هكذا تدفع إسرائيل ثمن محاولة تهميش عباس

تابعنا على:   13:29 2015-11-26

ريهام عودة

عندما تستمعون لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو، وهو يخطب في مؤتمر الجمعية العمومية لاتحاد يهود أمريكا الشمالية، الذي تم عقده بالولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 10-11-2015 ، وتلاحظون مدى حماسه وهو يصف تقدم وحضارة دولته الإسرائيلية خاصة في مجال أمن المواقع الالكترونية و المياه ، يكاد المستمعون ، يشعرون أن نتانياهو يصف دولة حديثة سعيدة ، لا يوجد لدى سكانها أية مخاوف ، فهم حسب تقييمه مواطنون سعداء ومنتجون يعيشون في كنف الدولة الديمقراطية الوحيدة بالشرق الأوسط في محيط من دول عربية غير ديمقراطية ممزقة تعاني من صراعات داخلية و انتهاكات لحقوق الإنسان حسب وصف نتانياهو ، ضمن إجابته التقليدية لأي سؤال يطرح عليه ، يناقش مدى شرعية وجود إسرائيل في المنطقة.

و ربما ما يطرحه نتانياهو عن تقدم إسرائيلي التكنولوجي ، وعن كون إسرائيل دولة ديمقراطية قد يكون صحيحاً نوعاً ما ، لكن طريقة تصويره لدولته الإسرائيلية بأنها قد تبقى لقيد الحياة للأبد و أنها تستطيع أن تعيش على حد السيف، هو ما ليس منطقياً ، لأن الحروب لا تجلب أبداً السلام لأي دولة مهما ارتفع شأنها ، و القوة العسكرية و التقدم االتكنولوجي ليست ضمانه لبقاء أي دولة على قيد الحياة!

فقد علمنا التاريخ أن الصمود و القدرة على البقاء لأي دولة ، تأتي من قدرة السكان على الاستمرار في العطاء و في البناء و من قدرتهم على الصمود النفسي و المعنوي و شعورهم بالاستقرار و الأمان ، و ليس فقط شعورهم بالرخاء المادي و التقدم الاقتصادي.

فثاني درجة بهرم الاحتياجات الإنسانية الذي صممه العالم النفسي ماسلو، هو الحاجة للشعور بالأمان ، فبدون أن يشعر أي مواطن مهما كانت جنسيته بالأمان، لا بقاء أبدي لدولته، وسوف تنهار أجلاً أم عاجلاً تلك الدولة ، لأن هذه هي قواعد حياة الدول عبر مر الزمن.

لذا يرى عدد كبير من الخبراء الأمنيين الإسرائيليين أنه من مصلحة إسرائيل أن تُغير سياستها تجاه الفلسطينيين، و أن تُحسن معاملتهم ، حتى تخفف من حدة الصراع معهم و تتمكن من الاستمرار بالعيش بجوارهم دون التعرض لتهديدات أمنية.

و بالنظر إلي ما تقدمه إسرائيل في بعض الأحيان للفلسطينيين من تسهيلات إنسانية و اقتصادية، نستطيع القول أن تلك التسهيلات، لا يمكن اعتبارها كافية مقارنة بمدى النفع الذي ستحصل عليه إسرائيل، في حال تحسنت أوضاع الفلسطينيين وانخفضت نسبة إحباطهم من الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الإنسانية المتأزمة ، التي تعتبر من أكبر العوامل التي تدفعهم لصب جم غضبهم ضد الاحتلال الإسرائيلي بغض النظر عن الأسباب الوطنية الأخرى،لأنهم بكل بساطه يعتبرون إسرائيل السبب الرئيسي لكل مشاكلهم و أزماتهم الوطنية.

إن الخطوات التي قامت بها حكومتي نتانياهو السابقة و الحالية في محاولاتهما إضعاف و إحراج الرئيس محمود عباس أمام شعبه و في وسط المجتمع الدولي ، حيث قام نتانياهو بقيادة حملات إعلامية ودولية ضد الرئيس عباس، متهمه تارة بأنه يشبه تنظيم داعش و أنه يدعم الإرهاب، ومتهمه تارة أخرى بأنه كاذب، من شأن تلك الخطوات ، أن تجرح كرامة أي مواطن عادي، و ليس فقط رجل بمكانة عباس الذي يحظى بدعم عربي و قبول دولي!

