الرسالة السياسية المصرية للداخل والخارج هناك تقدم وقلق .. ومطلوب من الجميع الاجتهاد وطرح المبادرات

تابعنا على:   10:49 2015-11-28

نبيل فهمي

مع اقتراب نهاية عام جديد، من المناسب ان يقيّم الشعب المصري إنجازاتنا وإخفاقاتنا على المستويين الداخلي والخارجي، بعد استكمال خريطة الطريق بانتخاب البرلمان المصري الجديد، وفي ظل أحداث عديدة فى الشرق الأوسط، ومنها على سبيل المثال ليس الحصر الارهاب السرطاني من ناحية، واجتماع فيينا الأخير بشأن سوريا، الذي جمع فيه كل الأطراف الأجنبية على مائدة تفاوض واحدة من ناحية أخرى .

ويلاحظ أن مؤيدي ثورتي 30 يونيو و25 يناير تجمعهم الكثير من العناصر المشتركة، رغم كل محاولات الفرقة بينهما، واختلاف بعض منهم حول الرؤى التفصيلية للبلاد، منها رفض كليهما للحالة المصرية قبل 2011 و 2013 مباشرةً، ورغبة شعبية ومؤسسية واسعة للمشاركة في تحديد مستقبل مصر، والسعي لتوفير حياة حرة عادلة وكريمة للمواطن المصري، والرغبة في ضمان حرية القرار المصري خارجياً واستعادة مكانتها الاقليمية والدولية،

واعتقد، وهذا هو الأهم، أن مؤيدي الثورتين، ــ وأنا منهم ــ، سيخلصون في تقييمهم أنه قد تم ازالة رموز الحالة التي كانوا يرفضونها، ومع هذا ينتابهم احباط من أن طموحاتهم الكبيرة لم تتحقق بالقدر الكافي بعد مرور خمسة اعوام تقريباً على الثورة الأولى، وأكثر من عامين على الثانية.

هناك بالفعل انجازات ومشروعات تحققت، ويجب عدم التهوين منها، ورغم بعض الاختلافات الحادة بين مطالب النشطاء في ثورتي 25 يناير و 30 يونيو، من أصحاب الصوت الأعلى، فما يزعجني حقاً هو شعور الوسط السياسي للثورتين أيضاً بعدم الارتياح لما وصلت اليه أمورنا المصرية، الذي ترجم إلى مشاركة شعبية ضعيفة في الانتخابات البرلمانية المصرية، لم يطرح فيها المرشحون آراءهم السياسية، أو يعلنوا عن مواقفهم، وانتشر المال السياسي كأننا ننتخب مندوبين لتخليص الأعمال بدلاً من مرشحين وفقاً لرؤية سياسية، والمفترض ان تكون الانتخابات عرساً لمؤيدي ثورة 25 يناير الداعمين لإقامة نظام سياسي جديد، واحتفالاً لمؤيدي ثورة 30 يونيو باعتبارها المرحلة الخاتمة والناجزة لخريطة الطريق، وخطوة تعيد المؤسسات المصرية إلى وضعها الطبيعي.

لا غنى عن العمل الدءوب والتفاني، حباً في الوطن، وتأكيدا لصحوة الضمير، ولأن الاجتهاد هو السبيل الوحيد لتحقيق حتى الحد الأدنى من طموحاتنا والتصدي للمخاطر حولنا.

من الضروري تعضيد وتوضيح الخطاب السياسي لتنوير المواطنين، وليكون أساسا ومعيارا للأداء التنفيذي للحكومة، وفقاً لتصور معلن للرؤية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما لم نره بالدرجة المطلوبة، فعدا اننا في حرب ضد الارهاب، ولا خلاف حول ذلك في حال وضوح وصراحة الخطاب السياسي مسبقاً.

