تركيا عاكفة على استعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.. لماذا الآن؟

تابعنا على:   10:55 2015-12-28

أمد/ لندن - لوسي كافانوف - (كرستيان سينس مونيتور): بعد أكثر من خمس سنوات من العداء العميق، تعكف تركيا وإسرائيل مؤخراً على استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما، والتي كانت قد قطعت في العام 2010، بعد أن قتلت القوات الخاصة الإسرائيلية تسعة نشطاء أتراك في غارة شنتها على سفينة مساعدات تركية متجهة إلى غزة المحاصرة.
وقال مسؤولون إسرائيليون مؤخراً، إن الحليفين الاستراتيجيين السابقين توصلا إلى اتفاق مبدئي لتطبيع العلاقات بينهما وتبادل السفراء، خلال مفاوضات جرت خلف أبواب مغلقة في سويسرا مؤخراً. ووفقاً لتقارير إعلامية، فإن إسرائيل ستنشئ صندوقاً خاصاً لتعويض أقارب ضحايا سفينة الإغاثة، في حين تُسقط تركيا كل مطالباتها حول تلك الحادثة.
في الوقت الذي شهد قطع العلاقات بين البلدين، كانت تركيا قد أعادت توجيه سياستها الخارجية بعيداً عن الغرب وفي اتجاه العالم الإسلامي. وتبدو استعادة العلاقات الدبلوماسية الآن تحركاً منطقياً بالنسبة لتركيا، كما يقول محللون، بينما تناضل مع الصراعات القائمة في سورية والعراق وتأثيراتهما المحتملة على إمداداتها من الطاقة. ومع ذلك، وعلى الرغم من حل مسألة صندوق تعويض الضحايا الأتراك، ما تزال السياسات الإسرائيلية تجاه غزة تشكل نقطة خلاف عالقة بين البلدين، كما يحذر البعض.
من جهتهم، حذر مسؤولون أتراك من أنه لم يتم التوقيع على اتفاق نهائي بين البلدين بعد، لكنهم أكدوا أن الجانبين "يحرزان تقدماً إيجابياً ملموساً" في هذا الاتجاه.
وقال عمر تشيليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم للصحفيين يوم الأحد من الأسبوع الماضي: "ليس هناك اتفاق ملموس بعد. لكن دولة إسرائيل وشعبها هم أصدقاء لتركيا بكل تأكيد".
ويأتي هذا الذوبان الذي طال انتظاره للجليد بينما يجد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، نفسه وهو يصبح معزولاً عن جيرانه باطراد بسبب الحرب في سورية. وقد أسقطت تركيا طائرة حربية روسية الشهر الماضي، وعلاقاتها مع إيران متوترة، كما أثار نشر قوات تركية في شمال العراق خلافاً مع بغداد أيضاً.
ويقول ستيفن كوك، الخبير في الشأن التركي في مجلس العلاقات الخارجية: "كان الإسرائيليون والأتراك يحاولون التعامل هذا الأمر منذ فترة من الوقت، لكن الرئيس إردوغان قرر أن يبرم اتفاقاً في هذا الوقت لأن المنطقة تتحلل الآن، ولم يعد لديه مكان آخر يذهب إليه".
عامل الطاقة
يقول محللون إن توقيت المصالحة مدفوع إلى حد كبير بتداعيات خلاف تركيا مع موسكو. ويقف الجانبان عملياً على جانبين متعارضين من الحرب في سورية -حيث تقوم حملة موسكو الجوية بدعم الرئيس بشار الأسد، بينما تدعم تركيا، الدولة العضو في حلف الناتو، جماعات الثوار المناهضين للأسد.
ويقول فادي حاكورة، خبير الشأن التركي في تشاثام هاوس في لندن: "إن رغبة تركيا في التصالح مع إسرائيل الآن هي في الأساس خطوة تكتيكية تهدف إلى تحسين الروابط مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، في أعقاب انقطاع العلاقات مع روسيا. لكن صناع السياسة الإسرائيليين لا ينظرون إلى تركيا كشريك مستقر، وسوف يكون من الصعب كثيراً على تركيا وإسرائيل أن تعودا إلى العلاقة الوثيقة نفسها التي كانتا تتمتعان بها سابقاً".
