• الاربعاء 24 ابريل 2024
  • السنة السابعة عشر
  • En
تنويه أمد
خيار نتنياهو التفضيلي بموت الرهائن، قد يبدأ الحديث عنه بعد معركة رفح، والتي ستكون المحطة الأخيرة لإعادة احتلال قطاع غزة، والذهاب الى ترتيبات اليوم التالي.

مخاض مرحلة فلسطينية جديدة

تابعنا على:   11:06 2016-02-06

الياس سحاب

اذا نظرنا الى مشروع اغتصاب فلسطين من زاوية المتلقي (اي الضحية)، فانه يبدو لنا مشروعا تم تنفيذه على اقساط، وعلى مراحل متعددة ابتداء من المؤتمر الصهيوني الاول، حتى وعد بلفور، حتى «الانتداب» البريطاني على فلسطين لثلاثين عاما، حتى حرب 1948، حتى حرب 1967، حتى اتفاقية كامب دايفد، حتى اتفاقية اوسلو، التي اوصلت المشروع في مطلع القرن الجديد الى حالة شبه مكتملة مطابقة كاملة للحلم الصهيوني ـ الاستعماري، كما تم تخطيطه منذ البداية المبكرة في القرن التاسع عشر.
أما اذا نظرنا الى المشروع من زاوية المنفذ (اي الاستعمار الغربي والحركة الصهيونية)، فإننا نراه مشروعا متكاملا منذ خطواته الاولى، لكنه تم على مراحل متلاحقة، على مدى قرن كامل من الزمن، رغم بعض حالات الصعود والهبوط، بصفته مشروعا لإلغاء عروبة فلسطين الغاء كاملا، بكل اجزائها، وتحويل الكيان الصهيوني اولا الى حاجز يفصل المشرق العربي عن المغرب العربي، ثم الى جزء طبيعي من المنطقة العربية، يفرض عليها بقوة القهر، وقوة الاستسلام والرضوخ للأمر الواقع.
والأمور كانت واضحة بهذه الدقة وهذا الاكتمال على الاقل منذ العام 1948، وليس في بداية القرن الحادي والعشرين فقط.
فمنذ البداية في ذلك الوقت اي منذ الانسحاب المفاجئ والمشبوه لبريطانيا من فلسطين، بعد انتهاء ثلاثين عاما من تمكين الحركة الصهيونية من ارض فلسطين، وغض النظر عن تحولها الى قوة عسكرية عصرية مكتملة التدريب والتسليح، بدأ التطبيق الدولي المشبوه لأساس القرار الدولي: قرار التقسيم، الذي فتح الكيان الصهيوني منذ البداية ما يفوق بكثير التعداد البشري للسكان اليهود، مع ان كل هذه الكتلة البشرية اليهودية دفع بها الى اقتحام ارض فلسطين العربية دفعا قسريا، ولم تكن في يوم من الايام من سكان البلد الاصليين، فمنح قرار التقسيم ما يتجاوز نسبة الخمسين بالمائة من ارض فلسطين.
لكن، عندما وضعت حرب 1948 اوزارها بعد دور عربي رسمي مشبوه يبدو أقرب الى الاستخدام الدولي لاستكمال صورة المشروع الاستعماري من كل زواياه، حتى تبين ان ما احتلته القوات الصهيونية من ارض فلسطين العربية، قد وصل الى 75 بالمائة من الارض العربية، اي اكثر بكثير من النسبة التي منحها من غير اي استحقاق قرار التقسيم المشبوه والظالم.
ومع هذا التجاوز الفاضح في نسبة الارض العربية المحتلة من قبل القوات المسلحة الصهيونية، فقد انهمر على الدولة المصطنعة «اسرائيل» سيل الاعترافات الدولية، من الغرب ومن الشرق، وتحول هذا الاعتراف بعد ذلك الى حالة من الرعاية والحماية المستدانة التي يتمتع بها الكيان الصهيوني من اول دقيقة لقيامه، وحتى يومنا هذا.
ولم تكد هذه المرحلة الاولية من المشروع تتم بلمح البصر، وبغفلة من ضمير الامم المتحدة المؤسسة حديثا، والتي اقرت في نفس عام النكبة (1948)، شرعة حقوق الانسان، حتى بدأت المرحلة الثانية من الغاء الكيان العربي التاريخي لفلسطين، والذي يمتد الافا من السنين الى الوراء، فألحقت غزة بالإدارة المصرية، وثم ضم كل ما تبقى من شرق فلسطين (بعد ان اطلق عليه اسم الضفة الغربية) الى مملكة «شرق الاردن» (الاسم السابق لدولة الاردن)، التي كانت تقوم على ارض الضفة الشرقية فقط من نهر الاردن.
لكن اكتمال المشروع بهذه الصورة، لم ينل رضا الدوائر الصهيونية، ولا الدوائر الاستعمارية، فتم اجتياح قطاع غزة و «الضفة الغربية»، في حرب 1967، وبدأت منذ اليوم الاول للاحتلال الجديد، عملية تهويد القدس وكل اراضي الضفة الغربية.
هذا على جانب منفذي المشروع، اما على جانب العربي، فقد تعاقبت مراحل التراجع:
ـ انتهت مرحلة رد الفعل القــــومي على المشروع باتفاقية كامب دافيد، على ايدي السادات اولا، ثم تبعته بقية الانظمة العربية.
ـ انتهت مرحلة الكفاح المسلح الفلسطيني منذ ما يقارب ربع القرن، بعد تطبيق اتفاقيات اوسلو، ثم تراجع حركة حماس، قبل سنوات، باتجاه ممارسة عملية لما يشبه «عدم الاعتداء»، مع اسرائيل، ربما تمهيدا لتحويل الامر الواقع، الى اتفاق رسمي بعد فترة.
هذه هي الصورة المكتملة واقعيا لمشروع اغتصاب كامل فلسطين العربية، والغاء عروبتها، من زاوية الاوضاع العربية الرسمية.
لكن شعب فلسطين، بدأ يعلن عن مخاض لميلاد مرحلة جديدة، تبدأ بـ «هبة» محدودة المعالم لكنها تشمل شعب فلسطين في كل مكان (1948، 1967، والشتات)، للعودة بالقضية الى جذورها الاصلية، رفضا لغايات المشروع الاستعماري ـ الصهيوني الاساسية، ورفضا لحالة الاستسلام العربي، التي بدأت في بعض الاوضاع، تتحول الى حالة من التواطؤ.
قد يبدو المخاض طويلا، ابتداء بحالة محدودة ما زالت تحمل اسم «هبة»، لكنه منذ بدايته كان وما زال صراعا طويلا، يذكرنا بمرحلة السنوات المائتين التي استغرقها مشروع «الدولة الصليبية» قديما. كما تذكرنا بدولة «الأبرتهايد» السابقة في جنوب افريقيا.

عن السفير

اخر الأخبار