لم تعد الظروف تحتمل العودة إلى اللامبالاة أو الغموض، في ظل مخاطر جمة، وتحديات كثيرة خارجية وداخلية، وهو ما يفرض علينا أيضاً السعي إلى لم الشمل المصري والعمل معا، في اطار منظومة سياسية مدنية جامعة للآراء المختلفة، حتى وإن اختلفنا حول بعض المواقف والمجالات، ولا أعني بهذا ضرورةً الاصطفاف حول موقف سياسي واحد، فلا مانع من اختلاف الرؤى، بل أراه مفيداً، وإنما ادعو إلى الالتفاف حول المبادئ الرئيسية للدستور المدني، وعلى القيادة السياسية أخذ مبادرة لم شمل مؤيدي الثورتين حول النظام السياسي المدني المصري، بصرف النظر عن اختلاف الرؤى حول بعض التفاصيل، و اقترح :

أولاً: إلقاء خطاب للأمة بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية مباشرةً، يتناول اقصى المخاطر مثل الإرهاب وأهم التحديات ، وإنما ويركز على تصور للنظام السياسي لمصر الحديثة والعقد الاجتماعي مع الشعب، وعلى ضرورة لم شمل المجتمع المصري، مع احترام الرأي والرأي الآخر، وقد تكون مناسبة للإفراج عن عدد من المحبوسين احتياطياً لمدة طويلة دون توجيه اتهام لهم، ولتكون رسالةً وتوجيهاً للحكومة الحالية بجميع مؤسساتها، أو أي حكومات قادمة، بضرورة العمل بمعدلات أسرع، وشفافية أوسع، واحترام للمواطن المصري أياً كان مستواه الاجتماعي أو رأيه السياسي.

ثانياً: اجراء حوار وطني بين التيار الوسطي من مؤيدي 25 يناير و 30 يونيو، وكل من يحترم الدستور، حول عدد من القضايا الحساسة، مثل توازن السلطات بين المؤسسات المصرية، وسياسات الدولة تجاه الأعباء الاقتصادية للكادحين، ومدى التزامها بقواعد الاقتصاد الحر، والمتطلبات اللازمة لمواجهة الارهاب، والحريات الشخصية والمدنية، ودور الدين في السياسة. فهي قضايا يتم مناقشتها اعلامياً وفي مجالس ومحافل كثيرة، وانما بشكل عصبي استقطابي وغير مجد.

وهناك الكثير من عناصر الاتفاق بين ثورتي 25 يناير و 30 يونيو بالنسبة لعلاقات مصر الخارجية، من حيث ضرورة العمل على توافرالبدائل المصرية. والاهتمام بإعادة الريادة المصرية اقليمياً، وهو المنهج السياسي الذي تم اتباعه رسمياً والمضي عليه منذ منتصف يوليو 2013. ولن تجد الدولة صعوبة في حشد المواطنين لدعم الخطوط العامة لسياستها الخارجية في مواجهة الأحداث الخطيرة التي يتعرض لها الشرق الأوسط.

كما لن يختلف أحد على ان هذه المنطقة وعالمنا العربي يشهدان تغيرات جذرية في توازن القوى، لمصلحة الأطراف غير العربية، خاصةً إيران وتركيا وإسرائيل، وان الهوية الوطنية العربية ذاتها في خطر لحساب الانتماءات العرقية، أو الطائفية، أو الدينية، أو المذهبية، بكل ما يحمله ذلك من مخاطر وعوامل عدم الاستقرار على المصالح المصرية ودورها التقليدي. وشهدت حدودنا الغربية، والشرقية، والجنوبية اضطرابات ومخاطر متواصلة ، ليبياً، وفلسطينياً، وسودانياً، فضلاً عن توتر عام مع الدول الغربية بعد ثورة 2013، واندلاع نزاعات لها انعكاس مباشر على الأمن القومي المصري والهوية العربية، في لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، وانتشار التطرف والارهاب عبر المنطقة بأكملها، امتد إلى قارات اخرى. ولا اتذكر فترة في تاريخ مصر الحديث واجهنا هذا العدد من المشاكل الخطيرة في آنٍ واحد.

