أيضا ذكية وعاقلة، ولكنها تختلف عنه بطبيعتها كأم، كونها لا تؤمن بإيثار الغير، بالتفريط بما لديها من مؤن ضرورية لإطعام أبنائها، فيما هو حساس تجاه جيرانه المحتاجين، وتحمل على الشيخ علي، الذي كان يحرض زوجها عليها، حتى وصل الأمر إلى حالة الطلاق بينهما، وهي تورث الزعامة النسوية لحفيدتها نفيسة، التي تقتل ابنها ليث، عندما شكت بعمالته مع العدو، فتضرب مثلا بالوطنية وخاصة بعد استشهادها.

في الرواية أبطال آخرون، أصدقاء عبد الجبار، يضيفون لونا وطعما على الحوارات، وهم زعماء حاراتهم، مثل أبو الطاهر المتعصب لدينه وعروبته بشكل أعمى، فيما أبو رعد يشك في كل شيء، ويضرب مثلا شعبيا تأييدا لتشاؤمه، يستقي معلوماته من زبائنه المتعلمين مثل الأستاذ حيدر وفضل الله الشيوعي، اللذين يطعن بمصداقيتهما رفيقاه عبد الجبار وأبو الطاهر، وينعتانهما بالجواسيس.

تتعرض الرواية لعادات كانت موجودة في ذلك الزمن، مثل الزواج التقليدي وزواج البدل، كمجرد ظاهرة في المجتمع، كما تبين التغييرات التي أحدثها دخول الأدوات الجديدة في الاستعمال المنزلي، مثل وابور الكاز وصوبا الكاز للتدفئة والطبخ، مما أثر على تجارة الحطب والفحم التي كسدت نوعا ما، وأدى ذلك بدوره إلى تطوير في الحرف السائدة.

أما من ناحية الفن الروائي والحوارات والأمثال الشعبية والمكان، التي تضفي جوا إيجابيا على الرواية، فإنني أترك ذلك للضالعين في هذه الناحية الأدبية وتقديره، مكتفيا بما أثار إعجابي في الرواية.

اخر الأخبار