المطلوب لا تقعيراً ولا تحديباً

تابعنا على:   12:14 2016-02-13

مروان صباح

في الماضي القريب كان ممارسة العيب منحصر بين الكبار ،فقط ، حيث يقال للشاب بهدف التربية ،لا تدخن لا تجلس في المقهى لا تتأخر في السهرة ، بينما الكبار يفعلون كل ما كانوا ينهوا عنه الصغار ، طبعاً ،بحجة أن هذه الأفعال ، عيب ،لا يصنعها سوى طاعن في العمر ، إلا أن ،الأيام تسارعت وسجلت اختلافاً عميقاً ، ليصبح حال الكبار لا يحسد عليه ، فاليوم ، نجد أن الواقع تغيير وأصبحوا الشباب ، ذكور وإناث يمارسون عيب الماضي بشكل مضاعف ، مقابل ،تواري قهري للكبار ،بالتأكيد ،لم تكن تلك النقلة ارتقاء بالإنسان ،أو أنها إشباع للغرائز ،تحولت مع مرور الوقت ، بفضل صعود الوعي ، كما يعتقد البعض ، إلى مساءلات ، الهدف منها التمييز بين التربية والنهي الأخرق .
ينطلق نهي الشباب اليوم للكبار من منطقة تختلف كلياً عن ذاك النهي التقليدي ،حيث ،استبدلت فئة الشباب ، مصطلح العيب ، بأخر ، شايب وعايب ، أي أن السن هو المحرك لأي تقيم ، وليس بالطبع ،الأخلاق أو التربويات ، وقد عبرت أغنية ، الأساتوك ده ،عنه بشكل فاضح ، وبمقدار عال الأسلوبية ،حيث جاءت على هذا النحو / عيب عليك في السن ده / يطلع منك كل ده / آيه يا كازانوفاه / آيه اللي انت لابسه ده ، كأن النهج الفصامي عند الكبار سابقاً ، ومن خلال نظرتهم للواقع والعلاقة المتبادلة بينهم وبين المحيطين بهم ، أدى إلى أمرين ، الأول ، أن الأغلبية العظمى ، توارت خلف الخوف ، فأصبحت حبيسة احتكار ماضيها للعيب وغير قادرة على الاستمرار في ممارسة ، نهى الآخرين وفعل ما تنهي عنه ، في مقابل ،قلة تمارس العيب بفجاجة ، لكنها كما وصفتها الأغنية / أيه يا أبو شعر شائب ده / آيه يا كبير وعايب ده / آيه زمن العجائب ده / وبالرغم من رداءة مستوى الكلمات ،لكن ، الفكرة غنية ولولا غناها ما كان لها هذا الشيوع بين أوساط شريحة واسعة من الجمهور .
المفارقة أن الجيلين يشككون في أساليب التربية ، تلك التى كانت سائدة في الماضي أو المتبعة الآن ،وكلاهما يحيلوا الفشل على بعضهم البعض ، بل ، الفئتان يتصورن ، أنهما على النهج والطريق الصحيح بل الأصح ، إلا أن ،كان ومازال من المفترض أن يوضع العيب في حجمه الحقيقي ، دون التورط في المبالغات ، فالوقائع ساهمت في احياء تصورات واسعة وأصبحت السيطرة عليها شبه مستحيل ، خذ عندك ،على سبل المثال ،عندما يرتكب الإنسان المنتفذ خطأ معين ، فالعيب هنا لا يذكر ،أما إذا كان العيب صادر عن إنسان عادي ، فالمسألة تكبر وتتوسع ، بل ، يمكن أن تخرج عن سياقاتها البسيطة حتى تصل أحياناً إلى اخراج المرء عن دينه ، فالأصل من التربويات ،معالجة الأخطاء ، وعندما يتناول المعالج اخطاء البعض ، طبعاً الهدف من ذلك ، فقط ،تصحيح السلوك ، شريطة أن لا تتحول إلى مرآة مقعرة ، تقعيراً ، تتوسع حلقتها إلى درجة التدمير ، في المقابل ، ومن المجدي أن لا يتلاشى الخطأ كالمرآة المحدبة ،يتقلص شيئاً فشياً حتى يصل إلى أمر يمكن تكراره ، بل ،لا بد من إظهار المحاسن في التربية ، بل ، من شروطها ،أن يتكلم المرء عن إيجابيات الإنسان قبل تناول أخطائه .
سخرية السخريات ،عندما يكتشف الأبناء حقيقة آباءهم والتلاميذ حقيقة أساتذتهم والعناصر والكوادر حقيقية قياداتهم ، وهكذا إلخ ، حينها فقط ،يفسر الواقع لماذا الجيل القديم توارى حتى الاختفاء ،والذي زاد الطين بلة ، التطور التكنولوجي الذي جعل منه غريب مجتمعياً ، فكيف يمكن للأب أن ينهي ولده عن سرقة دراجة هوائية من أقرب جار يسمع شخيره وفي ذات الوقت يشاهده يسرق أسطول بحري شُيد من قوت الشعب ،وكيف أيضاً ،لأستاذ طاعن في مادة التاريخ ، إستنفذ عمره في تلقين الطلاب عن ضرورة التضحية والدفاع عن الأوطان بالدماء ،وعند أول معركة ، تجده في الصفوف الأُولى للهاربين .
والسلام

اخر الأخبار