هناك بين الحين والآخر تآمر من بعض الأطراف، ممن مصلحتهم اضعاف الهوية العربية، وغني عن القول أن السياسة الأمريكية في تفتيت العراق وإعادة تشكيله على نمط عرقي وطائفي ساعد على اضعاف مركزية الدولة، و شجع الدفوع بالهوية العرقية، كما ان تدخل الحلف الأطلنطي في ليبيا ثم ترك البلد يتفتت داخلياً فور القضاء على القذافي من الأخطاء الفادحة التي فتحت ابواب جهنم على حدودنا الغربية.

وإنما لن تصان المصلحة العربية أو المصرية من موقع رد الفعل للأحداث، أو بتحميل مسئولية المشاكل على شماعة المؤامرة الكبرى أو أخطاء الغير، وهو ما أصبح سائداً في اعلامنا، وعلينا عدم إغفال أن الاسلام السياسي العنيف موطنه الأساسي هو العالم العربي والاسلامي، قبل أن يُستخدم أمريكياً ضد السوفييت في افغانستان منذ سنوات، بالتعاون مع دول عربية، أو ان الاعتماد المبالغ فيه على الولايات المتحدة جعل بعض العرب يؤيد صراحةً أو ضمنياً الغزو الأمريكي لدولة العراق، واننا جميعاً تعايشنا مع القذافي اكثر من اربعين عاماً، فضلاً عن اغفال العرب الحصول على ضوابط واضحة على العمليات العسكرية بليبيا من الحلف الأطلنطي، أو تفاهمات خطط التأمين و إعادة الإعمار بعدها.

إذا كان المجتمع الدولي مخطئا، فمسئولية العالم العربي فيما وصلت إليه الأمور هي الأساس، لأننا اعتمدنا على الغير في الغرب والشرق في قضايا امننا القومي، دون طرح رؤية سياسية لأغلب هذه القضايا، عدا اقتراح مجلس التعاون الخليجي حول اليمن، والذي هدمه علي عبدالله صالح، و تركنا ليبيا، و العراق، و سوريا، و الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية في فراغ عربي سياسي، وأصبح العرب متنازعين على الأرض، داعمين لتيارات مختلفة داخل اراض عربية. فاختُصرت الدعوة على السعودية في الاجتماعات الرئيسية حول سوريا في باريس و فيينا، قبل توسيعها إلى 17 دولة، و يقوم مبعوث اممي بالتفاوض حول ليبيا دون مشاركة عربية، وآخر بالنسبة لليمن.

بكل صراحة، ان السلبية العربية، وغياب الفكر والطرح الدبلوماسي العربي أخطر علينا بكثير من اي تآمر أو مؤامرة تحاك ضدنا، لأن سلبيتنا وغموض مواقفنا تجعل المنطقة بأكملها تصاغ وفقاً لأجندات أجنبية، و على اسس عرقية و طائفية و مذهبية بيننا.

للأسف أصبح المجتمع الدولي ينظر للعالم العربي على انها منطقة شبه منهارة وجزء من المشاكل الاقليمية والدولية، و لن يتجاوز دورها في تمويل نفقات الحل، كان ذلك بالنسبة للاجئين، أو إعادة اعمار سوريا واليمن و ليبيا.

إزاء ذلك يجب ان تكون لدينا رؤية مستقبلية ثاقبة شاملة ومحكمة، لمواجهة المخاطر واستغلال الفرص المتاحة،و يتطلب هذا اطلاقنا رسالة سياسية معلنة وواضحة، وممارسة دبلوماسية نشطة و مرنة و مبادرة.

قمت في الأسابيع الأخيرة بجولة خارجية اخذتني إلى الصين و الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية الخليجية، قابلت خلالها مسئوليها وشخصيات دولية عديدة نقلوا لي قلقا دوليا واسعا تجاه العالم العربي عامةً، ووجدت رغبة حقيقية في التعاون مع مصر في بناء مستقبل افضل بالمنطقة، وحتى ضمن من لم يكونوا مرتاحين لثورة 30 يونيو، غير ان هذه الرغبة كانت مصحوبة أيضاُ بتشكيك متكرر من قبل عدد غير قليل، بما فيهم بعض الدول العربية، حول قدرتنا في القيام بدور ريادي اقليمي، في ظل الضغوط التي تواجهنا داخلياً.

