داعش اداة في الصراع بين الدول العظمي

تابعنا على:   20:39 2015-11-26

د. رياض عبدالكريم عواد

من الواضح ان الشعوب العربية وقواها السياسية لم تستطع انجاز مشروعها الوطني التحرري لاسباب عديدة تتعلق ببنيتها الطبقية ومرتكزاتها النظرية والثقافية. هذا ادى الى سيادة نهج القمع والاقصاء لمختلف فئات المجتمع ووقف النمو الاقتصادي بل تراجعه مما ادى التى تفشى البطالة والفقر بين مختلف فئات المجتمع خاصة بين الشباب وتشوه نظام التعليم الذي بات يعتمد على التلقين والحفظ وتقديس التراث والماضي مما أدى الى تنشئة جيل جديد محدود التفكير من السهل قيادته والتأثير عليه باستخدام الخطاب الديني الذي يحاول مستخدميه تعويض هذا الجيل ما فقدوه في الدنيا من حياة حقيقية.

ان واقع الشعوب العربية الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لا يمكن وحده تفسير ظاهرة التطرف الفكري التي تسود بلادنا ووصل تاثيرها الى كثير من دول العالم.

من هنا لا بد ايضا من رؤية تأثير الاضطهاد القومي التي تعرضت له كثير من الدول العربية على ايدي الاستعمار الامريكي والاوروبي، سوريا والعراق وليبيا كأمثلة تم استباحتها ونهب خيراتها وتدمير بنيتها الاقتصادية والاجتماعية وتشتيت وتهجير خيرة ابنائها المتعلمين وتدمير جيوشها الوطنية وخلق ادوات طائفية وقبلية وعشائرية اقرب منها للعصابات حولتها الى دول فاشلة. هذا بالاضافة الى الاحتلال الطويل لفلسطين وتهجير شعبها وتعرضه للقمع والتنكيل اليومي على ايادي الجيش الاسرائيلي والمستوطنيين وحرمان هذا الشعب من حقوقه الوطنية الاساسية.

ان داعش ومن قبلها القاعدة وكل الحركات الجهادية الاسلامية في المنطقة هي ليست نتاج مشاكل المنطقة الاجتماعية والاقتصادية فقط وهي ايضا لا تعبر عن ثقافة المنطقة او طموحاتها ، بل هي بالاضافة الى ذلك نتاج للاستخدام السياسي والصراع بين مختلف الدول الكبرى.

كيف يمكن تفسير انتشار هذا التنظيم في مختلف ارجاء العالم ، وكيف نفسر تعاظم مقدرته وقوته التي جعلته يقاتل في سوريا والعراق ، ويخطط ويسقط الطائرة الروسية فوق سيناء ، وبعد ايام قليلة يوجه ضرباته المتتالية في باريس عاصمة الثقافة والانوار، ومن ثم يسقط عشرات القتلى بين الامن الرئاسي التونسي، ويقتل قضاة مصريين في سيناء. بالاضافة الى الخوف والرعب السائد بين الشعوب الاوروبية ، والاستنفار ورفع حالة الطوارئ في لندن وبروكسل والعديد من المدن والعواصم الاوروبية الاخرى خوفا من ضربات هذا التنظيم المتوقعة!

ان هذه المقدرة الفائقة على القتال والقتل والتفجير في مناطق مختلفة من العالم في وقت واحد يطرح من خلال هذه الصورة القاتمة سؤالا هاما هو ، من يدير هذا التنظيم ومن يقوده ويوجهه، من يموله ويسلحه، وما هي اهدافه من نشر هذا الرعب في العالم ، وما علاقة ذلك بالعولمة وصراع الحضارات.

لا يمكن تفسير قوة هذا التنظيم ومعرفة اهدافه الحقيقية الا بمعرفة اهداف الامبريالية الامريكية في سيطرتها على العالم بالاضافة الى مراقبة سلوك بعض ادواتها الاقليمية التي تتطلع للسيطرة على الاقليم ولتكون الوكيل الحصري لامريكيا في المنطقة.

ان داعش تنظيم دولي تقوده مخابرات دول قوية تستخدم فيه ابناء المنطقة المغيبة عقولهم والغارقين في اليأس والوهم في تنفيذ اهدافها في تفتييت المنطقة واضعافها والسيطرة على خيراتها لعقود جديدة من الزمن القادم.

ان اسقاط الطائرة الروسية المدنية فوق اجواء سيناء ومن ثم اسقاط طائرة السخوي ٢٤ بالنيران التركية يبين بوضح ان ما يحدث في المنطقة هو صراع بين الدول العظمى، وان داعش وتركيا ما هي الا ادوات صغيرة تستخدمها امريكيا لتدمير المنطقة ونهب خيراتها، وتخويف اوروبا وإبقائها تابعة ذليلة لبرامجها وإضعاف روسيا ومنعها من التواجد في المنطقة، ووقف علاقتها مع اوروبا حتى تبقى هي الدولة الوحيدة التي تهيمن على النظام العالمي وحيد القطب، فهل تنجح امريكيا في ذلك؟!

ان التصدي لداعش وهزيمتها لا يمكن الا بالتصدي لكل الاسباب الذاتية والموضوعية التي ساعدت على انشائها ، وفهم والتصدي للمخططات الاستعمارية لامريكيا في المنطقة، والوقوف في وجه الدول الاقليمية التي تحاول ان تهيمن على منطقتنا وشعوبنا العربية مستخدمة مختلف الذرائع القومية والدينية.

اخر الأخبار