تقع مسألة الطاقة في القلب من هذا التقارب. وتعتمد تركيا على روسيا في أكثر من نصف مستورداتها من الغاز، وهي تخشى أن تستغل موسكو هذه الاعتمادية في ردها الانتقامي على إسقاط طائرتها المقاتلة. وقد أقدمت روسيا مسبقاً على صفع تركيا بعقوبات اقتصادية متواضعة، في حين أوقفت أيضاً المحادثات حول مشروع أنبوب الغاز الذي يفترض أن يمر عبر تركيا.
وفي الأثناء، توجد لدى إسرائيل بدورها طموحاتها الخاصة بالنسبة لصادرات الغاز: ففي الأسبوع قبل الماضي، وضعت اللمسات الأخيرة على خطة ترمي إلى تطوير حقل رئيسي ثانٍ للغاز في البحر المتوسط، وهي تبحث عن زبائن جدد لهذا الغاز. وقال مسؤولون إسرائيليون وأتراك إن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سوف تمهد الطريق لإجراء محادثات حول مشروع محتمل لمد أنبوب تحت البحر لإيصال الغاز الإسرائيلي إلى جنوب تركيا.
يقول دان أربيل، الزميل الرفيع في مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز في واشنطن: "يلعب العامل الروسي دوراً كبيراً في هذا الاعتبار، بينما يقع أردوغان تحت ضغط كبير في أعقاب التهديدات الروسية حول مشروع أنبوب الغاز التركي. وكان الخيار الإسرائيلي قيد النظر لبعض الوقت الآن، لكنه لم يتحول أبداً إلى واقع بسبب الجمود القائم حول الاعتبارات السياسية الأخرى. والآن، أصبحت لديه الأزمة السورية وتحدي الغاز ليتعامل معهما، وفجأة يصبح من المنطقي أن يحاول إردوغان تطبيع العلاقات".
ويضيف السيد أربيل: "إن إردوغان رجل براغماتي. وهو يريد إبرام الصفقات عندما يرى أن هناك نتائج ملموسة تنجم عنها بالنسبة إليه -ليس الأمر بالتأكد من أجل حب إسرائيل".
حصار غزة ما يزال يشكل قضية
كانت تركيا هي البلد الأول ذو الأغلبية المسلمة الذي يعترف بإسرائيل في العام 1949، وقد تمتع الجانبان بعلاقة وثيقة خلال عقد التسعينيات. لكن تلك العلاقات توترت بسبب صراعات إسرائيل مع الفلسطينيين. وكانت القشة الأخيرة هي هجوم إسرائيل القاتل في العام 2010 على أسطول الحرية الذي كان يسعى إلى كسر الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة الذي تديره حركة حماس.
في كثير من الأحيان، أدان إردوغان معاملة الدولة اليهودية للفلسطينيين، متهماً إسرائيل بأنها "تجاوزت هتلر في البربرية" في حربها التي شنتها على قطاع غزة في العام 2014. وقد ساعد هذا الخطاب أردوغان في حشد قاعدته الدينية المحافظة، بينما أسهم في تعزيز صورته في العالم الإسلامي أيضاً.
وكان إردوغان قد حدد ثلاثة شروط مسبقة للمصالحة مع إسرائيل، بما فيها اعتذار من الحكومة الإسرائيلية عن حادثة الأسطول، وهو الذي تلقاه من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في العام 2013، وتعويضات لضحايا الغارة، وهو ما يقول المسؤولون الإسرائيليون إنه الآن قيد العمل.
لكن محللين يقولون إن نجاح إعادة المصالحة الحالي يعتمد على كيفية تعامل الجانبين مع مطلب إردوغان الأخير: إنهاء الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة.
ويقول السيد أربيل عن ذلك: "لن تقوم إسرائيل برفع الحصار من أجل تركيا أو أي أحد آخر، وبذلك يدور السؤال حول ما إذا كان إردوغان راغباً في القبول بما هو أقل. أما إذا أصر، فإن هذه الصفقة منذورة بالفشل. لكنه إذا استطاع أن يكون خلاقاً بهذا الشأن وعثر على طريقة لتجاوز الأمور، فإننا ربما نشاهد انفراجاً في نهاية المطاف".
*نشر هذا التقرير تحت عنوان:
 Turkey set to restore diplomatic ties with Israel. Why now?
عن الغد الاردنية - ترجمة علاء الدين ابو زينة

اخر الأخبار