فإذا كان نتانياهو يرفض مطالب عباس و يرفض التفاوض معه، فها هو البديل الآن الذي يتلقاه الشعب الإسرائيلي ، مزيد من الطعنات و مزيد من العمليات العسكرية التي تنال من المستوطنين بالضفة الغربية و التي تنشر الفوضى في شوارع القدس و تدخل الرعب لقلوب السكان اليهود.

إن إسرائيل تدفع ثمن محاولتها تهميش عباس و سلطته برام الله ، من دماء أبنائها و من صحتهم النفسية ، عبر تجاهلها أيضا لأهم مطلب للرئيس وهو إطلاق سراح القيادي الفتحاوي مروان البرغوثي، الذي يُعتبر أمل حركة فتح الكبير لتقوية الحركة بالشارع الفلسطيني ، نظرا لما يملكه البرغوثي من شعبية كبيرة بالضفة الغربية و قطاع غزة ، مما يجعل منه مرشح مثالي لحركة فتح يضمن لها الفوز الساحق بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

وترفض إسرائيل إطلاق سراح البرغوثي بأي صفقة تبادل أسرى محتمله، لأنها تعتبره من أهم قادة فتح الذين دعموا تسليح الانتفاضة الثانية و الذين خططوا لشن عمليات عسكرية ضد الإسرائيليين ، لذا فهي لا تثق به و لا تراه شريك محتمل للسلام .

لكن هذا الانطباع الإسرائيلي السلبي حول أي قائد فلسطيني ذو خلفية عسكرية ، قد يتم ترشيحه من قبل الفلسطينيين ليكون طرف بالمفاوضات المتعلقة بالسلام مع الإسرائيليين، ليس جديداً، حيث سبق و أن اتهمت إسرائيل الرئيس الراحل ياسر عرفات بأنه رجل حرب و خطط لعدد كبير من العمليات المسلحة ضد إسرائيل، و بالرغم من ذلك وقعت إسرائيل مع عرفات اتفاقية أوسلو للسلام .

ففي السياسة وفي مصالح الدول ، لا يوجد مسلمات و لا يوجد قواعد ثابتة ، فرجل الحرب قد يتحول مع مرور الزمن لرجل سلام وقد يحصل على جائزة نوبل أيضاً ، و رجل السلام قد يتحول في يوما ما ، مع الغضب و شدة الإحباط لرجل حرب.

إن تجاهل إسرائيل لتهديدات عباس بتفكيك السلطة الفلسطينية لكي يحمل إسرائيل عبء إدارة الضفة الغربية ، أدى ذلك لخلط الأوراق بالضفة الغربية و قلب الطاولة على رأس الجميع ، فثقة حكومة نتانياهو الزائدة بنفسها وتجاهلها لأهمية دور السلطة الفلسطينية في استقرار الضفة الغربية ، جعل ذلك موقف السلطة محرجاً أمام شعبها الفلسطيني ، و جعل ذلك عدة أطراف أخرى تتدخل بالمشهد الأمني الفلسطيني بالضفة الغربية ، مما أدى إلي زيادة قناعة الفلسطينيين أن طريق التفاوض مع الإسرائيليين هو طريق محكوم عليه بالفشل و أن الحل الوحيد للتخلص من الاستيطان و تحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، لا يمكن الوصول إليه سوى بواسطة الكفاح المسلح .

فقد أحبطت إسرائيل منهج عباس السلمي الذي يقوده منذ سنوات ، ويروج له عبر صفوف الفلسطينيين، وصورته بأنه شخص منافق وضعيف لا يمكن التفاوض معه.

وإن كان أيضاً ليس مضموناً أن يتم تحقيق اتفاق نهائي مع إسرائيل في ظل حكم سلطة عباس الحالية أو السلطة التي يمكن أن يترأسها القائد مروان البرغوثي في حال تم إطلاق سراحه ، لكن لا يوجد شك بأن بقاء السلطة الفلسطينية وعدم إضعافها ، سيكون من أهم خطوات المراحل الانتقالية التي قد تؤدي إلي تمهيد الطريق نحو عقد اتفاق نهائي بالمستقبل يؤدي لحل الدولتين حسب قرار الأمم المتحدة رقم 242 .

 

اخر الأخبار