إشكاليات الديمقراطية العربية

تابعنا على:   02:17 2016-02-07

عمر حلمي الغول

الموضوع المثار يحتاج إلى بحوث معمقة ومستفيضة. ولا يمكن لهذة الزاوية ان تفي بالغرض. لكنها يمكن ان تتسع لرؤوس اقلام تمثل العناوين الاساسية لاشكاليات الديمقراطية في العالم الثالث وليس فقط في الوطن العربي. ومن بين ابرز العوامل المؤثرة في فشلها وتعثرها، هي: اولا الارث الاستعماري التاريخي، الذي لعب دورا معطلا لروافع الوعي الوطني والقومي، وتسييد الخطاب الديني بكل ابعاده السلبية؛ ثانيا  الحامل الاساسي للديمقراطية، هي البرجوازية الغربية. وهي ذات الحامل للاستعمار القديم والجديد بكل قساوته وبشاعته؛ ثالثا عدم تطور قوى وعلاقات الانتاج في الدول المستعمرة والمتحررة لاحقا، وإنعكاس ذلك على الوعي الجمعي، الذي بقي دون مستوى التمييز بين الحامل والمحمول؛ رابعا حوامل الدعوة للديمقراطية، لم يفصلوا بين الدولة والدين. لا بل خلطوا بينهما، لان وعيهم المعرفي الفكري السياسي لم يكن نضج للحد، الذي يسمح لهم بالتمييز بين البعدين الديني والوضعي. مما أتاح للمرجعيات الدينية تعطيل اي ملمح ديمقراطي حقيقي؛ خامسا غياب برامج التعليم والبحث العلمي القادرة على إحداث النقلة النوعية في الوعي المجتمعي، وإنحسار دور الثقافة والمعرفة في الجوانب الشكلية والثانوية؛ سادسا بعد الاستقلال عن الاستعمار القديم، عدم تمكن الانظمة السياسية الجديدة من التماهي مع روح العصر، وبقاءها اسيرة محدودية ثقافتها المعرفية، ليس هذا فحسب، بل ومحاربتها الديمقراطية. وعندما إضطرت للتعامل معها، لجأت لتفصيلها على مقاس نظامها السياسي؛ سابعا عدم تمكنها من التحرر الكامل من التبعية للاستعمار، حيث بقيت كلها وبتفاوت تسير في دائرة المحوطة لدول المركز الرأسمالي. وحتى عندما حاولت بعض الدول التعاون مع دول المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق، لم تتمكن من الاستفادة من الدعم المقدم لها، ارتباطا بالموروث الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وانعكاس ذلك على عدم قابلية تلك  الدول والشعوب الاستفادة من ذلك الدعم، أضف إلى ان التجربة الاشتراكية ذاتها على ما حملته من آفاق إيجابية لتصنيع تلك الدول، غير انها  نفسها كانت تعاني من مثالب الجمود الفكري والاستبداد المجتمعي باسم ديكتاتورية البروليتاريا، التي ضربت لاحقا التجربة الاشتراكية برمتها؛ ثامنا وعندما تمكنت بعض دول العالم الثالث (جنوب شرق اسيا او النمور الخمس) من تخطي عقبات التخلف العام للمجتمعات العالم ثالثية، كانت الدول الرأسمالية لها بالمرصاد، وافقدتها المزايا، التي تمتعت بها لفترة من الزمن، لان الرأسمالية كي تواصل نهب دول العالم، وتحقق الربح الاحتكاري وتعمم ثقافة الاستهلاك، كان لازاما عليها إخصاء اي تجربة رائدة لدول العالم الثالث؛ تاسعا كما ان الغرب الرأسمالي خلق ادواته السياسية والثقافية في دول العالم الثالث عموما والعالم العربي خصوصا، التي بدورها اسهمت بتعميق دائرة التناقضات الدينية والطائفية والمذهبية، ومهدت الساحات العربية لما تشهدة الان من عملية تمزق وتشظي تفوق نتائج مؤامرة سايكس بيكو؛ عاشرا اوجدت في قلب العالم العربي دولة إسرائيل الكولونيالية الاجلائية والاحلالية على انقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني. وهذه الدولة قنبلة موقوتة ومتفجرة باستمرار عبر بوابة الحروب الاستعمارية، والهدف من اقامتها: استنزاف طاقات الشعوب العربية التنموية، وتعطيل وشل اي إمكانية لتطور اي من دول العالم العربي، ضرب مشروع التحرر الكامل من التبعية للاستعمار بشكليه القديم والجديد، والحؤول دون تمكن المشروع القومي العربي النهضوي من تحقيق اهدافه في الوحدة والحرية والعدالة والتنمية المستدامة، العمل على تعميق عملية التشرذم في الدول العربية.

هذه وغيرها من العوامل، هي التي حالت دون بناء ركائز الديمقراطية في دول العالم العربي والعالم ثالثي برمته. وليس فقط التخلف وفساد الانظمة السياسية، بل الفساد الفكري والسياسي والثقافي للدول الرأسمالية والعولمة الاميركية. وبقدر ما تتنبه شعوب ودول الامة العربية للاخطار المختلفة، وتميز بين الحامل الرأسمالي والمحمول الديمقراطي الايجابي، بقدر ما يمكن ان تنهض شعوب الامة برمتها وتتحرر فلسطين من ربقة الاستعمار الاسرائيلي.

[email protected]

[email protected]        

اخر الأخبار