واستمعت لبعض التساؤلات الجادة حول حقيقة رغبة مصر في استعادة هذا الدور، في ظل غياب اي مبادرات مصرية حول القضايا العربية الاقليمية، رغم جولات الرئيس الخارجية. وقد لفت نظري تكرار الملاحظات من بعض الأخوة العرب عن ندرة «القضايا العربية» في الخطاب الخارجي المصري، وتركيزه أولاً وأخيراً على قضية الإرهاب. وهو ما دفعهم إلى التساؤل عن البعد العربي السياسي للدبلوماسية المصرية، وشكك البعض خطأً في استعداد مصر تحمل مسئوليتها الإقليمية، وأخطأ آخر ونفي تصورهم أن مصر عليها ان تكون شرطي المنطقة العربية وحاميها الوحيد.

تفرض المصلحة المصرية أن نكون أكثر وضوحاً في مواقفنا، حتى لا يترنح الشعب المصري بين التفاؤل المفرط في حل القضايا مثل قضية سد النهضة لمجرد توقيع الإعلان الثلاثي، و سرعة التفكير في عمل عسكري مع تعثر المفاوضات واستمرار معدلات بناء السد، رغم انها مفاوضات تحتاج لمراجعة دقيقة ووقفة صريحة قبل فوات الأوان.

علينا مصارحة الشعب حتى لا يتخبط بين عداء غير مبرر أو منطقي للغرب، وغرام غير واقعي أو مؤسس للبدائل الأخرى، ثم يفاجأ و يُحبط عندما تلتقي الأطراف حول سوريا دون مشاركتنا، أو تصدر أحكام حادث الطائرة الروسية، دون التشاور معنا، أو حتى ابلاغنا بكافة المعلومات الموجودة لديهم حول حادث وقع على أراضينا، بغض النظر عن أن مصر كان عليها الأخذ بزمام المبادرة، بالتصريح والإعلان عن تفاصيل الحادث كلما تبلورت، حتى لا تشعر مجتمعاتنا ان هناك من يتآمر ضدنا، أو يتصور الغير اننا نتجنب التعامل مع الأحداث بشفافية.. المطلوب ان نطرح منهجية تحركنا الخارجي في شكل استراتيجية عمل خارجية على أسس واضحة، حتى يطمئن الصديق عن دعمنا الحقيقي له وفقاً لمفهومنا، ويردع العدو عن تجاوزات في شأن مصالحنا، وليحسب لنا حساب في إعادة بلورة المعادلة الدولية والإقليمية، ومن الأهمية ان نتيقن في هذا السياق انه رغم ارتفاع نبرة التوتر بين روسيا وأمريكا والأزمات المفاجئة مثل اسقاط تركيا للطائرة الروسية على حدودها، فلا يرغب أحد العودة إلى الحرب الباردة، أو الدخول في صدامات لا داعي لها، ومع استمرار تنافسهم الشرس فضلوا لغة الحوار حول إيران، و سوريا، والإرهاب.

خلاصتي إذن بالنسبة للسياسات الخارجية، هي نفس ما استخلصته حول السياسات الداخلية، وهي ان هناك تقدما، وهناك قلق، ومطلوب من الجميع الاجتهاد وطرح المبادرات الدبلوماسية حول القضايا الإقليمية كطرف فاعل والساحة اليمنية تحديداً مجال مناسبً الآن لمبادرة مصرية كرئيس القمة العربية وبعد اعلان قرب انتهاء العمليات العسكرية المشتركة، وإنما من الأهمية أيضاً ودون تأخير، طرح تصورنا للشرق الأوسط ودورنا وتحركنا، وبقدر أكبر من العلنية والتفصيل، كطرف له رؤية متعددة العناصر، وصاحب برنامج عمل للأعوام القادمة، لموازنة الرؤية التركية، والإيرانية، والإسرائيلية، أو رؤى بعض الدول العربية، حتى نؤمن مصالحنا ونتخذ خطوات نحو استعادة ريادتنا بالفكر المتطور و العمل الجاد.

عن الاهرام

اخر الأخبار